لازلت أتذكر عندما كان يأخذني والدي إلى المدرسة وأنا لازلت طفلة لايتعدى سني ست سنوات, و نمر على حي الديوان لنختصر المسافة . حي الديوان , من الأحياء العتيقة في مدينة القصر الكبير , فيها تمتزج الثقافة الشعبية بالقيم النبيلة لسكان القصر .على طول هذا الحي تتصفف الدكاكين الصغيرة , منها من يقوم ببيع الخيط والحرير والصوف , ومنها من يصنع الغرابيل , ومنها من يحيك الزرابي , وفي الجوانب الأخرى دكاكين لبيع اللباس التقليدي , وفي أخر هذا الحي يوجد محل السيد فليلوا لإصلاح الدراجات . كان رجلا قوي البنية , أسمر البشرة ,طويل القامة , كان كثير المزاح كل شيء يحوله إلى نكتة بمافي ذلك الملقاط الذي كان لايفا رق يديه . كانت ستهويني تلك الابتسامة التي كان يضعها على شفاهه وهو يعطيني *الرقاقة* وهي نوع من الخبز , كانت زوجته مشهورة بإعداده. ولا أنكر أن سبب لهفتي للوقوف مع والدي للسلام على السيد فليلوا هي تلك الرقاقة لكثرت لذتها وطيبتها . كان السيد فليلوا مشهورا بين كل سكان حي الديوان بطيبته وعفوه وبحبه للنكتة , الجميل في نكته أنها تتحدث عن حاله دون ذكر حال الآخرين. وكعادتنا مررت أنا ووالدي بحي الديوان للذهاب إلى المدرسة , وبدكان السيد فليلوا , لكنه كان مقفلا, استغربنا لأن السيد فليلوا لم يتأخر يوما عن فتح دكانه , قلنا قد يكون أمرا ما قد شغله على فتح الدكان. وعدنا من المدرسة في الزوال مرورا بنفس الحي, ووقفنا عند دكان السيد فليلوا , للأسف لازال مقفلا. ومر أسبوع بكامله والدكان لازال مقفلا . لا يوجد أي خبر عن فليلوا , كل سكان حي الديوان كانوا يتساءلون أين يكون قد رحل ؟ ولماذا رحل دون أن يترك خبر رحيله؟ الكل اشتاق إلى روحه المرحة , ولتسامح قلبه , وأنا اشتقت إلى *الرقاقة*. ومرت السنون سنة بعد سنة , وفي إحداها مررنا أنا ووالدي بحي الديوان وفجأة توقفت قدما والدي عند دكان من دكاكين الحي , نظر إلي والدي وسألني , هل تذكرين دكان من هذا ؟ أجبت مبتسمة : انه دكان فليلوا صاحب الرقاقة. رحل فليلوا بعد تهجير اليهود المغاربة , رحل أخذا معه كل الأشياء الجميلة التي تعلمها في حي الديوان. رحل دون عودة. ساعتها قلت لنفسي , ألازال فليلوا صاحب القلب المتسامح , ألا زال فليلوا لاينكت إلا على حاله , إذا ما التقيت فليلوا مرة أخرى , هل سيعطيني الرقاقة؟ كم أخاف أن يكون فليلوا قد قادته وحشية الفكر الهمجي , فتحول القلب المتسامح إلى نفس بشرية صهيونية مليئة بالخبث لاتحس بالسعادة إلا عندما ترى هذا العالم مليئا بصور الدمار. فليلوا نموذج حي للمئات من المغاربة اللذين كانوا يسكنون هذا الوطن . منحهم الأرض بكل خيراتها , فمنحوه الحب , أبدعوا فأتقنوا ثم رحلوا........ رحلوا دون أن يعلموننا كيف نصنع الرقاقة , ودون أن نخبرهم بمدى حبنا للرقاقة ساعتها.