موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب القوت
نشر في هسبريس يوم 07 - 01 - 2010


الخروج من فم الثعبان
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
الأشغال لا تنتهي ومعها الاستعباد.أخذت ضمن عشرة آخرين للعمل في محلات تربية الدواجن.عفونة وقرف في كل مكان.كنا ننظف اربعة عشر حظيرة، في كل حظيرة فضلات 34 ألف دجاجة.وبعد العمل لا ماء ولا نظافة.كل ما كنا نسلي به أنفسنا هو سرقة البيض.فكروا أيضا في غرس حديقة بها خضراوات قرب ضيعة الدجاج، بما أن المكان تزوره وفود بين الحين والآخر.كلفت ورفيق آخر بالعملية.تمويل الضيعة كان تبرعات من منظمات صهيونية وشيوعية حاقدة، والخبرة التقنية من كوبا، أما الإنتاج فكان يسوق في الجزائر والأسواق الأفريقية.
استمرت لعبة الفأر والقط بيننا وبينهم في سرقة البيض.ذات مرة قمت بالعملية نفسها وأوصيت أسيرا أن يراقب الوضع حينما أنفذ السطو الحلال.سرقنا دجاجتين وبيضا وتركنا وراءنا علبا منكسرة وتخريبا بينا لبعض الآليات.جاؤوا على الفور للتحقيق معنا.أجبناهم أن يسألوا الحارس المتواطئ معنا.الحارس أخبرهم أننا لم نلج المكان.وما ساعدنا أننا أخفينا معالم السرقة تماما.جن جنون مانويل، مساعد الجلاد ولد الميلس، فأقسم أنه لو ضبط من سرق متلبسا لأزال اسنانه بالملقاط حينا وأرسله إلى أخطر السجون.تعرض إثرها أكثر من مائتين وأربعين سجينا للجلد الجماعي.أخبرنا لطفي، أحد الأسرى، أنه سمع قرارا صدر بأن كل من ضبطت بحوزته بيضة سيعاقب أشد عذاب.وفعلا ضبط رفيق لنا يدعى البدوي فأدخل السجان قلما في عينه قبل أن يحيله على الأمن الذي أرسله بدوره إلى أخطر مركز. أسير آخر عثروا في حزامه على حبتي بصل فكانت عقوبته أسبوعين من التعذيب، بواقع أسبوع عقاب مقابل حبة بصل واحدة.صديقنا الفرم سرق دجاجة فربطوه بحبل وجرجرته سيارة الجيب كيلومترات عديدة في الصحراء وجلدوه.وكلما عذبونا ازدادت رغبتنا في السرقة تحت وطأة الجوع.جاء دوري، وجدت المخزن مفتوحا فسطوت على ثلاثين بيضة ودجاجتين ذبحتهما بحجر حاد.فاجأني حارس يدعى سيدي أحمد.جاء الزبانية فسألوني ماذا أصنع؟ قلت إنه دجاج ميت وأنا أريد أكل اللحم.استمر التحقيق فأصررت أن الدجاج ميت وأن لا علاقة لي بالبيض.جاء ولد الميلس فأخبروه بقصتي.فكان لي الجواب نفسه.قرر ولد الميلس بأن يعاقبني بطريقة خاصة بأن يضعوا الدجاج الميت إكليلا في عنقي وأن يسكبوا علي ماء الدجاج العفن.جمعوا الدجاج الميت من كل مكان ووضعوه في عنقي وقبل أن يفعلوا نزعت ثيابي.فاستغل جلاد الموقف وجلدني ثم أدخلوني صهريجا عفنا مليئا بفضلات الدجاج..كنت أشتغل مكرها تحت برد قارس وشلال من العفونة ينزل فوق رأسي والجلاد ينكل بي ويقول لي: ناد على الحسن الثاني كي ينقذك.بقيت على تلك الحال حتى العصر، فإذا بي أرى بيها، وهو مغربي الأصل، أشفق لحالي بعد أن أخبرته بما حصل.تأسف وأعطاني صابونا وقارورة عطر وطلب مني أن أعجل بغسل جسدي وصب العطر عليه.وما أن فعلت وتمددت عاريا حتى جاءني الجلاد الاغضف وبدأ ينزل بالسوط على جلدي العاري.كنت وإياه وجها لوجه ولم يرنا أحد، وتحت حرارة السوط أمسكت بمعول وأقسمت إن لم يقف لأقطفن رأسه.تركتي مسرعا فإذا ببيها يأمرني أن أستمر في الشغل، وبعد لحظات جاءت جماعة الجلادين مجتمعين.بيها شهد لصالحي واتهم الاغضف بالجنون.صرفهم الرجل بعيدا عني ونهرني كي أعمل.كانوا يراعون شيخوخة الرجل ويحترمونه ولذلك تركوني.بعدها أخبرني" بيها"أن الأغضف قاتل لأبيه.أخذوني ليلا لزنزانة انفرادية عقوبة شهر ونصف.أحسست بالموت يهاجمني واحتسبت أمري لله.بعد نهاية العقوبة أرسلوني للمركز الخلفي للناحية الثانية، وهو من أخطر الأماكن.أخذت على متن سيارة جيب في عهدة جلادين جزائريين، أحدهما مرافق أمني لولد البوهالي، وجهان بشعان تلقيا تدريبهما في كوبا ويوغوسلافيا.في المركز الخلفي وضعوني في حفرة مع ثمانية عشر شابا أسيرا كانت وجوههم قد تفحمت وصاروا مثل أشباح.قررت أن أعلن العصيان وألا أشتغل مهما كان الثمن.في اليوم الثالث للعمل تظاهرت بالسقوط، وامتنعت عن الأكل نهارا، وتناولت بعض الطعام ليلا.وبما أنني لم أذهب للعمل صباحا فقد دخل علي في الزنزانة حارسان وجرجراني إلى خارج المكان.جربا معي الجلد كي أنهض للعمل.حاولا معي بالرفس فلم أقم من مكاني.السياط مثل الصعقات الكهربائية تسري مع العظام.يئسوا مني فتركوني.جاءني طبيب ففصحني ثم بدأ يصفعي.تصورا طبيبا يكشف على المريض بالصفع.استمر جلدي سبعة عشر يوما، هم يحاولون وأنا أعيد السيناريو كل يوم.
أرجعوني إلى حيث كنت سابقا.بعد أسابيع أخذوني إلى مكان أرادوا أن يشيدوا فيه محكمة، سيكون على رأسها السويدي ولد وكاك، كبير الجلادين.بعد تسقيف مبنى المحكمة أخذوني مع آخرين إلى ما يسمى ولاية السمارة لبناء مقر للشرطة.كان برفقتي شاب من تازة يدعى الكيحل.بقي الكيحل في خدمة "السبيك" ووجهوني أنا إلى الشرطة التي استنطقتني بقصد ترهيبي أولا كي أشتغل.كان ضمن عناصر الشرطة هناك خليهن ولد سيدي موسى والمدعو الحاج، وهما جزائريان يتحدثان الفرنسية.كان التحقيق سخيفا وتخللته الصفعات قبل أن يحملوني إلى المعتقل الذي كان يرأسه ابراهيم ولد السيد، شقيق البشير مصطفى السيد.رفضني مدير السجن لأنهم لم يأتوا بملفي،أعادوني للشرطة الذين اتصلوا بأصحاب الرابوني الذين تحدثوا إلى مدير السجن.كان هدف إبراهيم إهانة غير مباشرة للجزائريين، ولعله بدأ في تلك المرحلة يراجع نفسه.لم يسلمني للشرطة إلا بعد عشرة أيام.
المينورسو وشيوخ الهوية مسحورون
بدأنا نشتغل وإذا بالسماء تغيثنا بأمطار طوفانية أغرقت المخيم و"ولاية العيون" تماما، لكن المرتزقة وظفوا غضب السماء من أجل استدرار مزيد من المساعدات الدولية.بعد الغرق،بدأوا في سباقات عسكرية فيما بينهم لاختبار مدى جاهزية المراكز، وكلها ألاعيب، في الحقيقة، لدعاية رخيصة هدفها حلب مزيد من المساعدات من وراء البحار.هيأ السجناء مكان السباق واستغرقت الاشغال سبعة وأربعين يوما،وبدأت المسابقة العسكرية التي حضرها أعضاء الحكومة الجزائرية وباقي كبار الضباط وبعض أفراد المينورسو..وطبعا لم تغب الباغية السنية بنت أحمد.
صبيحة نهاية السباق، أخذنا للرابوني وتركنا وراءنا خمسين سجينا بمخيم العيون.في الرابوني وزعونا إلى فريقين، الأول يتوجه لأم غريد والثاني يذهب إلى مركز التموين.كانت البوليساريو قد تلقت مساعدة من إسبانيا لبناء مركز للتكوين المهني سيكون على رأسه سالم بركة.وأم غريد توجد ما بين الجزائر وموريتانيا ومالي،والمركز خصص لإيواء أبناء اللقطاء.من ذهبوا لبناء المركز قضوا هناك سنة تحت السياط، طبقوا فيها بالحرف صايا أبراهيم غالي: لا للمرض، لا للنقاش، نعم للشغلة الحارة.
بدأت في تلك الآونة عمليت تحديد الهوية التي رأيت فيها العجب العجاب، فبالإضافة إلى التدليس والغش يلجأ المرتزقة إلى السحر والشعوذة وإغراء النساء.وأذكر من بين الأسماء المعروفة بالدجل في الناحية الخامسة محمد ولد بودا وغوتم وبدا.أما كبير مشعوذي محمد عبد العزيز فهو شيخ قصير القامة، وما كان يطبق علينا نحن المساجين بجعلنا مضبوعين لا نستطيع مغادرة المكان، كان لأعضاء المينورسو نصيب منه، وتعرف تلك المناطق ب "السلالة" وهم أفارقة سود لديهم قدرة على سل دم الإنسان بالنظر إليه فقط.
قضينا ثلاثة أشهر في الرابوني بنينا خلالها مجلسا كان يعد لشيوخ تحديد الهوية لاحقا، ثم بنينا مقرا للمينورسو.وهناك تعرفت على عدد من الشيوخ الذين عادوا لاحقا إلى المغرب.
بدأت المناورات الجزائرية من خلال مؤسسات استخباراتية نشطت على مستويات عدة عبر مديريات وهمية كالإشارة والطب العسكري والمحافظة السياسية ومقرات الدفاع ومديريات الأفراد ومديرية الإمدادات العسكرية ومقر الداخلية ومقر المجلس ومديرية الدرك..إلخ لكي يوهموا بأن الأمر يتعلق بدولة مهيكلة.تم تخصيص عدد من الأذناب للضغط على الشيوخ، وقد تمت مراعاة شرط أن يكون أعضاء لجنة المراقبة تحت إمرة محمد عبد العزيز مباشرة. كانوا يدخلون الناس إلى الخيام ويلقنون الناس، سيما الشبان، ماذا يقولون للشيوخ حول أماكن وتواريخ وأحداث سبقت، وهكذا يحل الأحياء بدل الأموات في أفق تزوير الحقائق والوقائع والتاريخ والجغرافيا.
مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تغيرت بعض الأمور مع تسجيلنا في الصليب الأحمر الدولي، وأصبحت فينا جرعات زائدة من التحدي والجرأة، ما كان يظهر بجلاء في نقاشات حادة كانت تجمعنا أحيانا بمحسوبين على قياديي البوليساريو أو بأفراد من المخابرات الجزائرية لدى زياراتهم للمراكز، وقد جادلنا مرة عددا من الضباط وأفحمناهم، بكثير من السخرية، في أمور تتعلق بسياساتهم تجاه المغرب وقلنا لهم إنه بدل أن يدافعوا عن "الشعب الصحراوي" فالأحرى بهم الدفاع عن شعبهم الجزائرالذي لا يجد حتى الماء الصالح للشرب في قلب العاصمة،وبدل الدخول في نزاع مع المغرب العظيم المسالم، عليهم إطفاء نار الفتنة والحرب الأهلية بين أبناء شعبهم.أما المقربون لقادة الجبهة فقد واجهت واحدا منهم، وكان قائد مركز، بأن تحديته أن يحدد لي أين توجد بوجدور قبل أن يدعي أنه صحراوي وأفهمته أن الصحراوي القح لا يسب الذات الإلهية، ما حدا بأحد أزلامه ليضربني بلكمة مازالت آثارها على وجهي.
لكن الوضع الجديد نسبيا لا يعني الخلاص بل لولا الألطاف الإلهية، التي سخرت لي، حسن الذكر، عبد الله ولد فراح،الذي أنقذني من هلاك محقق مرتين لكنت في خبر كان. في المناسبة الأولى سمعني حارس أخطط للفرار مع الشهيد طلحة السرغيني فأبلغ بنا الأمن، وبينما أخذوا طلحة للمجزرة ادعيت أنني كنت أشتغل تحت حراسة ولد فراح، نادوا على عبد الله ولد فراح الذي أنقذني لما شهد أنني كنت أشتغل تحت مراقبته الشخصية، وفي مناسبة ثانية قرروا إدخالي الزنزانة عقابا فتدخل ولد فراح لينجدني ونادى على با العبدي، وهو من بني عمومة الحضرمي،ثم رخصوا لي، بتوصية من الطبيب، أن أستريح خمسة أيام،وبعدها وجهوني للاشتغال في بناء مركز التكوين المهني.
في المركز التقيت عددا من رفاق الدرب القاسي وهم محمد الهيشو والعياطي ميلود ومصطفى الاقرع وعبد العزيز مجذوب وابراهيم اكريندة والسكام ميمون وسمير الوجدي والحسن أيور والفضيل وآخرين.كنا نبذل قصارى جهدنا لتبذير كل ما يأتي من مساعدات للبناء: الإسمنت نبعثره والأخشاب إما نكسرها أونشعل فيها النار بحجة طهي الطعام ومن هناك بدأت سياستنا للتخريب من الداخل ما استطعنا.كنا كلما غافلنا الحرس عبثنا بكل ما يقع تحت أيدينا.
[email protected] mailto:[email protected]
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
الأشغال لا تنتهي ومعها الاستعباد.أخذت ضمن عشرة آخرين للعمل في محلات تربية الدواجن.عفونة وقرف في كل مكان.كنا ننظف اربعة عشر حظيرة، في كل حظيرة فضلات 34 ألف دجاجة.وبعد العمل لا ماء ولا نظافة.كل ما كنا نسلي به أنفسنا هو سرقة البيض.فكروا أيضا في غرس حديقة بها خضراوات قرب ضيعة الدجاج، بما أن المكان تزوره وفود بين الحين والآخر.كلفت ورفيق آخر بالعملية.تمويل الضيعة كان تبرعات من منظمات صهيونية وشيوعية حاقدة، والخبرة التقنية من كوبا، أما الإنتاج فكان يسوق في الجزائر والأسواق الأفريقية.
استمرت لعبة الفأر والقط بيننا وبينهم في سرقة البيض.ذات مرة قمت بالعملية نفسها وأوصيت أسيرا أن يراقب الوضع حينما أنفذ السطو الحلال.سرقنا دجاجتين وبيضا وتركنا وراءنا علبا منكسرة وتخريبا بينا لبعض الآليات.جاؤوا على الفور للتحقيق معنا.أجبناهم أن يسألوا الحارس المتواطئ معنا.الحارس أخبرهم أننا لم نلج المكان.وما ساعدنا أننا أخفينا معالم السرقة تماما.جن جنون مانويل، مساعد الجلاد ولد الميلس، فأقسم أنه لو ضبط من سرق متلبسا لأزال اسنانه بالملقاط حينا وأرسله إلى أخطر السجون.تعرض إثرها أكثر من مائتين وأربعين سجينا للجلد الجماعي.أخبرنا لطفي، أحد الأسرى، أنه سمع قرارا صدر بأن كل من ضبطت بحوزته بيضة سيعاقب أشد عذاب.وفعلا ضبط رفيق لنا يدعى البدوي فأدخل السجان قلما في عينه قبل أن يحيله على الأمن الذي أرسله بدوره إلى أخطر مركز. أسير آخر عثروا في حزامه على حبتي بصل فكانت عقوبته أسبوعين من التعذيب، بواقع أسبوع عقاب مقابل حبة بصل واحدة.صديقنا الفرم سرق دجاجة فربطوه بحبل وجرجرته سيارة الجيب كيلومترات عديدة في الصحراء وجلدوه.وكلما عذبونا ازدادت رغبتنا في السرقة تحت وطأة الجوع.جاء دوري، وجدت المخزن مفتوحا فسطوت على ثلاثين بيضة ودجاجتين ذبحتهما بحجر حاد.فاجأني حارس يدعى سيدي أحمد.جاء الزبانية فسألوني ماذا أصنع؟ قلت إنه دجاج ميت وأنا أريد أكل اللحم.استمر التحقيق فأصررت أن الدجاج ميت وأن لا علاقة لي بالبيض.جاء ولد الميلس فأخبروه بقصتي.فكان لي الجواب نفسه.قرر ولد الميلس بأن يعاقبني بطريقة خاصة بأن يضعوا الدجاج الميت إكليلا في عنقي وأن يسكبوا علي ماء الدجاج العفن.جمعوا الدجاج الميت من كل مكان ووضعوه في عنقي وقبل أن يفعلوا نزعت ثيابي.فاستغل جلاد الموقف وجلدني ثم أدخلوني صهريجا عفنا مليئا بفضلات الدجاج..كنت أشتغل مكرها تحت برد قارس وشلال من العفونة ينزل فوق رأسي والجلاد ينكل بي ويقول لي: ناد على الحسن الثاني كي ينقذك.بقيت على تلك الحال حتى العصر، فإذا بي أرى بيها، وهو مغربي الأصل، أشفق لحالي بعد أن أخبرته بما حصل.تأسف وأعطاني صابونا وقارورة عطر وطلب مني أن أعجل بغسل جسدي وصب العطر عليه.وما أن فعلت وتمددت عاريا حتى جاءني الجلاد الاغضف وبدأ ينزل بالسوط على جلدي العاري.كنت وإياه وجها لوجه ولم يرنا أحد، وتحت حرارة السوط أمسكت بمعول وأقسمت إن لم يقف لأقطفن رأسه.تركتي مسرعا فإذا ببيها يأمرني أن أستمر في الشغل، وبعد لحظات جاءت جماعة الجلادين مجتمعين.بيها شهد لصالحي واتهم الاغضف بالجنون.صرفهم الرجل بعيدا عني ونهرني كي أعمل.كانوا يراعون شيخوخة الرجل ويحترمونه ولذلك تركوني.بعدها أخبرني" بيها"أن الأغضف قاتل لأبيه.أخذوني ليلا لزنزانة انفرادية عقوبة شهر ونصف.أحسست بالموت يهاجمني واحتسبت أمري لله.بعد نهاية العقوبة أرسلوني للمركز الخلفي للناحية الثانية، وهو من أخطر الأماكن.أخذت على متن سيارة جيب في عهدة جلادين جزائريين، أحدهما مرافق أمني لولد البوهالي، وجهان بشعان تلقيا تدريبهما في كوبا ويوغوسلافيا.في المركز الخلفي وضعوني في حفرة مع ثمانية عشر شابا أسيرا كانت وجوههم قد تفحمت وصاروا مثل أشباح.قررت أن أعلن العصيان وألا أشتغل مهما كان الثمن.في اليوم الثالث للعمل تظاهرت بالسقوط، وامتنعت عن الأكل نهارا، وتناولت بعض الطعام ليلا.وبما أنني لم أذهب للعمل صباحا فقد دخل علي في الزنزانة حارسان وجرجراني إلى خارج المكان.جربا معي الجلد كي أنهض للعمل.حاولا معي بالرفس فلم أقم من مكاني.السياط مثل الصعقات الكهربائية تسري مع العظام.يئسوا مني فتركوني.جاءني طبيب ففصحني ثم بدأ يصفعي.تصورا طبيبا يكشف على المريض بالصفع.استمر جلدي سبعة عشر يوما، هم يحاولون وأنا أعيد السيناريو كل يوم.
أرجعوني إلى حيث كنت سابقا.بعد أسابيع أخذوني إلى مكان أرادوا أن يشيدوا فيه محكمة، سيكون على رأسها السويدي ولد وكاك، كبير الجلادين.بعد تسقيف مبنى المحكمة أخذوني مع آخرين إلى ما يسمى ولاية السمارة لبناء مقر للشرطة.كان برفقتي شاب من تازة يدعى الكيحل.بقي الكيحل في خدمة "السبيك" ووجهوني أنا إلى الشرطة التي استنطقتني بقصد ترهيبي أولا كي أشتغل.كان ضمن عناصر الشرطة هناك خليهن ولد سيدي موسى والمدعو الحاج، وهما جزائريان يتحدثان الفرنسية.كان التحقيق سخيفا وتخللته الصفعات قبل أن يحملوني إلى المعتقل الذي كان يرأسه ابراهيم ولد السيد، شقيق البشير مصطفى السيد.رفضني مدير السجن لأنهم لم يأتوا بملفي،أعادوني للشرطة الذين اتصلوا بأصحاب الرابوني الذين تحدثوا إلى مدير السجن.كان هدف إبراهيم إهانة غير مباشرة للجزائريين، ولعله بدأ في تلك المرحلة يراجع نفسه.لم يسلمني للشرطة إلا بعد عشرة أيام.
المينورسو وشيوخ الهوية مسحورون
بدأنا نشتغل وإذا بالسماء تغيثنا بأمطار طوفانية أغرقت المخيم و"ولاية العيون" تماما، لكن المرتزقة وظفوا غضب السماء من أجل استدرار مزيد من المساعدات الدولية.بعد الغرق،بدأوا في سباقات عسكرية فيما بينهم لاختبار مدى جاهزية المراكز، وكلها ألاعيب، في الحقيقة، لدعاية رخيصة هدفها حلب مزيد من المساعدات من وراء البحار.هيأ السجناء مكان السباق واستغرقت الاشغال سبعة وأربعين يوما،وبدأت المسابقة العسكرية التي حضرها أعضاء الحكومة الجزائرية وباقي كبار الضباط وبعض أفراد المينورسو..وطبعا لم تغب الباغية السنية بنت أحمد.
صبيحة نهاية السباق، أخذنا للرابوني وتركنا وراءنا خمسين سجينا بمخيم العيون.في الرابوني وزعونا إلى فريقين، الأول يتوجه لأم غريد والثاني يذهب إلى مركز التموين.كانت البوليساريو قد تلقت مساعدة من إسبانيا لبناء مركز للتكوين المهني سيكون على رأسه سالم بركة.وأم غريد توجد ما بين الجزائر وموريتانيا ومالي،والمركز خصص لإيواء أبناء اللقطاء.من ذهبوا لبناء المركز قضوا هناك سنة تحت السياط، طبقوا فيها بالحرف صايا أبراهيم غالي: لا للمرض، لا للنقاش، نعم للشغلة الحارة.
بدأت في تلك الآونة عمليت تحديد الهوية التي رأيت فيها العجب العجاب، فبالإضافة إلى التدليس والغش يلجأ المرتزقة إلى السحر والشعوذة وإغراء النساء.وأذكر من بين الأسماء المعروفة بالدجل في الناحية الخامسة محمد ولد بودا وغوتم وبدا.أما كبير مشعوذي محمد عبد العزيز فهو شيخ قصير القامة، وما كان يطبق علينا نحن المساجين بجعلنا مضبوعين لا نستطيع مغادرة المكان، كان لأعضاء المينورسو نصيب منه، وتعرف تلك المناطق ب "السلالة" وهم أفارقة سود لديهم قدرة على سل دم الإنسان بالنظر إليه فقط.
قضينا ثلاثة أشهر في الرابوني بنينا خلالها مجلسا كان يعد لشيوخ تحديد الهوية لاحقا، ثم بنينا مقرا للمينورسو.وهناك تعرفت على عدد من الشيوخ الذين عادوا لاحقا إلى المغرب.
بدأت المناورات الجزائرية من خلال مؤسسات استخباراتية نشطت على مستويات عدة عبر مديريات وهمية كالإشارة والطب العسكري والمحافظة السياسية ومقرات الدفاع ومديريات الأفراد ومديرية الإمدادات العسكرية ومقر الداخلية ومقر المجلس ومديرية الدرك..إلخ لكي يوهموا بأن الأمر يتعلق بدولة مهيكلة.تم تخصيص عدد من الأذناب للضغط على الشيوخ، وقد تمت مراعاة شرط أن يكون أعضاء لجنة المراقبة تحت إمرة محمد عبد العزيز مباشرة. كانوا يدخلون الناس إلى الخيام ويلقنون الناس، سيما الشبان، ماذا يقولون للشيوخ حول أماكن وتواريخ وأحداث سبقت، وهكذا يحل الأحياء بدل الأموات في أفق تزوير الحقائق والوقائع والتاريخ والجغرافيا.
مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تغيرت بعض الأمور مع تسجيلنا في الصليب الأحمر الدولي، وأصبحت فينا جرعات زائدة من التحدي والجرأة، ما كان يظهر بجلاء في نقاشات حادة كانت تجمعنا أحيانا بمحسوبين على قياديي البوليساريو أو بأفراد من المخابرات الجزائرية لدى زياراتهم للمراكز، وقد جادلنا مرة عددا من الضباط وأفحمناهم، بكثير من السخرية، في أمور تتعلق بسياساتهم تجاه المغرب وقلنا لهم إنه بدل أن يدافعوا عن "الشعب الصحراوي" فالأحرى بهم الدفاع عن شعبهم الجزائرالذي لا يجد حتى الماء الصالح للشرب في قلب العاصمة،وبدل الدخول في نزاع مع المغرب العظيم المسالم، عليهم إطفاء نار الفتنة والحرب الأهلية بين أبناء شعبهم.أما المقربون لقادة الجبهة فقد واجهت واحدا منهم، وكان قائد مركز، بأن تحديته أن يحدد لي أين توجد بوجدور قبل أن يدعي أنه صحراوي وأفهمته أن الصحراوي القح لا يسب الذات الإلهية، ما حدا بأحد أزلامه ليضربني بلكمة مازالت آثارها على وجهي.
لكن الوضع الجديد نسبيا لا يعني الخلاص بل لولا الألطاف الإلهية، التي سخرت لي، حسن الذكر، عبد الله ولد فراح،الذي أنقذني من هلاك محقق مرتين لكنت في خبر كان. في المناسبة الأولى سمعني حارس أخطط للفرار مع الشهيد طلحة السرغيني فأبلغ بنا الأمن، وبينما أخذوا طلحة للمجزرة ادعيت أنني كنت أشتغل تحت حراسة ولد فراح، نادوا على عبد الله ولد فراح الذي أنقذني لما شهد أنني كنت أشتغل تحت مراقبته الشخصية، وفي مناسبة ثانية قرروا إدخالي الزنزانة عقابا فتدخل ولد فراح لينجدني ونادى على با العبدي، وهو من بني عمومة الحضرمي،ثم رخصوا لي، بتوصية من الطبيب، أن أستريح خمسة أيام،وبعدها وجهوني للاشتغال في بناء مركز التكوين المهني.
في المركز التقيت عددا من رفاق الدرب القاسي وهم محمد الهيشو والعياطي ميلود ومصطفى الاقرع وعبد العزيز مجذوب وابراهيم اكريندة والسكام ميمون وسمير الوجدي والحسن أيور والفضيل وآخرين.كنا نبذل قصارى جهدنا لتبذير كل ما يأتي من مساعدات للبناء: الإسمنت نبعثره والأخشاب إما نكسرها أونشعل فيها النار بحجة طهي الطعام ومن هناك بدأت سياستنا للتخريب من الداخل ما استطعنا.كنا كلما غافلنا الحرس عبثنا بكل ما يقع تحت أيدينا.
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.