عاهدت نفسي على ألا أخوض في القضايا السياسية في مدينة القصر الكبير لاعتبارات عديدة، منها أنني غير مقيم بالمدينة، ومنها أن العديد من المتفاعلين مع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي ميّعوا المشهد في المدينة حينما أصبحوا يستعملون أسلوب الترهيب والتشويه لأي رأي مختلف أو مخالف لهم، ومنها أن الساحة السياسية في المدينة ابتعد عنها الكثير من المتمرسين المبدئيين وطرأ اليها آخرون لا يجمعهم بالعمل السياسي سوى الخير والإحسان، ومنها أن عددا لا يستهان به من المكتب المسير لجماعة القصر الكبير أصدقاء أعزاء لي، تجمعني وإياهم محبة وتقدير واحترام، وأعرف جيدا معدنهم وأخلاقهم، وتشاركت وإياهم تاريخا وسفرا وأعمالا ومعاملات، تمنعني من تقييم عملهم التدبيري أو المس بذمتهم أو أخلاقهم. في سياق آخر، دائما كنت من المتابعين للمعارك السياسية في مدينة القصر الكبير التي أجد فيها تدافعا وأفكارا واجتهادا من هذا الجانب أو ذاك، وكنت أترفع عن المعارك الأخرى التي لا طائل من ورائها سوى بحث أصحابها عن مكانة أو حسنة أو صدقة أو حاجة أو مصلحة، وكنت أعتقد أن هذا التدافع تستطيع مدينة القصر الكبير الاستفادة منه مادام الهدف هو المصلحة العامة، ومادامت المدينة هي الهدف وليس الأشخاص. هذا مع الاعتراف بأن عددا من المتدافعين، بالأفكار والمبادرات، تحركهم أهواء سياسية في أفق البحث عن موقع قدم في انتخابات 2021، وهذا ليس عيبا مادام العمل السياسي مفتوحا أمام من تتوفر لديه الإرادة والمعرفة والعلم، سواء كان الحال باصطفاف حزبي أو بإرادة شخصية كاريزمية مؤثرة. بموازاة هذا كنت أتابع بعض الأصوات الإعلامية، المجتهدة والمتميزة، التي تواكب الأحداث وتتتبع الساحة، وكنت أشجع أصحابها، بالرغم من اختلافي الفكري والمنهجي معهم، وأعتبر عملهم لبنة مهمة في أفق بناء مشهد إعلامي قصري ناضج وراشد، بغض النظر عن الاصطفاف السياسي والتبعية لجهة أو حزب أو شخص، مادامت مسألة الاستقلالية نسبية في أول وآخر المطاف، ومادامت الموضوعية والمهنية قضية نسبية كذلك، حتى في أكبر وأعرق المؤسسات الإعلامية في العالم بأسره. من التجارب الإعلامية التي كنت ولازلت أتابعها باهتمام وانتباه وشغف، تجربة الصديق حميد الجوهري في برنامجه (حوار بلاحدود)، وتجربة الصديق محمد الساحلي في برنامجه (هناوالآن، أصوات من الشمال)، مع الاحتفاظ بإمكانيات الاختلاف بين البرنامجين في الرؤية والإعداد وانتقاء الضيوف، مع تسجيل أن البرنامجين كليهما، يتكون من فريق إعداد أحباب وأصدقاء لنا، (جلال الحمدوني وربيع الطاهري) بالنسبة لبرنامج حميد الجوهري، و(عفيف العرائشي) بالنسبة لبرنامج محمد الساحلي. سبب نزول كل هذا القول هو الاستقصاد المبني على الإصرار والترصد لتجربة محمد الساحلي (أصوات من الشمال). لماذا هذه الجلبة وهذا الضجيج المحيط ببرنامج محمد الساحلي، (أصوات من الشمال)؟ هل لأنه فسح مجالا للرئيس السابق سعيد خيرون للحديث عن حصيلة المجلس الجماعي الحالي؟ هل لأنه أخلف الوعد مع أحد أعضاء المكتب المسير الحالي (رشيد الصبار)، وتراجعه عن استضافته في البرنامج؟ هل انفتاح محمد الساحلي على الأصوات المعارضة لتجربة المجلس الجماعي الحالي هو سبب هذا التحامل على شخصه وأخلاقه وعمله؟ هل أصبح صوت محمد الساحلي مزعجا إلى الدرجة التي تسمح إلى محاربته بكل الأسلحة الممكنة ؟ بالأمس القريب، كنت أشجع برنامج (حوار بلا حدود) من خلال شخص معده ومقدمه حميد الجوهري، وكنت أتمنى استمراره بالرغم من اصطفافه إلى جانب التجربة الجديدة للمجلس الجماعي بمدينة القصر الكبير، وبالرغم من مهادنته وتبنيه لاختيارات ومنهجية الرئاسة، وكنت أعتبر ذلك حرية إعلامية وحرية في الموقف يجب أن نثمنها ونعتبرها خطا أحمر، إذاك كنت أقول لحميد الجوهري بأن موقفه يعجبني، لوضوح دفاعه عن الرئاسة بشجاعة وبوجه مكشوف وباقتناع، وبدون خشونة جارحة في الاتجاه الآخر. كنت أعتبر هذا اجتهادا وتقديرا للأمور يحسب لصاحبه، على عكس أناس آخرين كانوا منافقين ماكرين، أو لم يكونوا موفقين في تسويقهم لموقفهم. كل هذا وحميد الجوهري يفتح أبواب برنامجه أمام الرئيس محمد السيمو لتقديم برنامجه وتوضيح أفكاره للناس، الأمر الذي كنت أعتبره منسجما مع رؤية البرنامج الإعلامي (حوار بلاحدود)، مادام الأمر ينحصر في تسويق الرئاسة والدعاية لها بشكل اختياري واضح بدون المس بثوابت العمل الإعلامي، بلا سب أو شتم أو ما يدخل في سياقهما، وكنت أعتبر هذه التجربة، رغم انحيازها مكسبا لمدينة القصر الكبير. اليوم، بنفس المنطق أنظر إلى تجربة محمد الساحلي وبرنامجه ( أصوات من الشمال)، وبنفس المنهج أحلل عمله الإعلامي، بالرغم من عدم بروز دلائل أو مؤشرات انحيازه لاتجاه أو حزب معين. بناء عليه، برنامج محمد الساحلي يظهر لي مفتوحا أمام كل أطر الشمال، مع التنصيص على كلمة (أطر)، وكل من مر في البرنامج لا نقاش عليه. ثم، ما العيب إذا كان البرنامج يحتفظ بمسافة نقدية من تجربة التسيير الجماعي الحالية في مدينة القصر الكبير؟ أليس هذا تقوية لها واعترافا بتأثيرها وقوتها؟ في الوقت نفسه، ما الذي يمنع من تموقف محمد الساحلي، باعتباره أحد أبناء المدينة وأحد المتابعين للشأن السياسي والثقافي في المغرب، موقفا نقديا من تجربة التسيير في القصر الكبير؟ هل عدم الاصطفاف مع الأغلبية المناصرة للرئاسة يسمح لبعض الناس من تهديده والنبش في تاريخه لإرهابه لكي يصمت؟ هل بهذا الأسلوب نخدم الرئاسة الجماعية في مدينة القصر الكبير، ونبرز محطات نجاح تجربة التحالف الجديد؟ أليس هذا ضربا تحت الحزام وإرهابا فكريا وأخلاقيا لكل صوت ارتأى التغريد خارج السرب؟ أين يكمن الإشكال، حتى وإن كان محمد الساحلي يتقاطع في اختيارات محاوره وأسئلته مع عدد من منتقدي التجربة الجديدة، أشخاصا وأحزابا، أليس هذا اختلافا محمودا وتدافعا مطلوبا الهدف منه مصلحة المدينة؟ أليست مدينة القصر الكبير في حاجة إلى حركية نقدية بعيدا ان التجاذبات السياسوية، تعيد للمدينة بعض ألقها السياسي الذي أفسده المنافقون والمكولسون والباحثون عن المصالح الذاتية؟ ما الفرق بين حميد الجوهري ومحمد الساحلي، سوى زاوية نظر ومنهج عمل وموقف شخصي يأخذ بعين الاعتبار ما يجري ويدور داخل المدينة؟ هل انتفت إمكانيات وجود أصوات متعددة متقابلة ومتعارضة في القصر الكبير، ولا أحقية إلا لصوت واحد ولون واحد وشكل واحد وشخص واحد في الوجود؟ أهكذا أصبحنا نحن القصريين؟؟؟ منذ دائما، كانت أهم مميزات القصريين هو التنوع والتعدد، في الانتماء وفي الأفكار وفي الثقافة، بقبول للآخر واحترام له وتقدير، وحتى في أوج الاختلاف والصراع، وتعدد الرؤى والمصالح، كانت المعارك تخاض بشرف، لأن الشرف تربى على ظله كل القصريين بدون استثناء، أو هكذا يجب أن يكون الأمر. أتحدث عن محمد الساحلي، بعيدا عن التقييم التقني والأخلاقي لتدبير المجلس الجماعي الحالي والمجلس الجماعي السابق والمجلس البلدي الذي سبقه والذي كان قبله، لأن التقييم له سياق ومسار آخر، ولأن التقييم بدوره قيمي يرتبط بالموقع والموقف وبالانتساب وبالتعاطف، مهما حاولنا أن نكون موضوعيين باحثين عن الحق والحقيقة. عود على بدء، محمد الساحلي، وغير محمد الساحلي، من شتى التوجهات والأطياف والحساسيات، له الحق في التعبير عن رأيه ووجهة نظره في برنامجه الإعلامي، كما في الواقع والحياة. أخيرا، الذي عايش مثلي، طيلة أربعين عاما ونيف، محمد بوخالفة ومحمد بوحيا ومحمد الطويل وسعيد خيرون ومحمد السيمو، سيقتنع أن لكل من هؤلاء وقته، وأن الثابت هو المدينة بوضعها وحالها الكارثي المؤلم، والدوام لله من قبل ومن بعد.