تولد كلماتي عند المخاض تولد كلماتي عند الأنين المضني، عند البكاء الخافث والحرمان الدفين، تولد كلماتي عند الدهشة والألم وجموح اليأس، عند الانتظار والترقب واللحظات ماقبل الولادة، تولد كلماتي بالقرب من بائع السجائر بالتقسيط، بالقرب من عامل النظافة العجوز والأرملة الشقراء، تولد كلماتي غير بعيد عن عامل في ورش البناء، غير بعيد عن بائع البقدنوس والشمع وبطاريات الراديو تولد كلماتي من دون استئذان عند الصخب والعاصفة، عند صيحات العجوز وأزيز الباب في وجهة الريح، تولد كلماتي عند شغب الطفولة وتعاستها وتمردها، عند فيلق الجنود المشاة ما بعد الحدود والبارود، تولد كلماتي غير محتشمة عند مراهقة الخمسين، عند َوقوف عانس من على شرفة تتوشح البياض غسقا، تولد كلماتي تباعا مسترسلة رغما عني عند كف أمي المخضب بالحناء الأحمر المائل إلى السواد، عند شفتيها المعسلتين بالسواك، عند عينيها الذين غازلهما الكحل يوما فلم يبرح رموشها، تولد كلماتي عند الزقاق القديم والفرن العتيق وحارس الليل النائم ورائحة القهوة المتبلة مساء بحي “المزيبلة” ، عند حيطان الزوايا القديمة الباردة، عند انتظار الآتي قد لا يأتي، عند قبلة الوداع الأخيرة والنظرة العميقة، هنا فقط تولد كلماتي وتحط رحالها في حبور. بت أنزعج من الكتابة عن الياسمين والابتسامة التي تخفي وراءها خوفا وهفيف الفجر، عن البحر الهادئ ليلا، عن الحب الكاذب، عن اللباقة المفتعلة والسادية المغلفة، عن طيور الربيع والثلج الدافء. أستسمحكم يا شعراء الورد ويا كتاب النسيم العليل، لم أختر كيف أكون ، ولله في خلقه شؤون. (المزيبلة:حي بالمدينة العتيقة بالقصر الكبير المغربية)