المكان: لهري التي تبعد عن مدينة خنيفرة المدشر آنذاك وحاضرة زيان حاليا ب 14 كيلومترا، حل بها القائد موحى أوحمو الزياني في ليل شتاء دافئة. الزمان: الجمعة 13 نونبر 1914 الحدث: وشاية من ابني أخت القائد لقائد المعسكر بخنيفرة الكولونيل "لافيردور"، وتقرير مفصل من العملاء. العدد من الفرسان (الراجلون والراكبون) طمع لافيردور في اختطاف أكبر رئيس للمقاومين بالأطلس المتوسط، وكانت الخطة الانتقال إلى لهري في الثالثة صباحا، والمباغتة ثم الخطف لكن اثنين من أصدقاء إبنه حوسى علما بقدوم الجيش فصرخا صرختهما الأمازيغية التي أيقظت النيام. أسرعت زوجته في خفة هائلة وسرجت حصانه، والثانية ألجمته وفكت رباطه فطار كالبرق. بعد أن أطلق العدو وابل رصاصه فوق المحلة التي سقط فيها ضحايا من النساء والأطفال، أبناء أخ موحى أوحمو بأروكو وأقلال (أولعايدي بنعقى موحى أوعقى معمي بن الحاج حدو) حشدوا قبائل أيت بوهو أيت شارض أيت خويا بعد سماع دوي الانفجار، وهم يعرفون مكامن الختل لشجاعة نادرة فقطعوا عنها خط الرجوع وقصدوا المدافع وفتكوا برجالها وفجأة وجدت الوحدات التي قصفت المحلة نفسها محاطة بجميع القبائل فاختل توازنها. كان معمي ولد الحاج حدو قد أصيب برصاصة أخرجت أمعاءه فقال وهو يحكي ما إن سقطت من على فرسي حتى وجدت أختي أمامي وهي تساعدني على إرجاع أمعائي الخارجة فحاولت إرجاعها بكل جهد بيدها فلم تستطع، فقال لها أحد الجرحى ارفعي رجليه وادفعي الأمعاء بيدك، قال: فصنعت فرجعت الأمعاء وأخذت تخيط البطن بمعية بعض الإخوان وخاطوا بخيط من حرير السبنية التي كانت فوق رأسها، فحملوه وعولج علاج الأمازيغ عن طريق الكي، فما مرت عليه أيام حتى كان على فرسه في معارك أخرى .... وبعد ذلك اختطفت زوجتا القايد وبعض صناديق الذهب والفضة التي جيء بهما من قصره ب"أفلكتور" بعد ساعات التفت القبائل من كل جانب بلهري من أيت إسحاق أيت سخمان أيت سري إشقيرن بني مكيلد ملوية العليا فانقضوا على الجيوش الفرنسية ... الجيش الفرنسي لم يظهر له أثر، الطلقات النارية لازالت تدوي، رعد المدافع يصم الآذان، شيئا فشيئا صوت المدافع يخفت، الساعات تمر وطول الانتظار. انتظر قائد المعسكر الجيش لكن دون جدوى، لا أثر لهم وما يسمع سوى طلقات تفزع ثم تخفت تارة، فيهيمن صمت مرعب ومخيف، لافيردور يكاد يجن، كيف لا وقد فشلت خطته، بفناء الجيش كله، ضباطا وجنودا، وأصبح العسكر يبابا، هذه هي الخسارة الكبرى، والخلاص في الانتحار، وفعلا صوب لافيردور مسدسه نحو رأسه، وأنهي شريط القصة بختم أنفاسه. الخسائر في صفوف المقاومين: ثلاثمائة شهيد، واستشهد أعيان ونحو ألف من الجرحى، ونالت القبائل كلها حظها من الفرح والغنائم، وأصيب العديد من المخلصين للقايد موحى أوحمو أزايي، موحى أولمعطي الاسحاقي صهره زوج أخته شريفة، حدو أو موسى حثاث بن فرجي محمد أوباجي البومزيلي، كانوا أصدقاء محمد أوحمو يركبون حين يركب وينزلون حين ينزل. أما خسائر الجيوش الفرنسية فلم يرجع منهم إلا قلة قليلة، كما ذكر على لسان الجواسيس، 13000 جندي وضابط، يقولون أن الضباط تجاوزوا المائة، كل ما أخرجوه من عتاد لم يرجع منه شيء، ويؤكد هذا قول الضابط سعيد كنون أن خنيفرة لم يبق فيها سوى مدفع واحد ورشاشات . وقد وصف "كيوم" وآخرون المعركة بأنها مأساة مؤلمة وهزيمة تامة، لم يسبق للجيش الفرنسي أن مني بها في شمال إفريقيا، فقد بلغ عدد القتلى 590 جنديا و33 ضابطا و2000 جريح، واستولى المغاربة على جميع الأسلحة (مدافع، رشاشات، بنادق) وكمية كبيرة من الرصاص. يقول كنون: لقد نفذ الهجوم حسب التعليمات وكانت مفاجأة العدو كبيرة، فقد استيقظ الزيانيون تحت وابل من نيران الرشاشات والمدفعية، وفروا مذعورين في جميع الاتجاهات، تاركين لجنودنا متاعهم وثرواتهم ....وفي الوقت الذي كان فيه الجيش يتأهب للانسحاب، بعد نهب المخيم وجمع القطيع والنساء، طلع رد المقاومة الزيانية عنيفا وفي غاية من الانتظام، مستعملة فيه البنادق والخناجر والحراب واتسعت فيه دائرة المقاومة بعد تدخل القبائل المجاورة ...وحوالي الساعة العاشرة صباحا تبين للكواونيل لافيردور أن جميع الجنود قتلوا، فانتحر بضربة مسدس... وبعد معركة لهري، لزم الجيش مكانه ولم يجرؤ على خوض أي معركة، وكان ينتظر التموين واستقطاب جنود من أبي الجعد وواد زم والسماعلة وبني خيران، ويلقي بهم في هاوية الحرب خصوصا عندما يتجاوزون دائرة سيدي لامين ... واستمر القائد متركنا بتاملاكت إلى أن لقي حتفه برصاصة صديقة ودفن بها، (أزلاي أوزمور) وقد طفأت النيران، وندبت الأخاديد وترك هذا أثرا عميقا لدى القبائل لأيام معدودة ... ترى ألا تستحق هذه الموقعة وطوابير شهداء المقاومة المسلحة ذكرى وطنية تؤرخ لشهامة رجال تنكروا لذواتهم وذويهم من أجل تحرير الأرض ومن أجل الكرامة والحرية؟ ألا تستحق هذه الذكرى تكريم سنوي للبواسل الذين تنكر لهم الوطن، والذين كانوا سببا في التعجيل باستقلال المغرب؟ إنها موقعة توازي موقعة الملوك الثلاثة، فيجب التذكير بشهامة مغاربة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي.