أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    القبض على شخص استغل حريق سوق بني مكادة لسرقة بضائع التجار    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    البطولة: المغرب التطواني يواصل إهدار النقاط بهزيمة أمام الدفاع الجديدي تقربه من مغادرة قسم الصفوة    فرنسا.. قتيل وجريحين في حادث طعن بمولهاوس (فيديو)    رئيس الحكومة يتباحث مع الوزير الأول الفرنسي    توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية موضوع أمر دولي    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    في تنسيق بين ولايتي أمن البيضاء وأسفي.. توقيف شخص متورط في النصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة    الوداد الرياضي يتعادل مع ضيفه النادي المكناسي (0-0)    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    غرق ثلاثة قوارب للصيد التقليدي بميناء الحسيمة    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    الركراكي: اللاعب أهم من "التكتيك"    مبادرة "الحوت بثمن معقول".. أزيد من 4000 طن من الأسماك عبر حوالي 1000 نقطة بيع    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    تشبثا بأرضهم داخل فلسطين.. أسرى فلسطينيون يرفضون الإبعاد للخارج ويمكثون في السجون الإسرائلية    نهضة بركان تسير نحو لقب تاريخي    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    الملك يبارك يوم التأسيس السعودي    دنيا بطمة تلفت أنظار السوشل ميديا    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    لاعب الرجاء بوكرين يغيب عن "الكلاسيكو" أمام الجيش الملكي بسبب الإصابة    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    "العدل والإحسان" تدعو لوقفة بفاس احتجاجا على استمرار تشميع بيت أحد أعضاءها منذ 6 سنوات    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    فيديو عن وصول الملك محمد السادس إلى مدينة المضيق    الصحراء المغربية.. منتدى "الفوبريل" بالهندوراس يؤكد دعمه لحل سلمي ونهائي يحترم سيادة المغرب ووحدته الترابية    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب القوت
نشر في هسبريس يوم 07 - 01 - 2010


الخروج من فم الثعبان
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
الأشغال لا تنتهي ومعها الاستعباد.أخذت ضمن عشرة آخرين للعمل في محلات تربية الدواجن.عفونة وقرف في كل مكان.كنا ننظف اربعة عشر حظيرة، في كل حظيرة فضلات 34 ألف دجاجة.وبعد العمل لا ماء ولا نظافة.كل ما كنا نسلي به أنفسنا هو سرقة البيض.فكروا أيضا في غرس حديقة بها خضراوات قرب ضيعة الدجاج، بما أن المكان تزوره وفود بين الحين والآخر.كلفت ورفيق آخر بالعملية.تمويل الضيعة كان تبرعات من منظمات صهيونية وشيوعية حاقدة، والخبرة التقنية من كوبا، أما الإنتاج فكان يسوق في الجزائر والأسواق الأفريقية.
استمرت لعبة الفأر والقط بيننا وبينهم في سرقة البيض.ذات مرة قمت بالعملية نفسها وأوصيت أسيرا أن يراقب الوضع حينما أنفذ السطو الحلال.سرقنا دجاجتين وبيضا وتركنا وراءنا علبا منكسرة وتخريبا بينا لبعض الآليات.جاؤوا على الفور للتحقيق معنا.أجبناهم أن يسألوا الحارس المتواطئ معنا.الحارس أخبرهم أننا لم نلج المكان.وما ساعدنا أننا أخفينا معالم السرقة تماما.جن جنون مانويل، مساعد الجلاد ولد الميلس، فأقسم أنه لو ضبط من سرق متلبسا لأزال اسنانه بالملقاط حينا وأرسله إلى أخطر السجون.تعرض إثرها أكثر من مائتين وأربعين سجينا للجلد الجماعي.أخبرنا لطفي، أحد الأسرى، أنه سمع قرارا صدر بأن كل من ضبطت بحوزته بيضة سيعاقب أشد عذاب.وفعلا ضبط رفيق لنا يدعى البدوي فأدخل السجان قلما في عينه قبل أن يحيله على الأمن الذي أرسله بدوره إلى أخطر مركز. أسير آخر عثروا في حزامه على حبتي بصل فكانت عقوبته أسبوعين من التعذيب، بواقع أسبوع عقاب مقابل حبة بصل واحدة.صديقنا الفرم سرق دجاجة فربطوه بحبل وجرجرته سيارة الجيب كيلومترات عديدة في الصحراء وجلدوه.وكلما عذبونا ازدادت رغبتنا في السرقة تحت وطأة الجوع.جاء دوري، وجدت المخزن مفتوحا فسطوت على ثلاثين بيضة ودجاجتين ذبحتهما بحجر حاد.فاجأني حارس يدعى سيدي أحمد.جاء الزبانية فسألوني ماذا أصنع؟ قلت إنه دجاج ميت وأنا أريد أكل اللحم.استمر التحقيق فأصررت أن الدجاج ميت وأن لا علاقة لي بالبيض.جاء ولد الميلس فأخبروه بقصتي.فكان لي الجواب نفسه.قرر ولد الميلس بأن يعاقبني بطريقة خاصة بأن يضعوا الدجاج الميت إكليلا في عنقي وأن يسكبوا علي ماء الدجاج العفن.جمعوا الدجاج الميت من كل مكان ووضعوه في عنقي وقبل أن يفعلوا نزعت ثيابي.فاستغل جلاد الموقف وجلدني ثم أدخلوني صهريجا عفنا مليئا بفضلات الدجاج..كنت أشتغل مكرها تحت برد قارس وشلال من العفونة ينزل فوق رأسي والجلاد ينكل بي ويقول لي: ناد على الحسن الثاني كي ينقذك.بقيت على تلك الحال حتى العصر، فإذا بي أرى بيها، وهو مغربي الأصل، أشفق لحالي بعد أن أخبرته بما حصل.تأسف وأعطاني صابونا وقارورة عطر وطلب مني أن أعجل بغسل جسدي وصب العطر عليه.وما أن فعلت وتمددت عاريا حتى جاءني الجلاد الاغضف وبدأ ينزل بالسوط على جلدي العاري.كنت وإياه وجها لوجه ولم يرنا أحد، وتحت حرارة السوط أمسكت بمعول وأقسمت إن لم يقف لأقطفن رأسه.تركتي مسرعا فإذا ببيها يأمرني أن أستمر في الشغل، وبعد لحظات جاءت جماعة الجلادين مجتمعين.بيها شهد لصالحي واتهم الاغضف بالجنون.صرفهم الرجل بعيدا عني ونهرني كي أعمل.كانوا يراعون شيخوخة الرجل ويحترمونه ولذلك تركوني.بعدها أخبرني" بيها"أن الأغضف قاتل لأبيه.أخذوني ليلا لزنزانة انفرادية عقوبة شهر ونصف.أحسست بالموت يهاجمني واحتسبت أمري لله.بعد نهاية العقوبة أرسلوني للمركز الخلفي للناحية الثانية، وهو من أخطر الأماكن.أخذت على متن سيارة جيب في عهدة جلادين جزائريين، أحدهما مرافق أمني لولد البوهالي، وجهان بشعان تلقيا تدريبهما في كوبا ويوغوسلافيا.في المركز الخلفي وضعوني في حفرة مع ثمانية عشر شابا أسيرا كانت وجوههم قد تفحمت وصاروا مثل أشباح.قررت أن أعلن العصيان وألا أشتغل مهما كان الثمن.في اليوم الثالث للعمل تظاهرت بالسقوط، وامتنعت عن الأكل نهارا، وتناولت بعض الطعام ليلا.وبما أنني لم أذهب للعمل صباحا فقد دخل علي في الزنزانة حارسان وجرجراني إلى خارج المكان.جربا معي الجلد كي أنهض للعمل.حاولا معي بالرفس فلم أقم من مكاني.السياط مثل الصعقات الكهربائية تسري مع العظام.يئسوا مني فتركوني.جاءني طبيب ففصحني ثم بدأ يصفعي.تصورا طبيبا يكشف على المريض بالصفع.استمر جلدي سبعة عشر يوما، هم يحاولون وأنا أعيد السيناريو كل يوم.
أرجعوني إلى حيث كنت سابقا.بعد أسابيع أخذوني إلى مكان أرادوا أن يشيدوا فيه محكمة، سيكون على رأسها السويدي ولد وكاك، كبير الجلادين.بعد تسقيف مبنى المحكمة أخذوني مع آخرين إلى ما يسمى ولاية السمارة لبناء مقر للشرطة.كان برفقتي شاب من تازة يدعى الكيحل.بقي الكيحل في خدمة "السبيك" ووجهوني أنا إلى الشرطة التي استنطقتني بقصد ترهيبي أولا كي أشتغل.كان ضمن عناصر الشرطة هناك خليهن ولد سيدي موسى والمدعو الحاج، وهما جزائريان يتحدثان الفرنسية.كان التحقيق سخيفا وتخللته الصفعات قبل أن يحملوني إلى المعتقل الذي كان يرأسه ابراهيم ولد السيد، شقيق البشير مصطفى السيد.رفضني مدير السجن لأنهم لم يأتوا بملفي،أعادوني للشرطة الذين اتصلوا بأصحاب الرابوني الذين تحدثوا إلى مدير السجن.كان هدف إبراهيم إهانة غير مباشرة للجزائريين، ولعله بدأ في تلك المرحلة يراجع نفسه.لم يسلمني للشرطة إلا بعد عشرة أيام.
المينورسو وشيوخ الهوية مسحورون
بدأنا نشتغل وإذا بالسماء تغيثنا بأمطار طوفانية أغرقت المخيم و"ولاية العيون" تماما، لكن المرتزقة وظفوا غضب السماء من أجل استدرار مزيد من المساعدات الدولية.بعد الغرق،بدأوا في سباقات عسكرية فيما بينهم لاختبار مدى جاهزية المراكز، وكلها ألاعيب، في الحقيقة، لدعاية رخيصة هدفها حلب مزيد من المساعدات من وراء البحار.هيأ السجناء مكان السباق واستغرقت الاشغال سبعة وأربعين يوما،وبدأت المسابقة العسكرية التي حضرها أعضاء الحكومة الجزائرية وباقي كبار الضباط وبعض أفراد المينورسو..وطبعا لم تغب الباغية السنية بنت أحمد.
صبيحة نهاية السباق، أخذنا للرابوني وتركنا وراءنا خمسين سجينا بمخيم العيون.في الرابوني وزعونا إلى فريقين، الأول يتوجه لأم غريد والثاني يذهب إلى مركز التموين.كانت البوليساريو قد تلقت مساعدة من إسبانيا لبناء مركز للتكوين المهني سيكون على رأسه سالم بركة.وأم غريد توجد ما بين الجزائر وموريتانيا ومالي،والمركز خصص لإيواء أبناء اللقطاء.من ذهبوا لبناء المركز قضوا هناك سنة تحت السياط، طبقوا فيها بالحرف صايا أبراهيم غالي: لا للمرض، لا للنقاش، نعم للشغلة الحارة.
بدأت في تلك الآونة عمليت تحديد الهوية التي رأيت فيها العجب العجاب، فبالإضافة إلى التدليس والغش يلجأ المرتزقة إلى السحر والشعوذة وإغراء النساء.وأذكر من بين الأسماء المعروفة بالدجل في الناحية الخامسة محمد ولد بودا وغوتم وبدا.أما كبير مشعوذي محمد عبد العزيز فهو شيخ قصير القامة، وما كان يطبق علينا نحن المساجين بجعلنا مضبوعين لا نستطيع مغادرة المكان، كان لأعضاء المينورسو نصيب منه، وتعرف تلك المناطق ب "السلالة" وهم أفارقة سود لديهم قدرة على سل دم الإنسان بالنظر إليه فقط.
قضينا ثلاثة أشهر في الرابوني بنينا خلالها مجلسا كان يعد لشيوخ تحديد الهوية لاحقا، ثم بنينا مقرا للمينورسو.وهناك تعرفت على عدد من الشيوخ الذين عادوا لاحقا إلى المغرب.
بدأت المناورات الجزائرية من خلال مؤسسات استخباراتية نشطت على مستويات عدة عبر مديريات وهمية كالإشارة والطب العسكري والمحافظة السياسية ومقرات الدفاع ومديريات الأفراد ومديرية الإمدادات العسكرية ومقر الداخلية ومقر المجلس ومديرية الدرك..إلخ لكي يوهموا بأن الأمر يتعلق بدولة مهيكلة.تم تخصيص عدد من الأذناب للضغط على الشيوخ، وقد تمت مراعاة شرط أن يكون أعضاء لجنة المراقبة تحت إمرة محمد عبد العزيز مباشرة. كانوا يدخلون الناس إلى الخيام ويلقنون الناس، سيما الشبان، ماذا يقولون للشيوخ حول أماكن وتواريخ وأحداث سبقت، وهكذا يحل الأحياء بدل الأموات في أفق تزوير الحقائق والوقائع والتاريخ والجغرافيا.
مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تغيرت بعض الأمور مع تسجيلنا في الصليب الأحمر الدولي، وأصبحت فينا جرعات زائدة من التحدي والجرأة، ما كان يظهر بجلاء في نقاشات حادة كانت تجمعنا أحيانا بمحسوبين على قياديي البوليساريو أو بأفراد من المخابرات الجزائرية لدى زياراتهم للمراكز، وقد جادلنا مرة عددا من الضباط وأفحمناهم، بكثير من السخرية، في أمور تتعلق بسياساتهم تجاه المغرب وقلنا لهم إنه بدل أن يدافعوا عن "الشعب الصحراوي" فالأحرى بهم الدفاع عن شعبهم الجزائرالذي لا يجد حتى الماء الصالح للشرب في قلب العاصمة،وبدل الدخول في نزاع مع المغرب العظيم المسالم، عليهم إطفاء نار الفتنة والحرب الأهلية بين أبناء شعبهم.أما المقربون لقادة الجبهة فقد واجهت واحدا منهم، وكان قائد مركز، بأن تحديته أن يحدد لي أين توجد بوجدور قبل أن يدعي أنه صحراوي وأفهمته أن الصحراوي القح لا يسب الذات الإلهية، ما حدا بأحد أزلامه ليضربني بلكمة مازالت آثارها على وجهي.
لكن الوضع الجديد نسبيا لا يعني الخلاص بل لولا الألطاف الإلهية، التي سخرت لي، حسن الذكر، عبد الله ولد فراح،الذي أنقذني من هلاك محقق مرتين لكنت في خبر كان. في المناسبة الأولى سمعني حارس أخطط للفرار مع الشهيد طلحة السرغيني فأبلغ بنا الأمن، وبينما أخذوا طلحة للمجزرة ادعيت أنني كنت أشتغل تحت حراسة ولد فراح، نادوا على عبد الله ولد فراح الذي أنقذني لما شهد أنني كنت أشتغل تحت مراقبته الشخصية، وفي مناسبة ثانية قرروا إدخالي الزنزانة عقابا فتدخل ولد فراح لينجدني ونادى على با العبدي، وهو من بني عمومة الحضرمي،ثم رخصوا لي، بتوصية من الطبيب، أن أستريح خمسة أيام،وبعدها وجهوني للاشتغال في بناء مركز التكوين المهني.
في المركز التقيت عددا من رفاق الدرب القاسي وهم محمد الهيشو والعياطي ميلود ومصطفى الاقرع وعبد العزيز مجذوب وابراهيم اكريندة والسكام ميمون وسمير الوجدي والحسن أيور والفضيل وآخرين.كنا نبذل قصارى جهدنا لتبذير كل ما يأتي من مساعدات للبناء: الإسمنت نبعثره والأخشاب إما نكسرها أونشعل فيها النار بحجة طهي الطعام ومن هناك بدأت سياستنا للتخريب من الداخل ما استطعنا.كنا كلما غافلنا الحرس عبثنا بكل ما يقع تحت أيدينا.
[email protected] mailto:[email protected]
ربع قرن في سجون الجزائر البوليساريو
ملحمة إدريس الزايدي
الأشغال لا تنتهي ومعها الاستعباد.أخذت ضمن عشرة آخرين للعمل في محلات تربية الدواجن.عفونة وقرف في كل مكان.كنا ننظف اربعة عشر حظيرة، في كل حظيرة فضلات 34 ألف دجاجة.وبعد العمل لا ماء ولا نظافة.كل ما كنا نسلي به أنفسنا هو سرقة البيض.فكروا أيضا في غرس حديقة بها خضراوات قرب ضيعة الدجاج، بما أن المكان تزوره وفود بين الحين والآخر.كلفت ورفيق آخر بالعملية.تمويل الضيعة كان تبرعات من منظمات صهيونية وشيوعية حاقدة، والخبرة التقنية من كوبا، أما الإنتاج فكان يسوق في الجزائر والأسواق الأفريقية.
استمرت لعبة الفأر والقط بيننا وبينهم في سرقة البيض.ذات مرة قمت بالعملية نفسها وأوصيت أسيرا أن يراقب الوضع حينما أنفذ السطو الحلال.سرقنا دجاجتين وبيضا وتركنا وراءنا علبا منكسرة وتخريبا بينا لبعض الآليات.جاؤوا على الفور للتحقيق معنا.أجبناهم أن يسألوا الحارس المتواطئ معنا.الحارس أخبرهم أننا لم نلج المكان.وما ساعدنا أننا أخفينا معالم السرقة تماما.جن جنون مانويل، مساعد الجلاد ولد الميلس، فأقسم أنه لو ضبط من سرق متلبسا لأزال اسنانه بالملقاط حينا وأرسله إلى أخطر السجون.تعرض إثرها أكثر من مائتين وأربعين سجينا للجلد الجماعي.أخبرنا لطفي، أحد الأسرى، أنه سمع قرارا صدر بأن كل من ضبطت بحوزته بيضة سيعاقب أشد عذاب.وفعلا ضبط رفيق لنا يدعى البدوي فأدخل السجان قلما في عينه قبل أن يحيله على الأمن الذي أرسله بدوره إلى أخطر مركز. أسير آخر عثروا في حزامه على حبتي بصل فكانت عقوبته أسبوعين من التعذيب، بواقع أسبوع عقاب مقابل حبة بصل واحدة.صديقنا الفرم سرق دجاجة فربطوه بحبل وجرجرته سيارة الجيب كيلومترات عديدة في الصحراء وجلدوه.وكلما عذبونا ازدادت رغبتنا في السرقة تحت وطأة الجوع.جاء دوري، وجدت المخزن مفتوحا فسطوت على ثلاثين بيضة ودجاجتين ذبحتهما بحجر حاد.فاجأني حارس يدعى سيدي أحمد.جاء الزبانية فسألوني ماذا أصنع؟ قلت إنه دجاج ميت وأنا أريد أكل اللحم.استمر التحقيق فأصررت أن الدجاج ميت وأن لا علاقة لي بالبيض.جاء ولد الميلس فأخبروه بقصتي.فكان لي الجواب نفسه.قرر ولد الميلس بأن يعاقبني بطريقة خاصة بأن يضعوا الدجاج الميت إكليلا في عنقي وأن يسكبوا علي ماء الدجاج العفن.جمعوا الدجاج الميت من كل مكان ووضعوه في عنقي وقبل أن يفعلوا نزعت ثيابي.فاستغل جلاد الموقف وجلدني ثم أدخلوني صهريجا عفنا مليئا بفضلات الدجاج..كنت أشتغل مكرها تحت برد قارس وشلال من العفونة ينزل فوق رأسي والجلاد ينكل بي ويقول لي: ناد على الحسن الثاني كي ينقذك.بقيت على تلك الحال حتى العصر، فإذا بي أرى بيها، وهو مغربي الأصل، أشفق لحالي بعد أن أخبرته بما حصل.تأسف وأعطاني صابونا وقارورة عطر وطلب مني أن أعجل بغسل جسدي وصب العطر عليه.وما أن فعلت وتمددت عاريا حتى جاءني الجلاد الاغضف وبدأ ينزل بالسوط على جلدي العاري.كنت وإياه وجها لوجه ولم يرنا أحد، وتحت حرارة السوط أمسكت بمعول وأقسمت إن لم يقف لأقطفن رأسه.تركتي مسرعا فإذا ببيها يأمرني أن أستمر في الشغل، وبعد لحظات جاءت جماعة الجلادين مجتمعين.بيها شهد لصالحي واتهم الاغضف بالجنون.صرفهم الرجل بعيدا عني ونهرني كي أعمل.كانوا يراعون شيخوخة الرجل ويحترمونه ولذلك تركوني.بعدها أخبرني" بيها"أن الأغضف قاتل لأبيه.أخذوني ليلا لزنزانة انفرادية عقوبة شهر ونصف.أحسست بالموت يهاجمني واحتسبت أمري لله.بعد نهاية العقوبة أرسلوني للمركز الخلفي للناحية الثانية، وهو من أخطر الأماكن.أخذت على متن سيارة جيب في عهدة جلادين جزائريين، أحدهما مرافق أمني لولد البوهالي، وجهان بشعان تلقيا تدريبهما في كوبا ويوغوسلافيا.في المركز الخلفي وضعوني في حفرة مع ثمانية عشر شابا أسيرا كانت وجوههم قد تفحمت وصاروا مثل أشباح.قررت أن أعلن العصيان وألا أشتغل مهما كان الثمن.في اليوم الثالث للعمل تظاهرت بالسقوط، وامتنعت عن الأكل نهارا، وتناولت بعض الطعام ليلا.وبما أنني لم أذهب للعمل صباحا فقد دخل علي في الزنزانة حارسان وجرجراني إلى خارج المكان.جربا معي الجلد كي أنهض للعمل.حاولا معي بالرفس فلم أقم من مكاني.السياط مثل الصعقات الكهربائية تسري مع العظام.يئسوا مني فتركوني.جاءني طبيب ففصحني ثم بدأ يصفعي.تصورا طبيبا يكشف على المريض بالصفع.استمر جلدي سبعة عشر يوما، هم يحاولون وأنا أعيد السيناريو كل يوم.
أرجعوني إلى حيث كنت سابقا.بعد أسابيع أخذوني إلى مكان أرادوا أن يشيدوا فيه محكمة، سيكون على رأسها السويدي ولد وكاك، كبير الجلادين.بعد تسقيف مبنى المحكمة أخذوني مع آخرين إلى ما يسمى ولاية السمارة لبناء مقر للشرطة.كان برفقتي شاب من تازة يدعى الكيحل.بقي الكيحل في خدمة "السبيك" ووجهوني أنا إلى الشرطة التي استنطقتني بقصد ترهيبي أولا كي أشتغل.كان ضمن عناصر الشرطة هناك خليهن ولد سيدي موسى والمدعو الحاج، وهما جزائريان يتحدثان الفرنسية.كان التحقيق سخيفا وتخللته الصفعات قبل أن يحملوني إلى المعتقل الذي كان يرأسه ابراهيم ولد السيد، شقيق البشير مصطفى السيد.رفضني مدير السجن لأنهم لم يأتوا بملفي،أعادوني للشرطة الذين اتصلوا بأصحاب الرابوني الذين تحدثوا إلى مدير السجن.كان هدف إبراهيم إهانة غير مباشرة للجزائريين، ولعله بدأ في تلك المرحلة يراجع نفسه.لم يسلمني للشرطة إلا بعد عشرة أيام.
المينورسو وشيوخ الهوية مسحورون
بدأنا نشتغل وإذا بالسماء تغيثنا بأمطار طوفانية أغرقت المخيم و"ولاية العيون" تماما، لكن المرتزقة وظفوا غضب السماء من أجل استدرار مزيد من المساعدات الدولية.بعد الغرق،بدأوا في سباقات عسكرية فيما بينهم لاختبار مدى جاهزية المراكز، وكلها ألاعيب، في الحقيقة، لدعاية رخيصة هدفها حلب مزيد من المساعدات من وراء البحار.هيأ السجناء مكان السباق واستغرقت الاشغال سبعة وأربعين يوما،وبدأت المسابقة العسكرية التي حضرها أعضاء الحكومة الجزائرية وباقي كبار الضباط وبعض أفراد المينورسو..وطبعا لم تغب الباغية السنية بنت أحمد.
صبيحة نهاية السباق، أخذنا للرابوني وتركنا وراءنا خمسين سجينا بمخيم العيون.في الرابوني وزعونا إلى فريقين، الأول يتوجه لأم غريد والثاني يذهب إلى مركز التموين.كانت البوليساريو قد تلقت مساعدة من إسبانيا لبناء مركز للتكوين المهني سيكون على رأسه سالم بركة.وأم غريد توجد ما بين الجزائر وموريتانيا ومالي،والمركز خصص لإيواء أبناء اللقطاء.من ذهبوا لبناء المركز قضوا هناك سنة تحت السياط، طبقوا فيها بالحرف صايا أبراهيم غالي: لا للمرض، لا للنقاش، نعم للشغلة الحارة.
بدأت في تلك الآونة عمليت تحديد الهوية التي رأيت فيها العجب العجاب، فبالإضافة إلى التدليس والغش يلجأ المرتزقة إلى السحر والشعوذة وإغراء النساء.وأذكر من بين الأسماء المعروفة بالدجل في الناحية الخامسة محمد ولد بودا وغوتم وبدا.أما كبير مشعوذي محمد عبد العزيز فهو شيخ قصير القامة، وما كان يطبق علينا نحن المساجين بجعلنا مضبوعين لا نستطيع مغادرة المكان، كان لأعضاء المينورسو نصيب منه، وتعرف تلك المناطق ب "السلالة" وهم أفارقة سود لديهم قدرة على سل دم الإنسان بالنظر إليه فقط.
قضينا ثلاثة أشهر في الرابوني بنينا خلالها مجلسا كان يعد لشيوخ تحديد الهوية لاحقا، ثم بنينا مقرا للمينورسو.وهناك تعرفت على عدد من الشيوخ الذين عادوا لاحقا إلى المغرب.
بدأت المناورات الجزائرية من خلال مؤسسات استخباراتية نشطت على مستويات عدة عبر مديريات وهمية كالإشارة والطب العسكري والمحافظة السياسية ومقرات الدفاع ومديريات الأفراد ومديرية الإمدادات العسكرية ومقر الداخلية ومقر المجلس ومديرية الدرك..إلخ لكي يوهموا بأن الأمر يتعلق بدولة مهيكلة.تم تخصيص عدد من الأذناب للضغط على الشيوخ، وقد تمت مراعاة شرط أن يكون أعضاء لجنة المراقبة تحت إمرة محمد عبد العزيز مباشرة. كانوا يدخلون الناس إلى الخيام ويلقنون الناس، سيما الشبان، ماذا يقولون للشيوخ حول أماكن وتواريخ وأحداث سبقت، وهكذا يحل الأحياء بدل الأموات في أفق تزوير الحقائق والوقائع والتاريخ والجغرافيا.
مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تغيرت بعض الأمور مع تسجيلنا في الصليب الأحمر الدولي، وأصبحت فينا جرعات زائدة من التحدي والجرأة، ما كان يظهر بجلاء في نقاشات حادة كانت تجمعنا أحيانا بمحسوبين على قياديي البوليساريو أو بأفراد من المخابرات الجزائرية لدى زياراتهم للمراكز، وقد جادلنا مرة عددا من الضباط وأفحمناهم، بكثير من السخرية، في أمور تتعلق بسياساتهم تجاه المغرب وقلنا لهم إنه بدل أن يدافعوا عن "الشعب الصحراوي" فالأحرى بهم الدفاع عن شعبهم الجزائرالذي لا يجد حتى الماء الصالح للشرب في قلب العاصمة،وبدل الدخول في نزاع مع المغرب العظيم المسالم، عليهم إطفاء نار الفتنة والحرب الأهلية بين أبناء شعبهم.أما المقربون لقادة الجبهة فقد واجهت واحدا منهم، وكان قائد مركز، بأن تحديته أن يحدد لي أين توجد بوجدور قبل أن يدعي أنه صحراوي وأفهمته أن الصحراوي القح لا يسب الذات الإلهية، ما حدا بأحد أزلامه ليضربني بلكمة مازالت آثارها على وجهي.
لكن الوضع الجديد نسبيا لا يعني الخلاص بل لولا الألطاف الإلهية، التي سخرت لي، حسن الذكر، عبد الله ولد فراح،الذي أنقذني من هلاك محقق مرتين لكنت في خبر كان. في المناسبة الأولى سمعني حارس أخطط للفرار مع الشهيد طلحة السرغيني فأبلغ بنا الأمن، وبينما أخذوا طلحة للمجزرة ادعيت أنني كنت أشتغل تحت حراسة ولد فراح، نادوا على عبد الله ولد فراح الذي أنقذني لما شهد أنني كنت أشتغل تحت مراقبته الشخصية، وفي مناسبة ثانية قرروا إدخالي الزنزانة عقابا فتدخل ولد فراح لينجدني ونادى على با العبدي، وهو من بني عمومة الحضرمي،ثم رخصوا لي، بتوصية من الطبيب، أن أستريح خمسة أيام،وبعدها وجهوني للاشتغال في بناء مركز التكوين المهني.
في المركز التقيت عددا من رفاق الدرب القاسي وهم محمد الهيشو والعياطي ميلود ومصطفى الاقرع وعبد العزيز مجذوب وابراهيم اكريندة والسكام ميمون وسمير الوجدي والحسن أيور والفضيل وآخرين.كنا نبذل قصارى جهدنا لتبذير كل ما يأتي من مساعدات للبناء: الإسمنت نبعثره والأخشاب إما نكسرها أونشعل فيها النار بحجة طهي الطعام ومن هناك بدأت سياستنا للتخريب من الداخل ما استطعنا.كنا كلما غافلنا الحرس عبثنا بكل ما يقع تحت أيدينا.
[email protected] mailto:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.