تعرف عدة قطاعات بالمغرب اختلالات و مشاكل كبيرة جدا . و من بين هذه القطاعات نذكر قطاع التعليم الخاص الذي يعرف تشجنات و احتقانات بين مالكي المؤسسات و شغيلة هذا القطاع. فهذه الأخيرة تشتكي و باستمرار من عدة نواقص. فإذا أتيحت لك الفرصة و جلست إليهم و لو مرة واحدة تجدهم يتحدثون عن حقوقهم المهضومة في هذا العمل الذي كتب الله لهم أن يكون مصدرا للرزق. يكسبون عن طريقه كسرة الخبز التي تمكنهم من محاربة ألم الجوع في هذا البلد الذي كتب على مواطنيه أن يكونوا نسيا منسيا. في ظل هذه الوضعية المختلة، فإن كل واحد من أطراف القضية يتكلم بلغته الخاصة. فمالك المؤسسة يهتم بالربح أولا، و يركز على خسارة أدنى حد ممكن من المصاريف. بينما الشغيلة تهتم بتسوية الوضعية و تركز على كسب أكبر حد ممكن من الحقوق. و من بين أهم الحقوق المهضومة التي منعت على شغيلة التعليم الخاص، و التي تطفو على السطح، على سبيل المثال في مدينة الفقيه بن صالح، تبرز مسألة الراتب الشهري الذي يمنح لأطر التعليم الخاصة طيلة أشهر السنة ماعدا شهري يوليوز و غشت،اللذان يعتبران عطلة سنوية للتلاميذ. و هما أيضا عطلة سنوية لرواتب الأطر، حيث تمنع عليهم خلال هذه الفترة من السنة. فشغيلة التعليم الخاص هنا مجرد عمال أجرة ، كأنهم يشتغلون بالساعة بانتهاء العمل تنتهي الأجرة. في ضرب صارخ لقيمة أطر التعليم، و لقيمة ما يقومون به من أجل أبناء هذا الوطن. هذا طبعا إذا اعتبرنا أن الراتب الذي يحصلون عليه يرتقي حقا إلى المعنى الحقيقي لهذه الكلمة في قاموس اللغة العربية. فالرواتب هزيلة جدا لا تتعدى في الغالب 1500 درهم. فهل يمكن أن تضمن مثل هذه الرواتب عيشا كريما في ظل الغلاء المتزايد و المستمر للمعيشة؟ و لعل من أخطر الأمور التي تستحق الذكر، تبرز إمكانية الطرد في أي لحظة في حق كل واحد من أسرة التعليم الخاص، و ذلك بناء على رغبة صاحب المؤسسة. فعلى كل عامل داخل المؤسسة أن يؤدي فروض الولاء و الطاعة، و أن يكون راضيا على كل شيء، و أن لا يبدي انزعاجا أو اعتراضا حتى و لو كان على حساب حقوقه. و إذا لم يفعل ذلك فأبواب المؤسسة أوسع من كتفيه. يمكنه الرحيل في أي وقت إذا لم يعجبه الأمر. و هذه الجملة الأخيرة هي التي ترفع في وجه كل شخص تجرأ يوما و تحدث عن حقوقه. فأين هم مفتشو التعليم من هذه اللغة القمعية التي يتم التعامل بها مع شغيلة التعليم الخاص؟ فهل نحن فعلا في دولة الحق و القانون التي تضمن لكل واحد منا حقوقه؟ أم أننا في غابة يأكل فيها القوي الضعيف؟ و إذا قمنا بالإبحار قليلا في بحر المؤسسات التعليمية الخاصة، و بحثنا عن بعض المزايا التي تمنح لأطر هذه المؤسسات. فإن أول شيء يتبادر إلى الذهن هو الضمان الإجتماعي الذي يحرم منه الكثير . و حتى أولئك الذين يحضون بفرصة في الحصول على الضمان الإجتماعي فإن ما يتم التصريح به هو 4 ساعات عمل في يوم و 18 يوم عمل في الشهر. و هذا طبعا لا يمثل الواقع؛ إذ أن عدد ساعات العمل اليومية أكثر و عدد أيام العمل أكبر. أما إذا تحدثنا عن النقل المدرسي فإننا سندخل في موضوع آخر أكثر خطورة لأننا لن نتحدث عن مشاكل السائقين و همومهم، التي لا تختلف عن تلك الخاصة بالأطر التعليمية، بل سنغوص في مشكلة تطال تلاميذ المؤسسات التعليمية الخاصة ألا و هي مشكلة الإكتضاض و الإزدحام التي تعاني منه حافلات النقل المدرسي. هذا الأمر يجعل صحة التلاميذ في خطر كبير. فالحافلة الصغيرة تكون ممتلئة عن آخرها. و لو كان المجال يسمح لوضع التلاميذ فوق الحافلة لتم وضعهم. و تجدر الإشارة إلى أن عدد التلاميذ الذين يركبون هذه الحافلات يكون أكثر بكثير من عدد المقاعد المصرح به لدى شركات التأمين. و من المفارقات، التي نجدها داخل هذه المؤسسات و المنتشرة بكثرة، نذكر الإعتراف بتفوق التلاميذ و بمعدلاتهم و نتائجهم الجيدة دون الإعتراف بمجهودات و أتعاب الأطر و الأعوان. فهم لا يعترفون بتاتا بكل ما يقومون به من مجهودات في العمل حتى يحقق أولئك التلاميذ تلك النتائج ليصبح الإطار التعليمي في هذه الحالة بالنسبة لمالكي المؤسسات كالدجاجة التي تبيض ذهبا. و السؤال الذي سيطرح نفسه : ما الذي فعلته شغيلة التعليم الخاص حتى يستطيعوا الاستمتاع بكامل حقوقهم داخل هذه المؤسسات الناكرة للجميل؟ فإذا واصلنا الحديث على مدينة الفقيه بن صالح التي اتخذناها نموذجا ، فإننا سنرى أن السائقين أسسوا جمعية تحت إسم جمعية السلامة للنقل المدرسي ثم انضووا تحت لواء نقابة الاتحاد الوطني للشغل ، أما الأطر و الأعوان فلهم جمعية النور لأطر و أعوان قطاع التعليم الخاص ، و أسسوا مؤخرا مكتب نقابي تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. و تندرج كل هذه التأسيسات لشغيلة التعليم الخاص في إطار السعي لتشكيل كتلة قوية قادرة على الدفاع عن حقوقها في وجه غطرسة و جشع و طمع مالكي المؤسسات الخاصة . لكن يظل المشكل الكبير الذي يعترض كل هذه المحاولات هو غياب ثقافة الدفاع عن الحق لدى كثير من الأطر الذين لا يريدون الانضمام إلى هذه التكتلات خوفا من الطرد. و هذا طبعا غير مقبول من طرف هذه الفئة التي تعتبر من الفئات المثقفة في المغرب. إذ أنهم يتعاملون بمنطق أن الرزق لا يوجد إلا عند صاحب تلك المؤسسة التي يشتغلون فيها متناسين أن الله هو الرزاق، و أن الله سيكون مع الذين يدافعون عن الحق. أما الذين استسلموا للواقع السيء و للظلم فإنهم سيظلون طيلة حياتهم يعيشون في الذل و في نفس الأوضاع لأنهم هم من رضوا بذلك. هذا الوضع هو الذي يجعل أصحاب المؤسسات يزأرون و يظهرون قوة عضلاتهم أمام كل شغيلة التعليم الخاص و يقولون بفمهم الممتلئ : " اللي ما عجبو حال يمشي بحالو" . إننا هنا لا نريد أن نحاكم مالكي المؤسسات، بل العكس، نريد أن نجعل من جميع الفاعلين في قطاع التعليم الخاص ينعمون بكامل الحقوق و أن يشعروا بالرضى و الإطمئنان، حتى يستطيع الجميع أن يعمل بالشكل المطلوب داخل هذه المؤسسات . فنحن نريد تطور هذا القطاع أملا في الحصول على تلاميذ مجتهدين فهم أمل الغد و أمل المغرب. إننا لا نقبل الضرر لأي طرف سواء مالك المؤسسة أو شغيلتها. و من أجل كل ذلك لابد من الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحضور ممثلين عن وزارة التربية الوطنية و وزارة التشغيل و كل الفاعلين في هذا القطاع الحيوي من أجل الوصول إلى حلول تضمن للجميع الرضى و الراحة النفسية. و لابد للجميع أن يعمل على تطبيق مدونة الشغل التي تظل للأسف حبرا على ورق مثلها مثل كثير من القوانين بالمغرب. و السبب هو غياب الأرضية المناسبة لتطبيق مثل هذه القوانين . فتدخل الحكومة في مثل هذه الملفات بات ضرورة ملحة. فعليها أن تتحرك في أقرب الأوقات و ألا تظل نائمة مثل غيرها من الحكومات السابقة. هشام فكيري [email protected]