يعتبر السكن المعد للكراء قاطرة لتحريك التنمية العقارية ، و مرتعا خصبا للاستثمار، لهذا فالدول الحديثة تسعى لتأمين توفيره للمواطنين . وتأخذ المنازعات المرتبطة بالكراء حصة الأسد من القضايا الرائجة أمام المحاكم المغربية،على اعتبار أن هاته المنازعات تدفع جل ملاكي العقارات إلى ترك شققهم فارغة،و تخوفهم من احتلال ممتلكاتهم ،و ضياع واجبات الكراء ، إما بالابتزاز أو التملص الممارس من طرف المكتري سيء النية . مشاكل متعددة تدفع غالبية الملاك إلى التخلي عن متابعة المكترين و غض الطرف عن المطالبة بمستحقاتهم الكرائية،أمام تعقد و بطئ مساطر الإفراغ و الأداء ... ووفق هذا السياق ، كشفت التوقعات الأخيرة لمؤسسة "أورومونيتور" الدولية لدراسة الأسواق والتوقعات الاقتصادية، عن تراجع متوقع لسوق الإيجار في المغرب خلال السنوات المقبلة، يقابله ارتفاع في المشتريات بقروض رهنية بأزيد من 107 في المائة، لتصل إلى 304 آلاف في أفق 2020، وتشكل، بالتالي، 4.6 في المائة من مجموع المساكن المملوكة في المغرب. لدفع كل هاته المشاكل ،توخى مشروع القانون الجديد المنظم للعلاقة التعاقدية بين المكري و المكتري تحسين العلاقات الكرائية ، من خلال تحقيق توازن في الحقوق و الواجبات بين الأطراف، وإعادة الثقة إلى تلك العلاقات ،و ذلك من خلال عدة تعديلات: 1- إلزام الطرفين بإبرام عقد محرر و حرية تحديد مدته: نص المشرع على إجبارية إبرام عقد الكراء باعتماد وثيقة محررة كوسيلة إثبات ،مما ضيق من دائرة وسائل الإثبات (أي اشتراط الشكلية )،على أن تتضمن هاته الوثيقة داخل طياتها : الاسم الشخصي و العائلي لأطراف العقد( المكري و المكتري)، و مهنة كليهما، و الموطن الذي يقطن كل واحد منهما به ،و وثيقة إثبات الهوية ،و جميع المعلومات المتعلقة بالوكيل ، في حالة إلزام شخص للقيام بعمل أو تصرف قانوني لحسابه.أما إذا كان المكري أو المكتري شخصا معنويا فيلزم تدوين الاسم الكامل و المقر الاجتماعي - و إذا اقتضى الأمر - و كل البيانات المرتبطة بالممثل القانوني. و يجب تحديد المحلات المكتراة و الأغراض أو التجهيزات المخصصة لها و الملحقات المعدة للاستعمال الشخصي للمكتري. و يلزم أن يتضمن العقد تاريخ إبرامه ،و تدوين مبلغ السومة و التكاليف الكرائيين،والالتزامات الخاصة التي يتحملها كل طرف في العقد. و في حالة انتقال ملكية المحلات المعدة للكراء فإن مفعول عقد الكراء يستمر لصالح المكتري بنفس الشروط المنصوص عليها فيه ،و ينتج آثاره القانونية فيما بعد. ويتضح من خلال هاته الشكليات بأن العقد تحول من عقد رضائي إلى عقد شبه إذعان عبارة عن نموذج مكتوب ،لا يمكن مناقشة بنوده ،و هذا تقزيم لمبدأ سلطان الإرادة.بالإضافة إلى أن إرادة المشروع اعتبرت عقد الكراء- سواء كان محدد المدة او غير محدد المدة-لا ينتهي إلا بعد الإشعار بالإفراغ و تصحيحه عند الإقتضاء. مخالفا بذلك مبدأ قانونيا يحدد طبيعة العقد إما ان يكون محدد المدة و في هاته الحالة ينتهي عقد الكراء بحلول الأجل القانوني المتفق عليه و المدون به،و إما غير محدد المدة، وفي هاته الحالة يوجه إنذار بالإفراغ. 2- ضرورة توفر المحل على المواصفات الضرورية للسكن اللائق،و تحمل المكتري للإصلاحات المرتبطة به : نص المشروع الجديد على ضرورة توفر المحل المكترى على المواصفات الضرورية للسكن اللائق ،من حيث الأجزاء المكونة له و توفره على التهوية و المطبخ و مجاري المياه و قنوات الكهرباء و الماء، و في حالة انتفاء ذلك يمكن للمكري و المكتري الاتفاق كتابة في العقد على تهيئة و إصلاح المحل المتعاقد بشأنه ، مقابل خصم مصاريف التهيئة و الإصلاح من الوجيبة الكرائية. أما الإصلاحات المتعلقة بالأجزاء الخارجية للمحل،مثل النوافذ والألواح الزجاجية و الترابيس الأبواب،و الأقفال ما لم يكن تكسرها خارجا عن إرادة المكتري، أو الأجزاء الخارجية مثل التجهيزات الكهربائية و أشغال التبليط ،و الصباغة و الحدادة والستائر ،والشبابيك،و أشغال الترصيص كقنوات و صنابير الماءو التجهيزات الصحية، كل هاته الإصلاحات يقع عبئ إصلاحها على كاهل المكتري، إلا إذا نص عقد الكراء على خلاف ذلك. و يلزم على الطرفين المتعاقدين وصف المحل المعد للكراء بدقة و تفصيل وقت تسلم مفاتيح المحل،يصادقان عليه لدى سلطات مختصة،و في حالة عدم التنصيص على وصف المحل يفترض أن المكتري تسلم المحل في حالة جيدة ،و يقع على عاتق المكري الرافض لذلك التنصيص عبئ إثبات الأضرار - التي يحتج بها عند انتهاء العقد- أنها تنسب إلى أخطاء المكتري. من خلال استعراضنا لمحتويات مقدمة الفرع الأول المعنون ب" حقوق و التزامات المكري" من المشروع ،تنص المادة 5 على ضرورة توفر العين المكتراة على المواصفات الضرورية المشار إليها سلفا،بمعنى تحديد مفهوم قانوني و صحي للمحل،مما يجعلنا نتسائل، ماذا عن المحلات السكنية و المهنية الموجودة في البادية و الأحياء الهامشية ودور الصفيح الغير الخاضعة للهيكلة العمرانية؟،و ما المقصود بالمواصفات الضرورية؟ هل سنعتمد معيار المعتمد من طرف منظمة الصحة العالمية أم معيار درجة الرفاهية و التوفر على المرافق الصحية؟ وما المقصود بالسلطات المختصة؟ هل السلطة المحلية أم السلطة القضائية أم جهة أخرى بمقتضى قوانين خاصة؟ 3- المكري ملزم بتغطية نفقات عيوب المحل: يلزم القانون المكري أن يوفر للمكتري ظروف الانتفاع الهادئ بالمحل المكترى،وأن يضمن له العيوب و الإزعاجات القانونية و المادية الناشئة عن فعله أو فعل مستخدميه،و لا يسأل عن الإزعاجات التي يتسبب فيها الجيران و الغير، البعيدة كل البعد عن سلوكه أو سلوك تابعيه . ولا يمكن للمكتري أن يتذرع بالإزعاجات أو العيوب للامتناع عن أداء واجب الكراء ،غير أنه يمكن أن يطلب من المحكمة تخفيض جزء من واجب الكراء يتناسب مع حجم الضرر. ويجب على المكري صيانة المحل بالشكل الذي يسمح باستعماله ،وفق ما هو مسطر في العقد،و إذا أشعر المكتري المكري بالإصلاحات التي يلزم له أن ينجزها،و لم يفعل في غضون شهر، جاز للمكتري أن يستصدر أمرا من المحكمة لإجرائها بنفسه و خصم قيمتها من وجيبة الكراء. و السؤال الذي يطرح : ما المقصود بالإزعاجات القانونية؟ إن مصطلح الإزعاجات القانونية لا أساس له في معجم المصطلحات القانونية ،و المتعارف عليها فقها و قضاءا، و المصطلح الأدق و المعمول به هو ضمان العيوب و الإستحقاق ،و هذا ما نص عليه القصل 643 من قانون الإلتزامات و العقود وما يليه، و في نفس الإتجاه سار الفقه و الإجتهاد القضائي أيضا.فمصطلح الإزعاج القانوني أو المادي يتضمن تناقضاغريبا ، فإما أنه غير قانوني بمعنى أنه لاأساس له من الصحة،و إما قانوني و يعتبر تعرضا،و قد يكون تشويشا فيقع على المكري ضمان عدم حدوثه مستقبلا. إذن يبدوأنه في ظل المشروع الجديد لا يسأل المكري عن الإزعاجات ، كما لا يتحمل عيوب و نقائص المحل المكري التي يعلم بها المكتري، أو التي يكون من السهل اكتشافها .إذن المشروع أفرغ التزامات المكري من مضمونها و جعله غير مسؤول عن ضمان التشويش و العيوب التي تعتري المحل المكري ،و إذا تمسك المكتري بضمان هذه العيوب فإنه يقع عليه عبئ اثبات لأنه لم يكتشفها عند إبرام العقد و لم يكن بمقدوره العلم بها ،و كان يلزم تحميل عبئ الإثبات للمكري على اعتبار أنه هو من يعلم بخبايا تجهيزات و ملحقات المحل ، وبالإختلالات و الأعطاب الخفية ،وأنه كان من المفروض عليه تنبيه المكتري إلى كل ما هو عيب خفي لن يضطلع عليه إلا بعد إبرام العقد. 4-عدم تحديد مضمون الوجيبة الكرائية و إفراغ المكتري في حالة امتناعه عن أدائها: لم يحسم مشروع القانون في مفهوم الوجيبة الكرائية،ذلك بمقتضى المادة 13 فإنه يلتزم المكتري بأداء الوجيبة الكرائية في الأجل الذي يحدده العقد و عند الإقتضاء التكاليف الكرائية التي يتحملها بمقتضى العقد و عند الإقتضاء التكاليف الكرائية التي يتحملها بمقتضى العقد أو بموجب القوانين الجاري بها العمل،و كان الأجدى التنصيص على تعديل مصطلح الوجيبة الكرائية بمصلح أدق هو ثمن الكراء. و تدخل في حساب التكاليف الكرائية المبالغ التابعة للوجيبة الكرائية و مقابل الخدمات اللازمة لإستعمال مختلف أجزاء محل الكراء.و لم يحسم المشروع في مدى التزام المكتري من الناحية المالية، فماذا يعني بالتكاليف الكرائية التي يتحملها المكتري بمقتضى العقد؟يبدو أن الأمر يتعلق بالضريبة على النظافة التي يتحملها المكتري بمقتضى اتفاق مع المكري،و ما الذي قصد به واضع المشروع بالقوانين الجاري بها العمل؟ كان من اللازم تحديد عناصر الوجيبة الكرائية و يبدو الأمر أكثر إذا كانت الوجيبة الكرائية مختلفة أي نقدا و خدمات.لكن الفقرة الثانية من المادة 13 أوحت إلى استعمال المبالغ التابعة للوجيبة الكرائية مما نفهم معه ان الوجيبة الكرائية يجب أن تكون عبارة عن نقد ،لكن ليس هناك ما يمنع ان يكون جزء منها نقد و جزء آخر خدمات... وأحال المشروع في الباب الخامس و تحديدا من خلال المادة 26 مراجعة الوجيبة الكرائية على قانون 07.03 المتعلق بمراجعة اثمان كراء المحلات المعدة للسكنى أو الإستعمال المهني او التجاري او الصناعي او الحرفي الصادر بتاريخ 30 نونبر 2007، هذا القانون الذي حدد بنفسه نسبة المراجعة بعيدا عن سلطة القضاء. تم نتسائل عن المقصود بأجزاء المحل، فهل يتعلق الأمر بأركان عقد الكراء و من ضمنها المحل،أم يقتصر الأمر على المحل ؟ لذلك كان على واضع المشروع أن يضمن كلمة المحل المكرى عوضا عن محل الكراء لأن هذا المصطلح الأخير غير دقيق. في حالة الامتناع عن أداء الوجيبة الكرائية يحق للمكري أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية،الإذن له بتوجيه إنذار بالأداء إلى المكتري ،و اشترط المشرع تحت طائلة عدم القبول مجموعة من الشروط و البيانات و المتمثلة في: 1- أسماء الطرفين كما هي محررة في وثيقة عقد الكراء. 2- عنوان المكتري. 3- عنوان المحل المكري – موضوع الإنذار- وموطن أو محل إقامة المكتري ، عند الاقتضاء. 4- قدر السومة الكرائية. 5- المدة المستحقة الأداء. 6- مجموع ما بذمة المكتري من المبالغ الكرائية. 7- تضمين الإنذار حق المكري في سلوك مسطرة المصادقة على الإنذار في حالة عدم الأداء داخل ألأجل المحدد. و يحدد الإنذار أجلا لا يقل عن خمسة عشر يوما للتسديد، يبدأ من تاريخ تبليغ الإنذار.و في حالة عدم الأداء بعد تبليغ هذا الإنذار، يمكن للمكري اللجوء إلى رئيس المحكمة للتصديق على الإنذار و الأمر بالأداء، فالتعديل الجديد لم يعط اعتبارا للمكتري الذي أدى جزئيا لأن هذا الأداء الناقص لا يرفع عليه وضعية المطل في الأداء ،و لأن واجبات الكراء حل أجل أدائها،و في حالة قبول الطلب يرفع النزاع أمام المحكمة الابتدائية،و فق القواعد العامة. و حدد المشرع لرئيس المحكمة أجل ثمان و أربعين ساعة قصد البث في طلب التصديق،الشيء الذي يبين نيته في تسريع الأداء. كما منح الأمر الصادر عن رئيس المحكمة بالتصديق على الإنذار و الأداء حجة قوية بعدما جعله مشمولا بالنفاذ المعجل و غير قابل لأي طعن سواء كان عاديا أو غير عادي، إلا أن المشرع أعطى للمكتري الحق في وقف تنفيذ الأمر المذكور أعلاه أمام محاكم الموضوع بحكم معلل، و لممارسة هذا الحق يتعين عليه المامه بقواعد القانون،لأنه بشمول الأمر بالتصديق على الإنذار سيعتقد أنه لم يعد له أي حق في وقف تنفيذه ، فيفقد وسيلة مهمة للدفاع عن حقوقه كمكتري،و يغادر طواعية،و يكتشف فيما بعد أنه أساء الفهم، ولا يمكنه الرجوع بعد ذلك إلى المحل، لأن مالكه استرجعه ... 5- ضرورة الموافقة الكتابية للمكري في حالة التولية و التخلي عن الكراء: وسع مشروع القانون الجديد من الحالات الاستثنائية ،فبعدما منح التخلي و التولية ليشمل حتى المحلات المعدة للاستعمال المهني،حيث أن التولية أو التخلي - عن العمل لفائدة شخص آخر مادام يمارس نفس النشاط المهني - رهينة بموافقة المكري كتابة ،مما سيشجع العديد من المهنيين – أمام تأزم الأوضاع الاقتصادية – إلى ارتمائهم في أحضان القطاع الغير المهيكل و،مما سيفوت على الدولة عائدات ضريبية مهمة،و سيخلق منافسة غير شريفة للمحلات المهنية الثابتة. و اعتبر المشرع المكتري من الباطن أو المتخلى له بمثابة محتل بدون سند أو قانون ،و يحق للمكري تقديم مقال استعجالي إلى رئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضي المستعجلات،من أجل طرد المتخلى له ،مما ينجم عنه فسخ عقد الكراء الأصلي بقوة القانون ، و قد أعطى التعديل الجديد لرئيس المحكمة صلاحيات واسعة لاستجلاء الوقائع المثارة و تمحيص ظروف كل نازلة على حدا ،و حبذا لو هيئ منشور صادر عن وزارة العدل، يكمل و يفسر و يحدد بدقة الحالات التي يتدخل فيها رئيس المحكمة، حفاظا لحقوق المكترين... كما قرر إعفاء المكري من توجيه الإنذار في حالة تخلي المحل و توليه للغير، دون موافقة المكري من توجيه إنذار أو يصبح الإشعار بالإفراغ على حالتين، و النصوص عليهما في الفصلين 13 و 15 من قانون 79/6. و الحال أن اتجاه المشروع مناقض لمضمون الفصل 12 من ظهير 25 دجنبر 1980 المنظم للعلاقة التعاقدية بين المكري و المكتري للمحلات السكنية و المهنية ، كما تم تعديله و تتميمه بمقتضى المادة الثانية من القانون رقم 93.63 الصادر بتنفيذه ظهير 25 غشت 1999 الذي نص على أن يتخلى المكتري عن كراء المحلات المعدة للسكنى أو الإستعمال المهني. و المبدأ الذي تبناه المشروع هو أن التولية أو التخلي متوقفة على موافقة كتابية للمكري أو مدونة مسبقا ضمن بنود العقد،أما بالنسبة للمحلات المهنية فالقاعدة هي الترخيص بالتخلي دون قيود باستثناء ممارسة نفس النشاط المهني، و نستغرب هذه الإزدواجية الغير المبررة بخصوص التخلي... 6- استمرارعقد الكراء و شروط إنهائه: نصت المادة 47 من المشروع انه يستمر مفعول العقد في حالة وفاة المكتري في الحالات التالية: يجب على المكري الذي يرغب في إنهاء العقد الكراء ، أن يوجه إشعارا بالإفراغ للمكتري يستند على أحد الأسباب كاسترداد المحل لسكنه الشخصي ،و لسكن زوجته ،أو أصوله أو فروعه المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة ،أو المكفول حسب القانون لسبب جدي و مشروع كاسترجاع المحل من أجل ضرورة الهدم و إعادة البناء أو إدخال إصلاحات أو تقويمات يستوجب الإفراغ .و يتضمن الإشعار سبب الإفراغ و الإشارة إلى أجل ثلاثة أشهر على الأقل تبدأ في أجل ثلاثة أشهر من تاريخ التوصل .إذا امتنع المكتري عن الإفراغ ،أمكن للمكري أن يرفع الأمر إلى المحكمة لتصرح بتصحيح الإشعار بالإفراغ- ما لم يكن هذا التصحيح ناشئا عن خطأ ارتكبه المكتري - أن يؤدي له إضافة إلى صوائر الانتقال المتبثة تعويضا عن الأضرار ، قيمته واجب الكراء لمدة ستة أشهر، إذا تبين أن الإفراغ قد تم بناء على سبب غير صحيح أو لسبب لم ينفذ من طرف المكري( مثل الهدم)، فيكون للمكتري الحق في المطالبة بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه. و طبقا لمقتضيات المادة 38 من المشروع يستمر مفعول العقد في حالة وفاة المكتري بالنسبة للمحلات السكنية لفائدة زوج المتوفى أو فروعه أو أصوله المباشرين من الدرجة الأولى أو المستفيدين من الوصية الواجبة والمكفول. أما بالنسبة للمحلات المعدة للاستعمال المهني فإن التمديد ينحصر فقط بالنسبة للزوج أو أصوله أو فروعه شريطة ممارسة نفس المهنة التي يمارسها مورثهم.هنا يطرح سؤال جوهري: ما المقصود باستمرار مفعول العقد؟ و ما المقصود أيضا بالأصول المباشرين؟و ما معنى أن يستفيد أصول وفروع المكتري الهالك مع استمرار عقد الكراء، إذا كان الأمر يتعلق بمحل مخصص للإستعمال المهني؟ و هل يمتد مفعول هذا الإستمرار حتى بالنسبة لأصول او فروع الهالك الذين لا يمارسون نفس مهنته؟ الحقيقة أن المشروع اعتمد- كما سبق لنا الإشارة إلى ذلك-عقدا كتابيا ، قد يكون محدد المدة أو غير محدد المدة،و من المتفق عليه تشريعا و فقها و قضاءا أن انتهاء عقد الكراء إما يتم بحلول الأجل القانوني المدون في العقد المحدد المدة ،أوبعد توجيه إنذارفي حالة العقد غير المحدد المدة. لكن المشروع خالف هذا المبدأ القانوني ،و اعتبر عقد الكراء- سواء كان محدد المدة أم غير محدد المدة- لا ينتهي إلا بعد الإشعار بالإفراغ،و تصحيحه عند الإقتضاء. ويقصد المشروع باستمرار العقد ليس الذي أجمعت عليه نظريات الفقه ،وإنما معناه سريان العقد دون أجل ، ذلك أن المقصود باستمرار العقد هو الحالة التي يكون العقد محدد المدة و يحدث ما يجعل أحد المتعاقدين في حل من إلتزامه بسبب الوفاة مثلا ،فيستمر العقد لفائدة ذويه إلى حين حلول الأجل،على اعتبار أن حق الكراء يعتبر من الحقوق الشخصية التي تورث و يوصى بها كالحقوق العينية. و يتجدد العقد أو ينتهي .أما بالنسبة للمشروع فإن العقد يبقى ساريا مالم يوجه إخطار بانتهائه.كما يطرح تساؤلا آخر بالنسبة لحصر استفادة الأصول المباشرين دون غيرهم من الأصول كالجد و الجدة ، علما بأن المستفيد من الوصية الواجبة مستفيد من التمديد و هو بالمناسبة الحفيد الذي توفي ابوه قبله و في حياة جده؟ثم ماذا عن زوج الأم وزوجة الأب ؟ أوجب المشروع على المكتري إعادة المحل المكترى للمكري بمجرد انتهاء عقد الكراء ،و إذا احتفظ به بعد هذا التاريخ يكون عليه أداء تعويض عن انتفاعه بالمحل،و يسأل المكتري عن أي عيب أو خسارة تلحق المحل،يكون ناجما عن خطئه أو فعله السيئ أو جراء التعسف في استعمال المحل. ولا يحق للمكتري إدخال تغييرات أو إصلاحات على المحل ،أو التجهيزات و الملحقات المكتراة دون الحصول على إذن كتابي من المكري. و في حالة عدم موافقته، يمكنه إلزام المكتري بإفراغ المحل و بإرجاعه إلى هيئته السابقة، أو الاحتفاظ بالتغييرات المنجزة، دون أن يكون للمكتري حق المطالبة بالتعويض . و تحدث المشروع عن فسخ عقد الكراء بقوة القانون بوفاة المكتري - باستثناء الأشخاص المشار إليهم في المادة 38 - فإنه أغفل الحديث عن مسألة أخرى ،فهل يتعين على المكري في حالة شغل المحل من طرف الغير حتى لو كانت تربطه علاقة كرائية مع المكتري الأصلي أن يوجه له انذارا بالإفراغ ،لأن تواجده في المحل مستند إلى عقد قد يكون كتابيا و بموافقة المكتري؟ ثم هل الأمر بالطرد آنذاك يكون منشئا أو معلنا للفسخ؟ ونطرح تساؤلا آخر :هل يتعين على المحكمة الإستجابة لطلب الإفراغ حتى لو ثبت أن المكري يتوفر على مجموعة من المحلات السكنية و يمتلكها في نفس المنطقة ،وأنه استعمل خداع و حيلة الإفراغ بهدف اسكان مكتر جديد؟ و لتدارك ذلك نص المشروع في المادة 36 على انه إذا تبين أن الإفراغ قد تم بناء على سبب غير صحيح ،يحق للمكتري مطالبة المكري بتعويض يساوي قيمة الضرر الذي لحقه نتيجة ذلك ،وهنا يطرح تساؤل آخرعن الجهة المخولة لتحديد الضرر و قيمته؟ وعلى من يقع عبئ إثبات تحقق الضرر و العلاقة السببية بين ما اقترفه المكري من تعسف للضرر الحال و ليس المحتمل؟ و هل التعويض النقدي عن الضرر كفيل بجبر الضرر عن الإفراغ خصوصا إذا افترش المكتري و افراد أسرته الشارع إلى حين ايجاد مسكن يأويهم ،و بالوجيبة الكرائية التي يِِؤديها في المحل المكتري ، لا سيما إذا انعدمت فيه المواصفات المحل السابق ؟ بخلاصة، عبر تصريح رسمي عن أن الهدف من مشروع القانون الجديد المتعلق بتنظيم العلاقة العلاقة التعاقدية بين المكري و المكتري و باستيفاء الوجيبة الكرائية: 1- الإسراع بالبت في قضايا أداء واجبات الكراء ، و الحد من إكتضاض الملفات بالمحاكم أثناء سلوك المسطرة العادية، لضمان حسن سير المرفق القضائي و جودة الخدمات داخل قصور العدالة. 2- إعادة الثقة للملاكين الذين أصبحوا يغلقون محلاتهم في وجه المكترين ،تلافيا لمشاكل عدم أداء السومة الكرائية ،أو مواصلة الاحتلال بدون سند أو قانون ،و مشاكل التنفيذ المرتبطة بمسطرة الإفراغ ،هاته المشاكل عجلت بارتفاع ثمن الوجيبة الكرائية ، مما قلص من دور الرواج الإقتصادي في خدمة التنمية. 3- التشجيع على استثمار العقار الموجه للكراء،على اعتبار أن توفير الدور و البنايات ذات الشقق المخصصة لهذا الغرض يستلزم تحريك عجلة استهلاك وتريج مواد البناء ، و توفير فرص شغل لليد العاملة. 4- المساهمة في تأمين السكن لمختلف الشرائح الاجتماعية،تماشيا مع مبدأ الحق في السكن التي تطمح الدولة لتوفيره لكافة المواطنين. 4- تحفيز المكرين و المكترين على إبرام عقود كتابية لتلافي النزاعات ،و ضمان الحقوق و الواجبات.و تشجيع مكري و مستثمري قطاع الكراء بمنحهم ضمانات قانونية سريعة لاستيفاء حقوقهم، سواء المتعلقة منها بالأداء و الإفراغ. لاشك بأن المتتبعين لهذا المشروع المثير للجدل ،الذين وجهوا له سهام النقد بمنحه امتيازات لصالح المكري على حساب المكتري ،وبأن المشروع لم يتبع منهجية مقبولة في صياغته و ترتيب مواده، بالإضافة إلى تضمنه لمصطلحات دخيلة على ميدان العلوم القانونية لم يتواثر على تداولها فقهاء وقضاة و خبراء هذا الميدان ،كما تسائل بعض المتتبعين عن خروج مقتضيات قانون 21 يوليوز1913 المنظم لتحسين الأحباس العمومية،و المساكن الوظيفية الخاضعة للقرار 19 شتنبر 1951 بشأن النظام الخاص بالموظفين المسكنين من قبل الإدارةعن المشروع؟ و لماذا تم استثناؤه عن قاعدة واجبة التطبيق على جميع المحلات السكنية و المهنية؟ جل المتتبعين - كما أسلفنا الذكر- رأوه من وجهة النظر القانونية ،ولم يخطر ببالهم النظر إليه من زاوية عملية و واقعية،و هي الأهم و تتمثل - في حالة المصادقة عليه من طرف البرلمان - عن الآليات المعتمدة من طرف المشرع لضمان تطبيقه السليم،خصوصا وأن ملاكي الشقق و الفيلات و الدور والمحلات من الأثرياء،الذين يمكنهم من خلال نفوذهم المالي التأثير على حسن سير العدالة،والإلتفاف على حقوق المكترين،و ما السبيل لملائمة المشروع مع المعطيات الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد؟و حبذا لو اتجهت نية واضع المشروع لحماية المكتري ذو الدخل المحدود ، على اعتبار أنه طرف ضعيف في عقد الكراء ،ضمانا لاستقرار المعاملات ،وسيرا على فلسفة و منهج قانون الإلتزامات و العقود،و تطبيقا لروح التشريعات و القوانين. * عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.