الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا منتهى الاحسان هو الكمال (الاتقان) 1- المقالة التي نشرت سابقا ، العنوان: "هو حوار غيابي اذن" [1]، الموضوع الرئيسي: الاحسان، أعود اليها الآن لأقرأها مرة ثانية(قراءة نقدية). الملاحظة الأولى: من هو الغائب في هذا الحوار؟ لم أجب عن هذا السؤال، هذا هو العيب الاول في الحوار الغيابي، وكأنك أنت نفسك تطرح سؤالا، وكأنك أنت نفسك الذي تجيب، من ينبهك الى أنك تجيب عن سؤال آخر: الاحسان؟ هل يمكن الانسان ان يكون حرا وهو يعمل؟ 5- هل يمكن أيضا أن يكون الانسان حرا وهو يعيش؟ الجواب الذي يتجنب الاشكالية الميتافيزيقية هو الجواب الذي يفطن الى خبث السؤال، لأن السؤال لا يشد خناقك و يَجُرُّكَ مرغما الى الاشكالية (الفخ) هل أنت حر أن تعيش؟ أنا حر مادمت حيا، بعد ذلك، عندما أموت، يصبح السؤال بدون معنى. لنتخلص بسرعة من الاشكالية الميتافيزيقية، لا يهم ان يكون الجواب مُفْحِماً، الميتافيزيقا لا تبحث أصلا عن الجواب،انها تثبت العجز الأصلي(القصور) للإجابة، لتمرر أجوبة لا علاقة لها بالسؤال الأصلي. العقل العملي اذ يثبت القصور الأصلي للجواب، لا يقف عند حد الجواب، اذا كان هناك قصور في الاجابة، قصور من حيث المبدأ، بمعنى: لا يوجد جواب قطعا، عوض أن نقول أن المسؤول قاصر، ، نقول له: سؤالك ليس فقط بدون جواب، سؤالك يفتقد الى المعنى. سؤال هذه صفته لا يسمى سؤالا، يسمى تعجيزا. يشبه هذا الأمر الذي يوجه الى عقل الانسان: كن قاصرا. العقل الحر لا يقبل من يأمره بالقصور. ثم انك تستشهد بآيات من الكلام الذي هو غاية الاتقان، لأنه كلام منتهى الكمال، ولكنك نقصت من آيات الاحسان آية احسانية بامتياز، وهو الكلام الذي لا ينتقص منه شيء، الآية المنقوصة(وليست الناقصة) قوله تعالى، سورة الملك]2 [ : الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا. هذه سيئة ستبقى في حساب سيئاتك، حساب السيئات له ذاكرة لا تمحى [2]. علاقة العمل والموت التي نستحضرها دائما حاضرة هنا بقوة، "اذا مات المرء انقطع عمله"(الحديث) لماذا نحن اذن نسبق الحديث و نقطع عمل الانسان قبل موته؟ قد يكون أحسن العمل قبل الموت لو تفقهون ! مَنْ صاحبُ هده القولة [3]: "لن اموت قبل ان أموت "؟ 2- مرحلة قبل الموت، قبل النهاية، نهاية العمل… نسميها: التقاعد، مرحلة متأخرة من حياة الانسان العاملhomo habilis، يتخلص فيها من الاكراهات الخارجية ليتفرغ لنفسه، انتهت مسؤوليته الاجتماعية (الأسرة، ...الخ)، نفترض أنه أداها على الوجه المطلوب، نفترض انه أوفى حقه لمحيطه بما قدمه من عمل منتج ومفيد، واستخدم مقدراته الطبيعية والمكتسبة لما فيه خير الجماعة التي ينتمي اليها، تكبر الجماعة حسب الاهمية من الاسرة(أصغر جماعة) الى أكبر جماعة ينتمي اليها الانسان(avec h) وهي الانسانية (avec H)، لا نحسب ان ما كان يدره عليه عمله من أجر، ينتفع به من أجل غدائه وكسوته وتمتعه يساوي قيمة ما بذله خلال حياته النشيطة من عمل، وإذا كان لا بد أن نقارن بين العمل والأجر: العمل= الأجر + قيمة مضافة هده القيمة المضافة تبقى دَيْنًا يستحقه العامل بعد انتهاء حياته النشيطة، المحاسبون يحسبوها حسابا رأسماليا: رأسمال يعني تراكم أصول جاءت من مساهمات فردية تكونت من خصومات محسوبة، تخصم من الأصل (نسبة من الدخل) يستفيد منها من يستحق، نحدد من يستفيد بتحديد سن الاحالة على المعاش، نحن نعتبر ان هذا الحساب هو مسالة تقنية فقط، المبدأ الذي هو أمر ثابت، مسألة خارج الحساب الذي يتغير، والمبدأ هو أن نهاية العمر هي فترة ليست مخصصة للحساب، نهاية العمر هي للعبادة(باللغة الدينية)، العبادة هي العمل لوجه الله (لا نرجو منها أجرا). نحتاج الى قاموس الصوفية ليتفاهم المؤمنون بينهم [4]. وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ. ما ضاع حق و راءه مطالب 3- أما اذا استخدم المرء هذا الحق(الدين) بشكل ابتزازي، نقول الشطط في استعمال الحق، الدين حق الدائن، لقد أثبت التاريخ أن هذا الالزام يمكن أن يتشدد فيه الدائن بخبث فيشد خناق المدين ولا يعتق رقبته إلا بتحصيل الواجب الذي يستحقه، كأن يقوم أهل الغريم او قبيلته بدفع الدين بداله، فهم يكونوا أعتقوا رقبته، او أن يشتري تاجرٌ هذا الدين، كما هو لازال معمولا به الآن في العصر الحديث، ولكن التاجر القديم عندما كان يشتري الدين، لم يكن الدين يكتب على صفحة حتى نحتفظ بورقة الدين عربونا على الوفاء، يكتب الدين على جبهة العاجز عن الوفاء، من لا يستطيع الوفاء مثل من ينقض العهود، لا يستحق الحرية. فلسفة تاريخ العبودية. من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته 4- أما اذا أهمل المرء حقه (حقه على نفسه هو ما يحتاج اليه)، ترتيب الحاجات: لننطلق من الانسان، النظريات تتكلم عن الانسانية وتنسى الانسان (ايديولوجيا) . الانسان يعيش(هذا هدف) والإنسان يعمل(هذا هدف آخر). أن نقول الانسان يعمل ليعيش، هذه مغالطة برزخية (اشكالية) لا تنفيها الصورة المقابلة لها: الانسان أيضا يعيش ليعمل. ليس هناك تنافي بين الهدف الاول والهدف الثاني، الانسان الذي يعيش هو الانسان الذي يعمل، قبل أن نشغل انفسنا بترتيب الأهداف، وكأننا نتحدث عن انسان اول وإنسان ثان، الانسان هو الانسان، لننطلق من الانسان اذن. لا نتكلم عن حاجات في الهواء (مجردة)، نتكلم عن حاجات انسانية و نعني مدلول هذه الكلمة، نسميها انسانية لأننا نحس بها قبل أن نخضع لها، نحس بها من داخل أنفسنا. عند الحاجة الانسانية، لا نحتاج من يقول لنا: هذه حاجتك، حينها يكون مثل هذل القول أمرا، كمن يقول لك: لتكن حاجتك هكذا، نصل الى أن الحاجة الأساسية هي الحاجة الأولى التي نحس بها. عندما نسمع أمرا، الحاجة أن تقول للأمر: لا، تلك هي الحاجة للحرية. حرية العقل ان يختار السؤال الذي له معنى. 6- العمل هو الجواب العملي على سؤال حقيقي، أي له معنى، لا معنى اذا كان العمل ان يثبت ينفي الحرية، العمل الذي ينفي الحرية له اسم مختلف: نسميه العبودية. العامل يظل حرا اذا كان ارتباطه بسيد العمل ليس ضرورة، بمعنى أنه يختار أن يعمل، بمعنى آخر، يحتفظ بحريته أن يفك الارتباط مع مشغل معين، أنا اعيش وأعمل، أنا أتكون من اجل ان أعمل واعمل من اجل ان أتكون، علاقة الشغل ستظل دائما تحكمها الحاجة [5]، لا يمكن أن نقضي على حاجة الناس لبعضهم، حق الاستغلال هو أن كل واحد يقضي حاجته من الآخر، اذا سموها استغلال لا يفقد هذا للود قضية، ولكنه استغلال يجب أن لا يميل الى جهة سيطرة طرف، حد أن يصبح الطرف الآخر في حكم العبد الذي لا يملك من امره شيئا. اذا ظللنا في منطق الحقوق، لن تنفعنا الحقوق لنخرج من منطق الاستغلال، سنسهل مأمورية من لا يستطيعون أن يقدموا برنامجا قصير المدى للحلول المقترحة، تعم الفوضى، حل مؤقت لتغيير ميزان القوى الى حين، نحن مازلنا نبحث عن الحل الدائم و لو على مراحل (على المدى القصير أو المتوسط)، ليس هناك إلا مخرج واحد: نرتب الحاجات التي نطلبها، بمعنى آخر نعطي لكل حاجة قيمة نتفق عليها بالتراضي. العمل الحر، يجب أن يكون خدمة يستفيد منها المشغّْل الذي يستهلك قيمة العمل، و استثمار يستفيد منه العامل أيضا، اذا أردنا أن تبقى علاقة العمل علاقة انسانية(من الحرية) بين الناس. هوامش [1] هو حوار غيابي اذن؟ - بوابة خريبكة (03/02/2014) [2] مقارنة مع حساب الحسنات: الحسنة التي هي أحسن، تمحو الحسنة التي قبلها. يقين برس المغربية - حسنة واحدة هي الأحسن(19/11/2013) [3] "لن أموت قبل أن أموت" ، عبارة كان يكررها المفكر الراحل علال الفاسي رحمه الله. [4] واحدة من هؤلاء الصوفية نقدمها كنموذج: "رابعة العدوية" وتكنى بأم الخير، عابدة وصوفية تاريخية وإحدى الشخصيات المشهورة في عالم التصوف الإسلامي، وتعتبر مؤسسة أحد مذاهب التصوف الإسلامي وهو مذهب العشق الإله. وكأن رسالة رابعة لكل إنسان كانت: أن نحب من أحبنا أولاً وهو الله. ورابعة تختلف عن متقدمي الصوفية الذين كانوا مجرد زهاد ونساك، ذلك أنها كانت صوفية بحق، يدفعها حب قوي دفاق، كما كانت في طليعة الصوفية الذين قالوا بالحب الخالص، الحب الذي لا تقيده رغبة سوى حب الله وحده. [5] أريد أن تشرحوا لي معنى هذه الجملة: في الحاجة تكمن الحرية (الكتاب الاخضر)