من خريبكة إلى فرانكفورت.... رحلة محفوفة بالمخاطر لمغاربة تقمصوا صفة لاجئ سوري من أجل ولوج الأراضي لأوروبية خريبكة/أشرف لكنيزي مئات الشباب المغاربة عبروا خلال الأشهر الأخيرة نحو الديار الأوروبية، بحثا عن الإلدورادو المفقود، لكن بطريقة مختلفة عن سابقتها و التي عهدناها طيلة سنوات الثمينات و التسعينات، فالطريقة التقليدية التي كانت تتمثل في مخاطرة الشباب بأرواحهم و ركوب قوارب الموت، أصبحت من فعل الماضي، في ظل المتغيرات التي شهدتها الساحة الدولية، و فتح الحدود الألمانية في وجه اللاجئين السوريين الفارين من نيران الحرب، و الدمار، فرصة سانحة للهروب و بطريقة قانونية إستغلها مجموعة من الشباب المغربي العاطل، و الطامح للبحث عن غذ أفضل، مئات الشباب حفظوا النشيد الوطني السوري، و بعض الجمل لترديدها عند عبور الحدود، ناهيك عن طريقة الولوج، في رحلة دامت أكثر من نصف شهر يروي لنا حمزة، ذو الثامنة و العشرين ربيعا تفاصيل رحلته من خريبكة نحو فرانكفورت الألمانية. تحصل على دبلومين مهنيين، في الميكانيك و الكهرباء تمرس بعدة ورشات و شركات خاصة، في تداريب فاقت مدتها ثلاث سنوات، كان يسعى لتعويض أبيه المتقاعد في المكتب الشريف للفوسفاط، حتى يتمكن، من إعالة أسرته التي ضحت بالغالي و النفيس من أجل ضمان تكوينه، ليجد نفسه يعمل كمياوم و بشكل متقطع في ورشات خاصة، بمقابل مادي يغطي به مصاريف الإستحمام و الحلاقة، على حد تعبيره، يضيف حمزة " لم أستحمل الإنتظار أكثر في هذه المدينة، نفس السيناريو يتكرر في ظل غياب فرص حقيقية للعمل، و خاصة عندما أرى نفسي على وشك، الإقتراب من سن الثلاثينات و في ظل غياب دخل قار، قررت الهجرة كلاجئ سوري، خاصة بعدما تعرفت على مجموعة من الشباب من مدينة الداربيضاء إستطاعوا العبور، كان من الصعب عليا إقناع الأسرة، و خاصة الوالدة، التي رفضت الفكرة جملة و تفصيلا، لكن بفضل أصدقائي الافتراضين الذين تمكنوا من الوصول لديار الألمانية، و الذين حدثوا الوالد عن تفاصيل الرحلة التي ستكلف مبلغ 2400 يورو، إقتنع هذا لأخير، و ساعدني ماديا في مصاريف الرحلة التي كانت أولى خطواتها الحصول على جواز سفر، كلفني 350 درهما و أسبوع من الإنتظار، بعدها قمت بحجز تذكرة الطائرة لمدينة إسطنبول التركية، قيمة التذكرة 6500 درهما ذهابا و إيابا، حتى تبعد عنك شكوك الهجرة أو شيئ أخر، و أن الغرض من السفر هو السياحة، بعدها قمت بتحويل مبلغ 15000 درهم لليورو و التصريح به، بإحدى الوكلات البنكية بالمدينة، ليحين موعد الإنطلاق و الفراق مع الأهل و الأصدقاء، ففي كل مرة تقع نظراتي في أعين الوالدة المغرورتين بالدموع، أتذكر كل يوم قضيته و أنا عاطل، أو منهمك في البحث عن وظيفة، أو أمام مصلحة إدارية بهذه المدينة، فينتابني إحساس القمع و إنتهاك أبسط حقوق العيش الكريم، فأعنق الوالدة بشدة، اللهم الذهاب بصفة لاجئ سوري أو العذاب بصفة مواطن مغربي، فكل أنواع الاحتقار و التعذيب النفسي، و التهميش الجمعوي ذقنا مراره سنوات بهذه المدينة، و لا شيئ تغير، يتعاقب المنتخبون على السلطة، و نعاقب نحن في الحياة...، أخذت القطار نحو مطار محمد الخامس بالداربيضاء، و صعدت الطائرة عندها إلتقيت بمجموعة من الشباب ينحدرون من مدن الداربيضاء، بني ملال و خريبكة، كنا خمسة شباب رغم أننا لا تجمعنا معرفة مسبقة ببعض، لكن طريقة الذهاب وحدتنا، عند وصولنا لإسطنبول أخدنا سيارة أجرة ب 15 يورو، من أجل التنقل لمحطة النقل الطرقي أوتوكاد المتواجدة بنفس المدينة، عند الوصول للمحطة أخدنا الحافلة ب 25 يورو أقلتنا لمدينة إزمير، بعدها أخذنا سيارة أجرة أقلتنا لوسط المدينة، حيث تتواجد مقهى سندباد، المشهورة بسماسرة الهجرة السرية، هناك إتصلنا بأحد السماسرة عبر الواتسب و حددنا معه موعد أمام مقهى سندباد، الوسيط في الهجرة ذو الأصل سوداني طلب منا مبلغ 900 يورو لشخص الواحد، نظير العبور من السواحل التركية في إتجاه اليونان، لكن بعد مناقشة حادة تم الإتفاق على مبلغ 700 يورو، بعدها أخذنا الوسيط رفقة مجموعة من الشباب لأحد الفنادق المتواجدة بنفس المدينة، حيث قضينا ليلة واحدة، و في اليوم الموالي جاء عندنا رجل سوري، نادى علينا بأسمائنا من الفندق، بعدها صعدنا لسيارته من نوع صطافيط حمراء اللون، في رحلة من مدينة إزمير إلى الحدود الساحلية التي تفصل تركيا باليونان، بعدها إلتحق بنا أحد الأتراك مرفوقا بعشرات الأشخاص الراغبين في الهجرة، حيث صعدنا لأحد القوارب، في رحلة بحرية دامت ست ساعات، وعند الإقتراب من جزيرة نيرا قام سائق القارب، بتغيير الوجهة و الدخول للجزيرة من الخلف، مكتنا بجزيرة نيرا قرابة 14 ساعة، عانينا فيها من الجوع و البرد، قبل أن يقلنا قارب أخر لجزيرة يونانية أخرى تدعى ساموس حيث يوجد الكامب الخاص بمنظمة الصليب الأحمر الدولية، حيث إستفدنا من أغطية و تغذية، و تم تسجيل أسمائنا و بياناتنا طبعا لم ندلي لهم ببياناتنا المغربية، التي تخلصنا منها فور الوصول لجزيرة نيرا اليونانية، و تم تسجيلنا بأسماء مستعارة و جنسية سورية، لنتحصل على بطاقة تسمى" الخريطية" بطاقة اللاجئ، بعد ما إنقضى يوم بجزيرة ساموس إلتحق بنا رجال الشرطة اليونانية، حيث إقتدونا لمكان حجز تذاكر الباخرة المتوجهة للعاصمة اليونانية أثينا، ثمن التذكرة هو 49 يورو، عند الوصول للعاصمة اليونانية أخذونا لكامب أخر تابع لمنظمة الصليب الأحمر الدولية، حيث قضينا به أربعة أيام قبل إقتناء تذكرة الحافلة ب23 يورو، و الذهاب للحدود اليونانية المقدونية، فور الوصول للحدود مكتنا يومين قبل ان يتم فتح الحدود في وجه اللاجئين، و نقطع مسافة ثماني كيلومترات على لأرجل، لنجد أحد الكامبات التابعة لمنظمة الصليب الأحمر، حيث إستفدنا من الأكل و الأفرشة، قبل أن نأخذ تذكرة القطار ب 25 يورو من أجل التنقل لصربيا، حيث قضينا بهذه الأخيرة يوم واحد، قبل ان نتنقل في قطار أخر لكرواتيا، هنالك وجدنا كامب أخر تابع لمنظمة الصليب الاحمر، قضينا به نصف يوم قبل أن تقلنا الحافلات للحدود الفاصلة بين كرواتيا و سلوفينيا، بعدها تم أخذ جميع اللاجئين على شكل مجموعات في قطارات متوجهة من سلوفينيا للحدود النمساوية، عند الوصول للحدود قضينا وقت إستراحة بأحد الكامبات التابعة لمنظمة الصليب الأحمر، لنقطع بعدها مسافة العشر كيلومترات على لأرجل، قبل الولوج لدولة النمسا، لنجد حافلات بالمجان أقلتنا لمحطة القطار المتوجه لمدينة فرانكفورت الألمانية، حينها سلمناهم ورقة الخريطية التي تنبث أني لاجئ سوري، هارب من نيران الحرب و باحث عن الإستقرار بالكامب الموجود بمدينة فرانكفورت ". حمزة ليس سوى نموذج لمئات إن لم نقل ألاف الشباب المغاربة، من مختلف الجهات الإثنا عشر للملكة يشاركون و بشكل يومي تفاعلاتهم مع موجة الهجرة بصفة لاجئ سوري، في مواقع التواصل الإجتماعي معتبرين أن الحل الوحيد هو الهجرة، في ظل غياب حلول آنية لإحتواء أزمة البطالة و التهميش، فالشباب المغربي في نظر المنتخبون السياسيون مجرد أصوات تنتهي صلاحيتها، بإقفال صناديق الإقتراع، وحتى الجمعيات الشبابية فأغلبيتها تستغل إسم الشباب في نهب المال العام من خلال برامج و أنشطة موسمية في ظل غياب التتبع و التأطير، اليوم أمام إستفحال هذه الظاهرة نتساءل عن الأسباب المباشرة و غير المباشرة التي تؤدي إلى اقتراف هذا الفعل، وركوب أهواء المغامرة، والمخاطرة بالنفس،و التملص من الهوية المغربية و إقتماص صفة لاجئ، والحلم بيوم قد يكون بلا غد، رغم أن أجوبتنا ستكون حتما عرجاء، و ضربا من التأويل، وإطلاق الكلام على عواهنه، إذا لم تكن تستند إلى بحوث ميدانية، ودراسات علمية، وإحصائيات موضوعية. بيد أنه لا أحد ينكر أن هناك عوامل يتداولها كل الحالمين بالوصول إلى الضفة الأخرى، و من بين هذه العوامل يصرح لنا الكاتب و القاص الطاهر لكنيزي" لا أحد يتنكر لوطنه أو ينساه أو يفرّ منه وهو آمن، يتمتّع بحقوقه كإنسان، ويعيش بكرامة، ويمتهن عملا أو يحترف شغلا قارا يمكّنه من العيش دون ضيق؛ فلا يفعل ذلك إلا الخونة والضالّون. فحيثما حلّ امرؤ فهو يحمل وطنه معه، بداخله. إن هذه الظاهرة الاجتماعية ليست بمعزل عن ظواهر أخرى تغذّيها وتساهم في انتشارها، فهناك مجموعة من الاسباب كالبحث عن موطئ قدم على هذه الأرض تصان فيه كرامة الإنسان، نظرات الآخر الحارقة، والمهينة أحيانا، إحساس الشباب المؤلم بأنهم عالة على آبائهم أو أحد أقربائهم، كما أن هناك بعض الآباء يدفعون أبناءهم، بل يشجعونهم، وقد يساعدونهم حتى؛ فكثيرا ما نسمع أحدهم يقول لابنه:" لو هاجرت كابن فلان ل..." ، اتخاذ الهجرة كمنعطف في الحياة لعلّ الآتي يكون أحسن. ،الحلم بتزوّج أجنبية كأنها قيمة إضافية، الملل من حياة روتينية ليست إلا يوما واحدا يتكرر، والتوق إلى الانعتاق منها وتغييرها ولو بأسوأ منها، أجور العمل هناك أعلى بكثير مما هي عليه في بلاده، تقريب الخدمات الاجتماعية وتسريعها وجعل كل فرد فرد يتمتع بها، الاغتناء بسرعة( كيْف؟ !!)، الثقة المبالغ فيها بأن الحياة هناك أفضل لدرجة أنّها جعلت أحدهم، وقدماه ما زالتا لم تطإ الأرض، يقدّم الدعوة إلى أصدقائه لالتحاق به...". كما يضيف الكاتب الطاهر لكنيزي " الحكومات المتعاقبة التي لم تفلح في خلق مناصب شغل لامتصاص سيول البطالة المتزايدة كل سنة تتحمل جزء كبير من المسؤولية، بالإضافة للأسرة التي لم تستطع تنظيم نسلها حسب وضعيتها المادية، و استقالة الأسرة والمدرسة من مهمتهما ليتولاها الشارع والعالم الافتراضي، و الشخص نفسه حيث أنه لم يتعلّم مهارات كي يستطيع أن يكون منتجا عوض أن يكون مستهلكا، و غياب الجرأة على القيام بأشغال تبدو في نظره رخيصة وتبخيسها رغم مردودها المادي.. أما كيف نجعل الشباب يتشبّث بقوة بالوطن، ويعتزّ بهويته ويحبّ مواطنيه ويغير عليهم، فهذه مسؤولية الجميع: الحكومة، الأسرة، المدرسة، البيئة التي نشأ فيها الشاب، جمعيات المجتمع المدني... يبدو لأول وهلة أن الحل بسيط عندما نقول إن علينا أن نهيئ الظروف لهؤلاء الشباب ليشعروا أنهم حلقة مهمّة في سلسلة هذا الوطن، ونجعل منهم أعضاء فاعلين في نموّ وتطوّر المجتمع، منتجين لا مستهلكين.. غير أن شروط تحيق هذا الحل متواشجة، ومتعثرة، وبعض الرؤى متنافرة، بل تدخل أحيانا في صراع". أما مريم الولتزري الباحثة في شؤون الهجرة، ترى أن الشباب المغربي يعيش ظاهرة التناقض الداخلي بين الرغبة في الهروب من واقعه المرير(البطالة، الفقر، التهميش ولإقصاء...إلخ) وبين العيش داخل الوسط العائلي المليء بالحب والعطاء، ولكنه في قرارات نفسه يفضل الهروب إلى واقع يظن أنه أفضل وهو واقع الهجرة إلى الفردوس الأوربي بشتى الوسائل والسبل، ومن هذه الوسائل استغلال الأزمات الإقليمية والدولية ومنها الأزمة السورية... لذلك يقومون بتقمص الجنسية السورية والمرور كلاجئين سوريين في ضل الحراسة المشددة على الحدود المغربية الأوربية، مارين بعدة بلدان من الجزائر وليبيا وتونس وتركيا إلى حدود دول أوربا الشرقية في اتجاه دول أوربا الغربية التي فتحت أبوابها في وجه موجات المهاجرين السورين ليس فقط من أجل إبراز الجانب الإنساني أو الديمقراطي بل أكثر من ذلك ألا وهو حل المشكل الديموغرافي الذي أصبحت تعيشه هذه الدول... ويرجع الفضل الكبير لسهولة مرور المغاربة إلى أوربا كسورين هو سرعة تأقلم الشعب المغربي مع أية لغة أو لهجة وخاصة اللهجة السورية... كما أن هناك أطراف أخرى وهي بلدان الاستقبال وما توفره من فرص للشغل وديمقراطية وحقوق لإنسان... ومن بين الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة تغير توجهات الشباب حول الهجرة بتفعيل الدور التحسيسي لفعاليات المجتمع المدني والإعلام، والدور الأساسي يرجع للدولة التي يجب أن تقوم بوضع برامج من أجل إدماج الشباب وتنمية حسهم المقاولاتي لإدماجهم بصافة مباشرة في الدورة الاقتصادية الوطنية، بالتالي يصبح الفرد جزء لا يتجزأ من هذا الوطن الحبيب... وفي الأخير على الشباب أن يفكر بشكل جدي قبل أن يخوض في هذه المغامرة المريرة. أما هاجر بوخرواعة صحافية و طالبة في سلك الماستر، ترى أن لجوء بعض الشباب المغاربة إلى حيلة تقمص صفة لاجئ سوري من أجل الهروب لضفة لأخرى، فهذه مسألة لها دلالات و أبعاد إجتماعية و سوسيولوجية، أعمق بكثير مما تبدوا عليه، " لطالما سمعنا عن شباب من دول شمال إفريقيا، أو دول جنوب الصحراء يحلمون ببلوغ الفردوس الأوروبي، بأساليب مختلفة لكن الجديد أن ترى اليوم شباب يقتمصون صفة لاجئ من أجل المرور لضفة لأخرى، هذه مسألة خطيرة جدا كيف لشاب أن يتخلى عن صفة مواطن بما تحمله من حقوق و واجبات إلى صفة لاجئ، فمن الناحية السوسيولوجية فهذا الشاب يقطع الصلة التي تربطه بوطنه لأم في سبيل الهجرة، ربما هذا الوطن لم يقدم شيئا لهذا الشباب الذي فقد الإحساس بالوطنية و الإنتماء". و بخصوص الحلول المقترحة للحد من هذه الظاهرة ترى هاجر أن السياسات العمومية، و البرامج الحكومية، التي تضعها الدولة فيما يخص قطاع الشباب، تبقى بعيدة كل البعد عن طموحات و توجهات الشباب المغربي، لأنها بالأساس سياسات تنطلق من الفوق نحو الأسفل، و تترك الإستماع لمشاكل و تطلعات الشباب، من اجل الوصول لحلول فعلية و ميدانية، و صياغة سياسات حكومية من الشباب إلى الشباب، و لعلى المخططات السابقة التي لم تفلح في إحتواء أزمة الشباب خير دليل، على عدم قدرة الحكومة على إدماج الشباب و تأهيله للمشاركة الفعلية في اتخاذ القرار. فاليوم الدول لأروبية تواجه أكبر أزمة للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، الالاف الأشخاص من جنسيات عربية مختلفة يتوافدون على الحدود المؤدية لدول الأوروبية، و هو ما جعل القادة الأوروبيين يدقون ناقوس الخطر من أجل إعادة مناقشة معاهدة شنغن، وكذلك اتفاق دبلن حول حق اللجوء، و إغراء تركيا بعدة إمتيازات نظير مراقبة حدودها، رغم كل هذا التضييق لازالت فيديوهات المغاربة العالقين بالحدود تنتشر كل يوم على مواقع التواصل الإجتماعي، و الجرائد الإلكترونية لشباب يرفضون الرضوخ لهذه الشروط و الجلوس بأرض الوطن معتبرين أن فرصة الهروب من أرض الوطن بصفة لاجئ سوري لن تتكرر مرتين.