لنتفق أننا حين نتحدث عن الحقوق(حقوق الانسان مثلا) فنحن هنا نناقش على مستوى القانون(القانون يكيف الافعال التكييف القانوني الذي نحتاج اليه لوصف الافعال فقط)، عندما نناقش العقوبات(الغرامات، العقوبات السالبة للحرية، العقوبات السالبة للحياة، مستوى النقاش يتصل بإجراءات تطبيقية، تربوية...لا تتعلق بالأفعال نفسها. الانسان أحسن من الانسانية: 1- المنطق الإنساني، من الإنسان(humanité avec h وليس من الإنسانيةHumanité avec H[1]). الإيديولوجيون يعتقدون أن الإنسانية رقم نرتبه أفضل من الإنسان. قبل ان نتحدث عن حقوق الإنسان، عن أي إنسان ندافع؟ نتكلم عن الإنسانية وننسى أن الإنسانية هي تصنيف بيولوجي(الحياة) نقول هذه جمعية للرفق بالحيوان ولا نقول هذه جمعية لحقوق الحيوان (هل نتحدث عن الرفق بالإنسان؟) مفهوم الحق يتضمن معنى الحرية. إذا قلنا: حقوق العبيد، هل يتكون عندكم فهم أو معنى لذلك؟ الإنسانية تختزل قيمة الإنسان بل تسجنها (الحرية. قيمة أصلية [2] لأنها من قيمة الإنسان). الحرمان من الحرية مدى الحياة : عن أية حياة نتحدث؟ هل توجد الحياة داخل الحرية؟ ). الحرمان من الحياة نفسها: هل توجد حرية خارج الحياة؟. فلسفة الخُلُقِ الاحساني 2- اعتبرنا دائما في باب الدراسات المقارنة (كما نقول الديانات المقارنة، الفلسفات المقارنة.....الخ، عندما تكون مقارنة، نعتمد جدولين أو أكثر، نضع في كل جدول مصفوفة من المعايير (القيم)، يتم تصنيف المواضيع أو العينات إلى عدة أصناف، كل صنف يجيب على المعايير التي نقيس بها الأشياء. نتحدث عن المقارنة كأننا نتحدث عن التقييم. في باب تقييم الأعمال، وهي دراسة مقارنة بامتياز، نحتفظ بالقاموس الديني)قاموس مشترك مع قاموس الأخلاق( أليست الأخلاق جزء من الدين ، لا يمنع ان نقول أن الدين جزء من الأخلاق. من منهما يصب في الآخر؟ نفتح الموسوعة الدينية، تقابل المعاني يحيلنا إلى مطابقات (ثنائيات)من قبيل: حياة/ موت، دنيا/آخرة، حسنات/سيئات... الخ، ونقف عند هذا التقابل الأخلاقي: القيمة توجد دائما بين حدين(نقيضين، قطبين لا يلتقيان أبدا. هل يلتقي الخير والشر (أصل التقاطب الديني) إلا في مسلسل تاريخي ينتهي دائما بانتصار الخير، وكأننا نتابع تدرجا في الكون، محدد الاتجاه، وكأن الكون يتخلص من الدناسة التي نأخذها كفساد حادث أو عطب سير. التطهير [3] هو ارتقاء من صميم الوجود نفسه. هل يلتقي الحسن مع القبيح إلا على درجات ارتقاء كوني بقطبيه؟ جمالا، أخلاقا...الخير/الشر أصل كل التقابلات التي يخرجها الخيال الديني/الأخلاقي... الارتقاء بهذا المعنى هو ما أصبحنا نصطلح عليه في كلامنا اليوم عن التنمية البشرية. الارتقاء لا يشتغل على الجرعات النافعة لأن قيمة العلاج بالدواء أقل فائدة من العلاج بالتطهير من الأدران أو العلاج الجراحي. بتر العضو المريض، ليس فقط أننا نستأصل العضو غير النافع لأن بقائه أصبح غير ذي جدوى، نتصور أننا نقوم بزرع (من غير جراحة) لعضو مستتر (ضامر) يظهر وينمو ليعوض العضو المبتور أو العاطل عن أداء دوره. الخلق الاحساني هو التعبير الطوباوي عن إحساس الكائن بما يحس به وكأنه الإحساس بالإحساس نفسهméta sens ، لا يحس الأنا بذاته ولكنه يتجاوزها إلى أنا تمثل الأنا أحسن ما تكون ، يقدم الخلق الديني نموذجا لهذه الشخصية الطوباوية: النبي. النبي ليس إنسانا نتمثله كالآخر، النبي هو الإنسان الذي اختاره الله من بين الآدميين، يتمثل الإنسان نفسه وكأنه يتوحد مع هذه الأنا، من يؤمنون بالنبي،لابد أنهم يؤمنون بقابلية الإنسان(الناسوت) أن يجسد قدرات لا نهائية يشخصها اللاهوت. يتصور الإحساس الديني الكون كحساب يبدأ وينتهي، هذه الحدود الدينية هي حدود الإنسان. حين ينتهي (الحد النهائي) نسميه الأرض، العالم السفلي، الدنيا (هنا يموت الإنسان السفلي أي يتطهر من الدناسة). العالم الثاني، العلوي، السماوي ، حيث يولد الإنسان، بمعنى يتطهر من كل ما هو مدنس. من باب هذا النموذج الديني، ندخل لنتخيل ما هو أفضل: ينتهي هذا الحساب الأحسن(في الدنيا) إذن نفتح الحساب الأقل سوءًا (العالم الآخر نحسبه بهذا الحساب الاحساني ). في آخر الزمان سيظهر في الأرض المسيح الدجال ، يعيث فيها فسادا وفوضى. نذير نهاية العالم هو نقيض النبي l'antéchrist، ليس فقط شخصا تنقصه مقومات النبوة: الإلهام أو الوحي. من يؤمنون بالنبي،لابد أنهم يؤمنون بعصمته، وبطهارته. من صفات العمل الكامل الاستمرارية 3- في الفيزياء النظرية نميز بين مقادير متصلة(الكم) ومقادير منفصلة(الكيف). يمكن أن ننتقل من حالة أ الى حالة ب، نعبر عن هذا الانتقال بمسار حسابي قد يجعلنا نستوعب التغيير، الحركة... كمنحن خطي متصل. أما الحالة التي نتوقف عندها، وقوفنا هو حالة ذاتية، لا يمكن ان تخرج عن منطق واقف(جامد، خاص...) لا يوجد إحسان مثلا، وعندما نتحدث عن الكمال فنحن نكتفي بالقول: منتهى الإحسان هو الكمال(تعريف الأشياء بحدها فقط)، الإتقان يكون بإكمال العمل حتى لا يكون عملا ناقصا. لكل شيء اذا تم نقصان مرثية الأندلس (الرندي) يمكن أن تكون مرثية لأي انجاز ينقطع قبل أن ينتهي. [4]. القيمة المضافة. نضيف الى ماذا؟ 4- ننسى أن الاستثناء ليس قيمة جانبية. القيمة العامة هي الاختلاف (لا يمكن أن أكون انسانا ممتازا اذا كنت لا أختلف عن الآخرين)، الإنسان الاستثنائي قيمة أصلية، الإنسان العادي ليس قيمة مزيفة ولكنه وعاء قيمي، لا يمكن أن نبحث عن القيمة الأصلية (الإنسان الحقيقي) إلا داخل هذا الوعاء. يمثل التقليد و التكرار الاستمرارية التي يخرج من عباءتها كل ما هو تميز واستثناء. نقول إضافة. إضافة إلى ماذا؟ من غير أن نهيأ هذا ال"ماذا "لا يمكن أن نضيف أي شيء. ، كما المادة الحيّة تكرّر نفسها: التوالد الطبيعي، النمطيّة هي أصل أن الأشياء تتكرر وان كل ما يولد هو تطبيق لبرنامج جاهز من قبل. الطفرة mutation هي تغير استثنائي لا يتعارض مع التوالد الطبيعي، يجيزه قانون الحياة والوراثة البيولوجية génétique، أما إذا اعتبرنا أن الطفرات هي أصل الخلق، فالتوالد هو حالة انتظار طبيعيّة ومؤقتة من أجل فسح المجال للطفرة التي ستأتي. تقبلون إعدام الحرية ولا تقبلون سلب الحياة؟ 5- وإذا كان الانتقال من هنا لهناك بقرار(حكم، حساب...) ...كل حكم ، حساب يعتمد على معلومات، قرائن، أفعال . الحكم هو تكييف أخلاقي (كما نقول تكييف قانوني). الاجراء الديني، الخلقي يشبه الاجراء القانوني: كل فعل خارج القانون، أو يخالف القانون، غير قانوني. اذن لا يمكن ان يحكمه القانون ، محاكمة الافعال غير القانونية هي نفسها غير قانونية. ما نسميه مدونة قانونية هي مدونة تربوية. القاضي يصدر حكما غير قابل للتنفيد، يقول القانون: هذه جريمة(القاضي، القانون، لا تهمه إلا الأفعال)، كل ما يتبع ذلك يتعدى دائرة القانون، نقول اذن أنه من قبيل الاجراءات العملية ( التربوية) لتطبيق القانون. نحتاج الى سجان، نحتاج الى مفتي، نحتاج الى مؤسسات تقوم بهذا الدور...التربوي. الذي يحكم المدينة حقا هو العقائد والطقوس التربوية، المدارس والسجون وساحات الإعدام لها جغرافية بحدود وتضاريس تربوية. 6- لنتفق أننا حين نتحدث عن الحقوق(حقوق الانسان مثلا) فنحن هنا نناقش عل مستوى القانون(القانون يكيف الافعال التكييف القانوني الذي نحتاج اليه لوصف الافعال فقط)، عندما نناقش العقوبات(الغرامات، العقوبات السالبة للحرية، العقوبات السالبة للحياة، مستوى النقاش يتصل بإجراءات تطبيقية، تربوية...لا تتعلق بالأفعال نفسها، نحن لا نحاكم افعالا (هذا هو دور القاضي)، نحن نحاكم (نربي) أشخاصا بالأفعال المنسوبة اليهم. كدت أقول: قل لي من هو معلمك أقول لك ما هو قانونك. الحرية التي نملكها لا قيمة لها إلا مع الآخرين، الحرية توجد في صلب العلاقات الانسانية. افهم هكذا أن انسانا لا يستحق الحرية، نسجنه، يعني ماذا؟ السجن هو عزل من استعملوا حريتهم يشكل سيء، يعني أساؤوا لنفسهم قبل أن يسيئوا للآخرين. السجين هو انسان معزول عن المجتمع. نشبه السجن بمحمية حيوانات مهددة بالانقراض، حيوانات غلبتها الطبيعة، نخلق لها فضاء اصطناعيا، يعطيها فرصة أن تعيش اطول. نحميها كعينات من نوع حكمت عليه الطبيعة بالموت. أما الطبيعة فهي لا تهتم بالفرد، لأنها من طبيعة اجتماعية (الاصح أن نقول أن الاجتماع هو طبيعة الاشياء. الاجتماع الحيواني وَحْدَتُهُ هي الجنس. جنس الانسان مثل الأجناس الأخرى، هناك تواصل بيولوجي، الارتقاء البيولوجي رفع قيمة التواصل. التواصل باللغة والتواصل بالثقافة. لو خرج واحد من هذه الحيوانات المحمية خارج أسوار محميته، سيكون حيوانا اصطناعيا (غير طبيعي). كذلك الانسان الفردي لا يختلف عن حالة اصطناعية، يعيش داخل المحميات، في الطبيعة ينفضح أمره بسرعة. الكائن الطبيعي (الاصطناعي) يعيش من حريته، الكائن الاصطناعي (من فقد حريته) يعيش (يموت) في السجن فقط. الحرية هي فرصة ان أكون أحسن.البير كامو . أحسن تكون (أحسن مع الآخرين). فلسفة الاحسان التي نؤمن بها من الرأس الى اخمص القدمين. أعطني حريتي وخذ روحي 7- عندما ننفذ حكم الاعدام. نقيم هذا الفعل العنيف(العقوبات السالبة للحياة) من زاوية الفلسفة الاحسانية.(قد نصل الى نتائج لا تتفق عليها فلسفات تنطلق من الزاوية التي تسميها حقوق الانسان(من الانسانية وليس من الانسان [5]). نقارن بين العقوبات السالبة للحياة والعقوبات السالبة للحرية، من زاوية حق الانسان الأصلي(الحرية) قبل ان نضيف اليها حقوق مكتسبة (حقوق تاريخية) أليست هذه (نتحدث عن عقوبة الاعدام) أقسى عقوبة في الدنيا (التي هي أفضل العوالم) تقابل أشنع جرم يقوم به الانسان(السيئة الأ كثر سوءا)، وهي ارساله بسرعة الى العالم الآخر ؟ ينتهي حساب الحسنات (الاحسن) في الدنيا و يبقى حساب السيئات (الأَقَلُّ سوءًا، الحساب الآخر) لأنه بامتياز حساب الآخرة. الانسان عمل حسن (المحسن هو الخالق) والإنسان هو المحسَن اليه(وخلقناه في أحسن تقويم). والإنسان هو المُحْسِنَ. عقوبة الاعدام، ننطق بها لأننا نكون مقتنعين بأن الذي اقترف هذا الذنب العظيم، انقطعت اعماله الحسنة في هذه الدنيا(إذا كان له حسنات من قبل) فلا فائدة من بقائه مع الأحياء(الأحرار)، وعقوبة الاعدام تسلمه الى أقل العوالم سوءًا(حيث تنتفى الحرية)، حيث يتولى حسابه بالعدل كائنات علوية فاقدة للحرية، تعمل تحت مسؤولية سيد علوي(العمل بالتفويض وليس بالمبادرة عند الكائنات العلوية لا غير !) من غير ان نَنْتَقِصَ في شيء من عمل من يخضع للحساب (الانسان الحر او المسؤول). حكم الاعدام ليس حكما ولكنه احالة ملف الحسابات الى هيئة تكون مؤهلة لذلك instance compétente)) هذا الحكم نناقشه هنا بمنطق يختلف عن النقاش الايديولوجي: الانسان/الانسانية. هوامش : [1] في اللغة الفرنسية عندما نكتب homme(h) نقصد الجنس الذكر من النوع الإنساني وعندما نكتب Homme(H) نقصد النوع الإنساني، استعمل نفس التشوير المفارق h/H) (في مجال مفارق يختلف: التميز بين إنسان معين homme (h) والإنسان بشكل عام Homme(H) comme Humanité [2] نظام القيم مثل لعبة الدمى الروسية (ماتريوشكا) حيث تتداخل القيم في بعضها بحيث أن القيمة التي نخلعها (قيمة ثانوية) تظهر من تحتها قيمة أخرى أصغر منها وهكذا حتى نصل إلى القيمة الأصلية، نخلع من القيم الثانوية و نخلع على القيمة الأصلية. [3] آية التطهير: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا. الطهارة النبوية يقابلها في الآية الرجس، من قال أن العصمة شيء آخر غير تطهير النوع من الأدران العالقة، ومن الغباء أيضا. أليس الأنبياء عَيِّنَةٌ مطهرة بعناية ربانية خاصة دون سائر الأمة. الرجس الأكبر هو الفساد والفوضى. [4] يقال من باب النقد الذاتي أنه من خصائص العامل المغربي هو أنه يفتح ورشات ويرحل ... كما نتحدث عن الهذر المدرسي، واحد فقط من هذه الورشات التي لم تُؤَسَّسْ، بل قل إنها مؤسسة من غير قانون أساسي، قطاع غير مهيكل ...غير قابل للمتابعة، غير قابل للمراقبة، ما يقابل الاستمرارية الثقافية نسميه الهذر الثقافي . [5] "الإيديولوجيون يعتقدون أن الإنسانية أفضل من الإنسان ". دوايت أيزنهاور.