هناك كثير من المنافحين عن عمل الحكومة الحالية في قطاع التعليم، كما أن هناك مناوئيها في هذا القطاع، بناءً على معطيات قد تكون موضوعيةً، ومبنيّةً على أدلة و ثوابت علمية دقيقة، أو على هوى و حزازات حزبية و إيديولوجية، لكنّ المتتبّع الحصيف هو من يرى عمل حكومة عبد الإله بنكيران في قطاع التعليم بتجرّدٍ و اتّزان , فإذا حصل توافق مع سياسته ؛ كان لا بد للمنافح من أن يدليَ بحججه و أدلته الدّامغتين , لا أن يكون كلامه مجرّدَ تهليل و تصفيق , أما إذا حصل تقاطع و تناكد ؛ فوجب على المناوئ تقديمُ مسوّغات نقده ؛ بناءً على أدلته و حججه . لذلك فنظرتي إلى عمَل الحكومة الحالية في قطاع التعليم نظرة تَسِمُ عمل الحكومة بِازْوِرَارِهِ عنِ الإصلاحات التي نذر نفسَه لأجرأتها , فواقع الحال يقول : إن ما تحقق في التعليم إلى حد الآن لا يرقى إلى مستوى تطلعات رجال التعليم و نسائه الذين تشرئب أعناقُهم إلى تحقيق نهضة تعليمية ، تقطع دابر عهد كئيب , جعل التعليم يحتل مراتبَ متقهقرةً ، في مؤشرات دُولية لتقييم المنظومات التعليمية في العالم . وجب إزاء أي انتقاد تقديمُ المسوّغات الكافية لوَسم العمل بالعلمي و الدقيق ، لا أن يكون مدغ كلام ، يلقي الكلم على عواهنه ؛ و لذلك سنحاول في هذه المقالة رصدَ أهم اخْتلالات عمل الحكومة الحالية ، في التعليم ، منذ سنتين من إناطة تدبير السياسة العامة بالحكومة الحالية , بعيدا من الأحكام الجاهزة , أو ما يشاع في المنتديات التعليمية , و شبكات التواصل الاجتماعي ... فأي دراسة توصف بالأكاديمية ؛ فهي التي تتأسس على معايير البحث العلمي المتداول , الذي يستند إلى الدقة و التحقيق و الأمانة العلمية , و اْمْتلاك آليات التحليل و النقد , و تقديم الحلول الموضوعية الكفيلة بإحداث الحلول القادرة على إصلاح الموضوع المُناقش . يمكن تقسيم هذه الانتقادات التي تَتْرَى إلى عوارضَ ؛ كي يكون العمل إجرائيا ، و يمكّن القارئَ من الوقوف وِقفةَ المتأمل إزّاء ما سنصل إليه من نتائج و استنتاجات. عمِلت الحكومة على تقديم برنامج حكومي ، يستند إلى مرجعية الميثاق الاِجْتماعي الذي أعده المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و البيئي ، بعدما تخلت سياسة الحكومة - كما عُرف عند كثير من رجال التعليم و نسائه - عن الميثاق الوطني للتربية و التكوين , و هذا راجع إلى أن هذا الميثاق أُعد في ظل الدّستور السّابق ، ناهيك عن أن ما سُمي بعشرية الإصلاح ، التي جاء بها المخطط الاستعجالي ، قد ولّت منذ 2010 التي كان ميثاق التربية و التكوين أحدَ دعائمها . و قد أولى البرنامج الحكومي قطاع التعليم بأهمية خاصة , تمثلت في : التركيز على نهج سياسة الحكامة ، و الجودة في التعليم , المتمثلة في : إعطاء المؤسسة الدورَ المركزي ؛ لإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية ، من خلال منحها الاستقلالية التربوية و المادية الكافية للقيام بدورها . كما قام هذا البرنامج بسن مسطرة المسؤولية بالمحاسبة ؛ لإكساب الشفافية و إعادة الاتزان للعمل التربوي ، كما فُعِّل مبدأ اللامركزية ، تماشيا مع توصيات الدستور الجديد . هذا البرنامج كانت وسيلته الإجرائية لتنزيله هو : برنامج العمل المتوسط 2013 2016 ، و هو مخطط جاء متأخرا ؛ بالنظر إلى حاجة قطاع التعليم الماسّة إلى مخططات استراتيجية للرقي بأوضاعه , بيد أن هذا البرنامج كان سوى استنساخ رديءٍ للبرنامج الاستعجالي الذي يستنكف كثير من رجال التعليم و نسائه عن ذكره ؛ لاتحادهم على فشله و اندحاره ، رغم أن القطاع الوصي لم يعلن عن نتائج تقييم البرنامج الاستعجالي . يمكن الآن أن نقوم بتعداد الفشل الحكومي , أو على الأقل عدم قدرته على حلحلة مشاكل التعليم إلى حد الآن : - اعتماد البرنامج الحكومي على مخطط استراتيجي هو استنساخ رديء - كما وُصف في تقرير جمعية أماكن - للبرنامج الاستعجالي ؛ فقد قام على نفس دعائمه الأربعة , و هي : تعميم التمدرس , و القطب البيداغوجي , و الموارد البشرية , و الحكامة . و قد أضيفت إليه المؤسسة التعليمية كمجال قائم بذاته ، تماشيا مع إعطائها الدورَ المركزي و الاستقلاليةَ في التسيير , و من هنا يمكن أن نقول : إن برنامج الحكومة ما زال مشرئبا إلى المخطط الاستعجالي , و لا يراوحه في كثير من مبادئه , بل هو استنساخ - كما قلنا - حرفي له . - اعتماد الوزارة الوصية على إجراءات ظرفية و جزئية , لا تلامس القضايا الجوهرية التي حث عليها البرنامج الحكومي , بالرغم من العيوب التي شابته , فالمتتبع سياسة الوزارة في الشأن التعليمي يلفيها تعتمد على الضرب على الأوتار الحساسة , و الإثارة الإعلامية , كالعمل على القضاء على عمل أساتذة العمومي في الخصوصي , أو استغلال السكن الوظيفي , أو محاربة ظاهرة الموظفين الأشباح , بالرغم من أن هذه قرارات شجاعة في ظاهرها , لكنها في باطنها و جوهرها تبين فيما بعد أنها إجراءات سطحية لم تلامس عمق قضايا التعليم , و هذا راجع إلى عدم إشراك الوزارة للفاعلين التربويين و الشركاء الاجتماعيين في بلورة مخطط ثابت و رصين , و قد تبدى هذا بشكل أوضح حين ألغت الوزارة بيداغوجيا الإدماج , دون تقديم بديل بيداغوجي مناسب , فصار الأمر داخل الأقسام أشبه بفوضى , ما دامت المرجعية البيداغوجية عند رجال التعليم و نسائه غائبة منذ تغييب بيداغوجيا الإدماج التي كانت مرجعا بيداغوجيا في السابق . - التسرع في الإعلان عن المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين دون اكتمال التصور الذي يؤطرها في جميع تفاصيله , الشيء الذي أدى إلى إحداث ارتباك في عمل هذه المراكز , و خلل بنيوي و إداري يطولها في عملها ؛ تجلى في خلق الحزازت و الضغائن بين الأطر التعليمية التي لم تتخرج من هذه المراكز , و أُقرّت في سلالم لا تلائم الشهادات الجامعية التي حصلت عليها , على نقيض خريجي هذه المراكز الذين تمتعوا سابقا بالسلم العاشر منذ تخرجهم منها , و هذا أدى إلى : حدوث إضرابات شرسة من لدن تنسيقيات باتت تلقى التعاطف و التجاوب , كما هو الحال مع تنسيقية الأساتذة المجازين المقصيين من الترقية بالإجازة . - اعتماد الوزارة على سياسة فجة و مبتذلة تقوم على التشهير بموظفي التعليم , و لعل حادثة نشر لوائح الموظفين الأشباح , و ما شابها من عيوب في نشر بعض الأسماء التي لا تمت إلى الموظفين الأشباح بصلة , و ترك الموظفين الأشباح الحقيقيين يصولون و يجولون بل إسناد مهام جديدة إليهم , كما هو حال بعض النواب و مديري الأكاديميات لدليل قاطع على سياسة الارتجال التي طبعت نهج الوزارة في هذا الجانب , و تجلى هذا أيضا في خرجات الوزير التي رافقها طابع الدعابة و التهكم , كما حصل مع الأستاذة التي منحها نقطة صفر كما تداولت بعض منابر الإعلام ذلك , و أيضا إزدراؤه بتلميذة في قسمها . - وضع مخطط تربوي جديد تمثل كما قلنا في البرنامج الحكومي الذي يقوم العمل المتوسط 2013 2016 بتنزيله , في حين لم تُقيّم نتائج المخطط الاستعجالي , فكيف سيثمر مخطط الوزارة الجديد نتائجه , و نحن لم نعرف البتة حسنات المخطط السابق و مثالبه ؟ - تعامل الوزارة مع بعض مطالب رجال التعليم و نسائه بجفاء و لا مبالاة , بالرغم من نهجها سياسة الحوار و التواصل مع الأطر التعليمية , من بين أمثلة ذلك : الترقية بالشهادة التي صمّت الوزارة آذانها للإصغاء إلى مطالب تنسيقياتها , و اعتبار الترقية بالشهادة غير قانونية , و لا تستند إلى دليل مستساغ , و نهجها سياسة المباراة و الاستحقاق لنيل المناصب , لكن الوزارة تناست في هذا الجانب أن حق الترقية بالشهادة له ما يقويه و يعضده , يتبدى ذلك على الأقل في : ترقية جميع الأفواج السابقة بنفس الوضعية و السياقات و الظروف , ما دامت الشهادة الجامعية تكفل سلما يوازيها في أسلاك التعليم . - اتخاذ قرارات أقرب إلى الطوباوية , مثل : التوقيت المدرسي الذي لا يجد الحجرات الكافية لتطبيقه , أو منع أساتذة العمومي من العمل في الخصوصي دون تمكين أرباب المؤسسات الخصوصية من توفير مواردها البشرية الكافية التي تلقت تكوينا بيداغوجيا لتسند إليها الأقسام . - عدم حل الوزارة لمشكلة المشكلات المتمثلة في : حركة أطر التدريس الانتقالية , فما زال هاجس التحاق الأزواج و أفضلية الأنثى يثير حنق شريحة واسعة من رجال التعليم , علما أن عددا كبيرا من ملتحقي الأزواج لم تلب رغباتهم , و هو في حد ذاته مشكل يتطلب حلولا عاجلة . - عدم وجود مفهوم واضح لاستقلالية المؤسسة , ما دامت الوزارة تمنح مبلغ 50 ألف درهم لجمعيات دعم مدرسة النجاح التي تقوم بصرفها للمؤسسات التعليمية فقط , و هذا في حد ذاته لا يعطي الاستقلالية الكافية للمؤسسات التعليمية , لأن مفهوم الاستقلالية يقتضي إشراك المؤسسات التعليمية في اتخاذ القرارات الكبرى . - تزايد ظاهرة العنف المدرسي التي باتت تخلف أزمات نفسية لدى الأطر التعليمية , و ذلك لغياب مخطط استراتيجي واضح المعالم للحد من هذه الظاهرة الشائنة , و يكفي أن الوزارة اكتفت في ذلك بإعلان مذكرة تؤكد مؤازرتها المعنوية و القانونية لأطرها المتضررة من العنف المدرسي , لكن هذا الإجراء غير كاف في انتظار قرارات جريئة للقطع مع العنف المدرسي . - تفعيل الوزارة لمخططات إرث المخطط الاستعجالي المتمثل في: اليقظة التربوية و أجرأة التتبع الفردي و الدعم البيداغوجي للتلاميذ , لمحاربة ظاهرة التكرار و الانقطاع , و تبقى هذه المخططات نظرية لا تجد موئلا للتطبيق الجاد و الحقيقي ما دام مستوى أغلب تلاميذنا ضعيف غاية الضعف في جميع الأسلاك التعليمية , و من ثم فالوزارة في حاجة إلى تنزيل برنامج أوسع و أشمل مما وضعت . - مشاركة الوزارة في ملتقيات دولية لتقييم المنظومة التعليمية , مثل : ملتقى تيمس و بيرلز , لكن الملاحظ أن الوزارة لم تقدم حد الساعة نتائج تقرير مشاركتها في هذه المتلقيات لتفسير المستوى المتدني لتعليمنا , ثم لماذا تحضر الوزارة أصلا إلى هذه الملتقيات و هي في الأصل موجهة إلى الدول المتقدمة المنتمية إلى منظمة التعاون و التنمية الاقتصادية , و نحن لم نتوفق في المنافسة مع الدول الضعيفة , ثم هل ميزانيتنا تتحمل تكاليف المشاركة في هذه الملتقيات التي تقارب 10 ملايير أورو كما جاء في تقرير جمعية أماكن ؟ - التحكم المطلق و الجبري في الأمور من قبل جهة واحدة , فلا يتحرك شيء في الوزارة مركزيا أو جهويا أو إقليميا إلا بأمر يد واحدة , و يكفي الاطلاع على المراسلات الوزارية للوقوف على حقيقة الأمر . - وجود قصور واضح و جلي في تنزيل الوزارة لمضامين البرنامج الحكومي , كما خلص إلى ذلك تقرير جمعية أماكن , و ذلك راجع إلى عدة أسباب , أهمها : المزاجية , و الاستفراد باتخاذ القرارات . - ما زال هاجس الخصاص المهول في الموارد البشرية ضاربا أطنابه و ما يعقبه من استفحال ظاهرة الاكتظاظ في الأقسام و سوء الخدمات الإدارية , مما يستدعي تكاثف الجهود لسد هذه الثغرة . - ما زال ثمة بطء في إخراج النظام الأساسي الخاص بموظفي التعليم الذي كان سيسد ثغرات النظام السابق . يثبت من كل ما سبق أننا بإزاء اختلالات تطول بنية تعليمنا الذي تعتوره مجموعة من المطبات كي يكون ناجعا و فعالا، و هذا رهين بجلوس الوزارة من برجها العاجي، و إذعانها إلى مطالب الأطر التعليمية الكثيرة، و تبقى أهمها وضعية موظفيها , و إصلاح المناهج و البرامج التعليمية . ذ أشرف سليم، أستاذ مادة اللغة العربية، كاتب مغربي، و باحث في اللسانيات، و مهتم بالشأن التربوي.