نشكر الكاتب والصحفي عبدالقادر الهلالي على هذه الحلاقات الجميلة والمتميزة‘ في الاسلوب المحتوى، وقد اطلعنا عليها كلها فأعجبنا الاسلوب الفلسفي الجميل للاستاذ الهلالي، ادارة خريبكة اون لاين تقدم له الشكر الجزيل وتتمنى له عطاء وافرا و مسيرا موفقا. *************************************** في ثقافة المؤسسة (الحلقة الاخيرة) العمل حلة انسانية عبدالقادر الهلالي في هذه الحلقة الاخيرة من ثقافة المؤسسة سوف نستخلص بعض الطروحات التي بسطناها في الحلقات السابقة، بعض الافكار نرى من المفيد أن نعيد صياغتها، بعض الأفكار نعيد طرحها في سياق آخر، المنطلق هو أن الانسان لا يقضي أكثر الوقت في البيت، أو في الحمام، أو في المقهى، أو ينتقل بينها جالسا على مقعد سيارة أو حافلة، العمل هو النشاط الذي يستنفذ القسط الوافر من الوقت[1] (لا نحسب وقت النوم لان الانسان قد ينام في أي مكان ولا يشعر بأي شيء، فبالا حرى لا يشعر بأي فارق)، اذا كنا دققنا في الكلام، لم نكن نحتاج الى هذا القوس، فالوقت نفسه يحسب بشكل واعي. الزمن النفسي. السبات الشتوي الذي استغرقنا فيه، عند الدخول، واستغرَقَنَا عند الخروج، بعد فترة السبات، لم يكن وقتا ضائعا، لا يحسب إلا الوقت الذي نتمتع به [2] ثقافة المؤسسة عندما تكون هي ثقافة الحرية. كل النظريات تتكلم عن الانسانية وتنسى الانسان(ايديولوجيا) 1- في سوق الخردوات أي سلعة تنقص قيمتها طرديا مع عمرها،السلعة نعلق عليها بطاقة الأقدمية، نقرأ هذه موديل 2010، الاخرى موديل 2000، يزيد عشر سنوات، اذن قيمتها بخست، كل عام من الاعوام يزيد، تنقص قيمة السلعة المتقادمة حتى تصل الى نهاية عمرها الافتراضي، هذه سوق القيم المتلاشية بالاستعمال. ليست كل السلع تخضع لقانون تجارة الخردة، ونخطأ كثيرا حين نعمم قياس السلع المحتضرة، مثل الطريدة الجريحة التي اذا لم يحللها الانسان بتعجيل ذبحها، تفقد كل قيمة للاستعمال، يصبح أكلها محرما عندما تكون لحم حيوان نفق وانتهى، تصبح صلاحية منتهية عندما نتحدث عن قطعة غيار موديل اذا قسناه على السنة الجارية، يعطينا عمرا يفترض أن صاحبه مات أو هو يحتضر، مثل تلك الطريدة الجريحة التي تحتضر، يتعجل صاحبها أن يتخلص منها قبل ان تموت في يده، كل ما يُحَصِّلُهُ من ثمنها، هو خسارة مسترجعة ،perte récupérée الكلمة المقابلة antinomie هو البيع (الربح)الضائع mévente. هل انتهى سوق النخاسة 2- نحن الآن ندخل الى سوق العمل: مفهوم العمر الافتراضي مفهوم يجعلنا نفكر في سوق النخاسة، معناه ان الانسان لم يتخلص من علاقة العبودية التي نظن اننا دفناها منذ قرون، الأَمَةُ أو العَبِدُ نُحَدِّدُ لَهُ(لَهَا) قيمة الاستعمال وقت الشراء، ونحسب السنين التي مرت بعد ذلك لِنُحَوِّلَهَا باستعمال مَعَامِلٍ عُرِفِي، نحسب مابقي في عمرها، القيمة او الثمن يجب ان يكون مناسبا للسنوات الباقية في عمر الرقيق، لا نحزن لأن الرقيق سيموت، نحزن لأننا سنضيع في حق الاستغلال بعد موته: ربح ضائع يجب أن يخصم من ثمن العبد من طرف النخاس، حسب شطارة السيد الجديد. 3- حق الاستغلال حق مكتسب، لا يمنك أن نقضي على حق الاستغلال في علاقة العمل، فهي حق مكتسب، ويفرضها أن المشغل يدفع ثمنا، بماذا نبرر هذه المقايضة اذا لم نقل أن المشغل يستغل حاجة العامل الى أن يعيش، يبيع عمله وكفاءته الى مشغله، حق الاستغلال هو حق قانوني وعملي، نسميه من أجل تخفيف أثاره النفسية البغيضة: تبادل المنافع بين الناس، سوق العمل من النخاسين الى الفوضويين 4- أما الفوضويون فسيقفون عند البكاء والحزن على العامل، ينددون بالاستغلال، يتسللون داخل النقابات الجمعيات الحقوقية، يكيدون لتهديم علاقات العمل القائمة، ماذا يحضرون بعد الاجهاز عليها بصفة نهائية؟ لو وجدنا جوابا لهذا السؤال، كان علينا أن نعتذر لهؤلاء الفوضويين، نبحث لهم عن اسم يرد لهم الاعتبار المثالي، بالمناسبة، الفوضوية هذه، ليست صفة تبخيسية au sens péjoratif، الفوضويون أنفسهم لم يبتدعوا لأنفسهم صفة أخرى 5- الوسيطية تبدأ بتصحيح المفاهيم: الى أن نصل الى الجواب الذي ينصف من أسميناهم الفوضويين، ، ستبقى المعالجة الوسيطية procédures de médiation ، هي الحل الأمثل لفهم علاقات الشغل بشكل انساني ، من غير أن ننساق الى الطروحات الفوضوية المغرية. التصحيح ليس بالضرورة يعني، أننا ننتقل من وضعية خاطئة الى وضعية صحيحة، سنضيع وقتا كبيرا لتحديد ماهو الخطأ وما هو الصواب، هذا بعيد جدا عن طموحنا الذي نريده طموحا مؤطرا بهدف قصير المدى، لا أحد يجهل أن الانسانية تاهت كثيرا عندما لم تستطع أن تحدد لأهدافها مدى معروف. كلما ابتعدنا عن الطوباوية أصبح للهدف مدى يقصر أكثر فأكثر، أما المثالية فلم نجن منها إلا أهدافا لا يعرف مداها إلا الله، يمكنك أن تقول ان تاريخ الانسانية الطويل لا يكفي ليكون مدى لهدف مثالي واحد، تاريخ الكون قد لا يكفي مدى لكل الاهداف الطوباوية التي نحلم بها خلال ساعات تشبه الحلم، تحقيقها يطلب ان لا ننام بل ان لا نموت. تصحيح المفاهيم يعني اذن تقريب هذه المفاهيم، ملائمتها مع الواقع، ما يخلق منا مفاهيم لتسهيل التفاهم، لتيسير التواصل، التواصل لم يخترعه الانسان ليتكلم فقط، التواصل هو أن نبحث عن الكلام الذي سيصدر عنا من خلال التفاعل مع من نتواصل معهم، الكلام هو مقاربة من طرفنا، يجب أن نتتبع اثرها بعد الصدور لتصويب اتجاه الرماية pour rectifier le tir، ترتيب الحاجات: لننطلق من الانسان 6- النظريات تتكلم عن الانسانية وتنسى الانسان(ايديولوجيا) . الانسان يعيش(هذا هدف مستقل) والإنسان يعمل(هذا هدف آخر)،أن نقول الانسان يعمل ليعيش، هذه مغالطة برزخية (اشكالية) لا تنفيها الصورة المقابلة لها: الانسان أيضا يعيش ليعمل، ليس هناك تنافي بين الهدف الاول والهدف الثاني، الانسان الذي يعيش هو الانسان الذي يعمل، قبل أن نشغل انفسنا بترتيب الأهداف، وكأننا نتحدث عن انسان اول وإنسان ثان، الانسان هو الانسان. لننطلق من الانسان اذن. لا نتكلم عن حاجات في الهواء (مجردة)، نتكلم عن حاجات انسانية و نعي ماذا تعنيه هذه الكلمة، نسميها انسانية لأننا نحس بها قبل أن نخضع لها، نحس بها من داخل أنفسنا، الحاجة الانسانية، لا نحتاج من يقول لنا: هذه حاجتك، حينها يكون هذا القول أمرا، كمن يقول لك: لتكن حاجتك هكذا، نصل الى أن الحاجة الأساسية هي الحاجة الأولى التي نحس بها عندما نسمع أمرا، الحاجة أن تقول للأمر: لا، تلك هي الحاجة للحرية. هل يمكن ان يكون الانسان حرا وهو يعيش؟ جواب يتجنب الاشكالية الميتافيزيقية وهو جواب يفطن الى خبث السؤال، لأن السؤال لا يشد خناقك و يَجُرُّكَ مرغما الى الاشكالية (الفخ) هل أنت حر أن تعيش؟ أنا حر مادمت حيا، بعد ذلك، عندما أموت، يصبح السؤال بدون معنى. تخلصنا من الاشكالية الميتافيزيقية بخفة يد ساحر، لا يهم ان يكون الجواب مفحما، الميتافيزيقا لا تبحث أصلا عن الجواب،انها تثبت العجز الأصلي للإجابة، لتمرر أجوبة لا علاقة لها بالسؤال الأصلي. العقل العملي اذ يثبت القصور الأصلي للجواب، لا يقف عند حد الجواب، اذا كان هناك قصور في الاجابة، قصور من حيث المبدأ، بمعنى: لا يوجد جواب قطعا، عوض أن نقول أن المسؤول قاصر، ، نقول له: سؤالك ليس فقط بدون جواب، سؤالك يفتقد الى المعنى. سؤال هذه صفته لا يسمى سؤالا، يسمى تعجيزا. يشبه هذا الأمر الذي يوجه الى عقل الانسان: كن قاصرا. العقل الحر لا يقبل من يأمره بالقصور. حرية العقل ان يختار السؤال الذي له معنى. هل يمكن الانسان ان يكون حرا وهو يعمل؟ 7- هذا سؤال له معنى، العمل لا ينفي الحرية، العمل الذي ينفي الحرية له اسم مختلف: نسميه العبودية. العامل يظل حرا اذا كان ارتباطه بسيد العمل ليس ضرورة، بمعنى أنه يختار أن يعمل، بمعنى آخر، يحتفظ بحريته أن يفك الارتباط مع مشغل معين، انا اعيش وأعمل، أنا أتكون من اجل ان أعمل واعمل من اجل ان أتكون، علاقة الشغل ستظل دائما تحكمها الحاجة [3]، لا يمكن أن نقضي على حاجة الناس لبعضهم، حق الاستغلال هو أن كل واحد يقضي حاجته من الآخر، سموها استغلال لا يفقد للود قضية، ولكنه استغلال يجب أن لا يميل الى جهة سيطرة طرف، حد أن يصبح الطرف الآخر في حكم العبد الذي لا يملك من امره شيئا، اذا ظللنا في منطق الحقوق، لن تنفعنا الحقوق لنخرج من منطق الاستغلال، سنسهل مأمورية من لا يستطيعون أن يقدموا برنامجا قصير المدى للحلول المقترحة، تعم الفوضى، حل مؤقت لتغيير ميزان القوى الى حين، نحن مازلنا نبحث عن الحل الدائم و لو على مراحل (على المدى القصير أو المتوسط)، ليس هناك إلا مخرج واحد: نرتب الحاجات التي نطلبها، بمعنى آخر نعطي لكل حاجة قيمة نتفق عليها بالتراضي، العمل الحر، يجب أن يكون خدمة يستفيد منها المشغّْل الذي يستهلك قيمة العمل، و استثمار يستفيد منه العامل أيضا، اذا أردنا أن تبقى علاقة العمل علاقة انسانية(من الحرية) بين الناس، نتعلم من الثقافة النسوية 8- تعلمت من الثقافة النسوية التي تشبعت بقيمها الانسانية: كما قضية المرأة ليست قضية حقوقية فقط، قضية البروليتاريا، تتحدث الجمعيات الحقوقية والنقابية بلغة القانون والعقود والالتزامات، هي تبحث عن القوة عمالية التي تضرب بها. يا عمال العالم اتحدوا. أنا لا أبحث عن القوة والصراع والسياسة. انا أصرخ بصوتي المفرد: الوسيط الذي يتكلم باسمي(النقابة، الحزب، الجمعية...لهم دور في تغيير موازين القوى (باستراتيجية قتالية) والوسيط الذي يشرح وجهة نظري كما يشرح وجهة نظر الطرف الذي ينازعني، يكون دوره اكثر كفاءة لفك النزاعات ولحل الأزمات، أتكلم الآن من غير وسيط أصلا، الحر، أتكلم وأتواصل بطريقتي التي تعبر عني أكثر، لأنها أنا، أنا لا يدخل في صراع، لا يفك أزمة احد، أنا كائن أحس(لا أقول يحس)، كما أنت كائن تحس أيضا، الاحساس المشترك، يوحدنا جميعا، ضد بلادة الاحساس والمشاعر، هناك احساس انساني، الاحساس طبقي الذي هو الاحساس بالحقد والكراهية، ليس احساسا صادقا، منبع الحرية هو الخير، الحقيقة، الجمال قبل ان نصل الى الانسان، الذي يحب قبل ان يكره. ابحث عن حقي في التكوين المهني (مساهمة في ثقافة المؤسسة) ست حلقات، أخاف أن تضيع الفكرة الرئيسية، خيط الربط هو الفكرة التي نكررها الآن (التناص بين الاعتقاد والفكر الحر) : 9- حسنة واحدة هي الأحسن العمل قيمة نسبية بما يحققه العمل في وقت معين، وتسمو قيمة العمل بتحسن كفاءة العامل، تَحَسُّنٌ يعني عَمَلٌ حَسَنٌ(هذه حسنة) فعمل أحسن، من حسن الى احسن، الحسنة الاخيرة هي التي نقف عندها لتحديد قيمة العمل، أما قيمة العمل المطلقة فهي قيمة نظرية، أحسن عمل يقوم به عامل يمثل الانسانية كلها في هذه البطولة الكونية، الأرقام القياسية تشرف البطل القومي، تشرف فرقته، تشرف أمته برمتها، بل تشرف كل من ينتمي الى هذه الفرقة الكبيرة التي تحمل القميص الانساني. قيمة العمل هي أنه يتحسن، العامل تتحسن قدراته في العمل، ورب العمل عندما يحسن كفاءة العمال هو أيضا يقوم بواجبه الانساني: : استغلال العمل لما ينفع الناس وتحسين العمل: التقدم البشري، وله أجران على هذه الحسنه، الأجر الأول يعطيه للعامل والأجر الثاني تتقاسمه البشرية. قارنوا بحالة العامل الذي لا يعمل حتى تستنفذ قوته، ولا يطمح أكثر من أن يحتفظ به مشغله حتى تصل الفترة التي تتكفل به ادارة المعاش، الخبرة هي القيمة المضافة التي تفضل لي ويمكن أن أستغلها لتحسين وضعيتي وكذلك لأشعر بالاستقلال عن المشغل. من غير ذلك، علاقة العمل لا تختلف عن كونها شكلا من أشكال العبودية.التكوين من أجل أن يكون المشغل هو الذي يحتاج الى العامل وليس العكس، التكوين فقرة أساسية في أي برنامج يسمى : تدبير الموارد البشرية، التكوين من أجل ادماج العامل في المؤسسة، والتكوين ايضا من أجل ربط العامل بالمستقبل se connecter à l'avenir ne veut pas dire se connecter à l'entreprise علاقة العمل اذا كانت يفهم منها ارتباط العمل بشكل جامد، لا تختلف عن علاقة السيد والعبد القديمة ، العلاقة المرنة تكون هي التي تكرس الحرية وقيمة الانسان الاساسية. لنتابع ثقافة المؤسسة مع مدير المؤسسة[دردشة بالكتابة الدارجة] [4] مراجع : [1] فكرة شقية (من "الشقا" وهو ترجمة دارجة عندنا تعني العمل) أخذتها من "صاحب مكتبة الكلية " ببني ملال، زرته مرة وكان يوضب جانبا خلفيا من المكتبة: حمام، بيت النظافة، سرير...الخ، كل المرافق الضرورية للراحة. لا حظ أنني استغرب من اهتمامه بتوفير شروط الراحة داخل فضاء "الشقا"، بما يفيد أن البحث عن الراحة داخل فضاء"الشقا" فكرة لا تريح، فكرة شقية اذن. [2] الوقت الذي تستمتع بإضاعته، ليس وقتا ضائعا. برتراند رسل [3] أريد أن تشرحوا لي معنى هذه الجملة: في الحاجة تكمن الحرية (الكتاب الاخضر) [4] دردشة في مكتب السيد المدير العام .14/11/2013، استوحينا منه فكرة هذه الدردشة. نتابعها في حلقات على يقين بريس: الجزء الاول: http://www.yakinepress.com/index.php?news=18495