مقبرة سيدي عبد الله المظلوم، أو "جبانية" كما كنا نسميها كانت أهم فضاءات لعب "ولاد الدرب" في صباي، وألعابنا كانت مختلفة جدا عن ألعاب هذه الأيام.. كانت متنوعة وجماعية، و صديقة للبيئة إذ تعتمد على إعادة تدوير ما نجده مرميا. في "جبانية" كنا نصنع "دراجات" من القصب وسددات علب الزيت وعلب السردين الفارغة ونتنافس في تزيينها بفوانيس من الشمع والقوارير البلاستيكية الشفافة.. كنا نصنع الطبول في رمضان من علب الصباغة وأكياس البلاستيك السميكة، صناعنا السيوف والبنادق القصبية وكانت "ركيزة" لعبتنا الشتوية بامتياز.. وفي "جبانية" أيضا كنا نتلذد بأكل "الثورة" و"العشلوش" وأحيانا بوجبات أكثر تعقيدا مثل شي العصافير أو طبخ "الببوش" (حيث كنت أكتفي بالتفرج).. وبين الحين والآخر كانت "جبانية" تحتضن هزائمنا وانتصاراتنا في معارك الحجارة التي نخوضها ضد "ولاد حومة سيدي الكامل" أو "ولاد حومة المحفر" حين يتملكنا الضجر. ضريح "سيدي عبد الله المظلوم"، بالقبر المكشوف والأرضية المربعة المطلية دائما بجير أبيض ناصع والشاهدة على جدران وقبة طالها الإندثار، كان حاضرا برمزيته التي تتثير الرهبة في نفوسنا، فكنا نتحاشى الإقتراب منه قدر الإمكان.. وحين صرنا أكبر قليلا أصبحنا نغير عليه بين الحين والآخر للظفر بالشموع وقطع النقود الصفراء التي تلقيها العجائز وهن يشكين بؤس أحوالهم إلى ساكن القبر. وجدنا مرة "عتوقة" سوداء مربطة وبعض البيض "البلدي".. "زيارة" موضوعة بعناية بجانب القبر، ومخيفة لأقراني الذين حرك الريش الأسود رعبهم الدفين.. كنت الوحيد الذي تجرأ على أخد الدجاجة والبيض مدفوعا فالفضول أكثر من الشجاعة، ولأيام ظل "أولاد الدرب" ينتظرون أن يصيبني المس الذي رأوا أني أستحقه .. وبعد أن يئسوا طالبوا بنصيبهم من ثمن الدجاجة الذي أهدرته.. كان خوفي من غضبهم أكبر من خوفي من صاحب القبر..المظلوم.