منذ مدّة، آل محمد بدري على نفسه المساهمة في تحسين واجهة أحياء مدينة القصر الكبير قدر المستطاع. يشتغل بإمكانيات بسيطة، دون أن تدعمه أيّ جهة، عَدا بعض أصدقائه ومعارفه الذين يلجأ إليهم لتوفير الصباغة التي يُبدع بها جداريات تُداري الوجه السيّء لبعض الأحياء. يفضّل محمد بدري أن يُوصف ب”عاشق الفن” وليس ب”الفنان التشكيلي”، لكنّ هوسه وولعه بالرسم على جدران الأماكن العامة في مدينة القصر الكبير، سواء داخل الحي القديم أو في الأحياء الجديدة، جعل الناس يطلقون عليه لقب “مجدوب الحيوط”. لا يقوم محمد بدري برسم جدارياته بشكل اعتباطي، بل يختارها بدقة؛ ذلك أنه لا يهدف فقط من وراء رسم الجداريات إلى إضفاء مُسحة من الجمال على أحياء مدينة القصر الكبير، بل يهدف في المقام الأوّل إلى لفْت انتباه المسؤولين إلى أنّ الأمكنة التي يرسم فيها تحتاج إلى عناية، خاصة الأمان التاريخية، كما يتخذ من الألوان وسيلة للتربية وتغيير عقلية الإنسان. الإشارات التي يُرسلها “عاشق الفن” إلى المسؤولين عن تسيير الشأن العام في مدينة القصر الكبير تجد في بعض الأحيان صداها، ويرى أنه يُحرجهم بطريقة غير مباشرة، بجعل الأماكن التي يزيّنها بجدارياته يختلط فيها جمال الفن التشكيلي بقُبْح الإهمال. بالرغم من ذلك، يصرّ “مجدوب الحيوط” على التأكيد أنه “لا يخدُم جهة ما على حساب أخرى”، موضحا بالقول: “أنا كنخدم البلاد (يقصد المدينة)، وأتحدّى أيّا كان أن يكون قد أعطاني ولو خمسين فرنكا”. يفتخر محمد بدري بكونه يستطيع “إحراج” المسؤولين بدون هوادة، نظرا لكونه لا يحصل على الدعم من أي جهة، ويقول: “باش كنقضي عليهم تّا واحد مكيعطيني شي حاجة، وما كنطلب حدّ”، مشيرا إلى أنّ آخر جدارية رسمها حصل على الصباغة التي استعملها فيها من طرف مدير مؤسسة تعليمية بأصيلة. من بين الأماكن التي زيّنها محمد بدري بجدارياته حائط مُحاذ لسكّة القطار، رسم عليه “أكبر جدارية في المنطقة الشمالية”، على حد تعبيره، واختار هذا المكان، كما يقول، “علّ وعسى أنْ يحمل المسافرون الذين يعبرون مدينة القصر الكبير نظرة إيجابية عن هذه المدنية التي أحبها كثيرا”. لا يهدف محمد بدري من خلال الجداريات التي يرسمها إلى لفت انتباه مسؤولي مدينة القصر الكبير إلى الأماكن التي تحتاج إلى عناية، أو أن تخلّف المدينة انطباعا جيدا لدى العابرين بها، فقط، بل يهدف من ورائها أيضا إلى توثيق تراث مدينة القصر الكبير. في أحد الدروب الضيقة وسط الحي القديم، رسم بدري جداريات تجسّد أغاني “كناوة”، ويشرح سبب اختياره موضوع هذه الجدارية بكون الجدار الذي رُسمت عليه هو لفضاء تقام فيه “الحْضرة الكناوية”، بالقرب من البيت الذي ترعرع فيه حميد القصري، وتتلمذ فيه “تاكْناويت” على يَد أحد المْعلمين الراحلين، كان يسمى المعلم بّا ميلود. في هذا المكان تقام “الحضرة الكناوية” في ليلة دخول رمضان، وفي منتصفه وفي عاشوراء، وسط إيقاعات وطقوس جسّدها محمد بدري بالريشة والصباغة، علّه يحافظ على جزء من ذاكرة “درب كناوة”، دون أن ينسى توجيه لوْم إلى الفنان الكناوي الشهير أحمد القصري، “لأنه تجاهل الحي الذي ترعرع فيه ونسيَ مدينته وأصله”، على حد تعبيره.