في حديقة الحي اختار أن يقرأ قصص محمد زفزاف الجميلة، كان المكانُ هادئا جدًّا، والشمسُ في الأُفُق البعيد تستعد للغروب، ترك أختَهُ الصَّغيرة تلهُو فوقَ الأعشاب بدُميتهَا الشَّقْراء وانغمسَ في قراءَة الكتَاب. ولمْ تَمْض سوَى دَقائق معدودة حتى سمع صوت جسد يرتطم بالأرض مصحوبا بصراخ أخرجه من أحداث قصة قصيرة، رفع بصره إلى موقع الارتطام، فإذا بجسد امرأة على الأرض. أسرعَ إليها تاركا كتابه على المقعد الخشبي، اقترب منها بحذر، نظر إلى عينيها وصاح: سيدتي سيدتي؟ لكن المرأة لا تحرك ساكنا، وجهها مائل إلى الأرض، لقد فقدتْ وعيها بسبب الارتطام القوي بالأرض وصارت جثة هامدة. فكر طويلا وقال لأخته الصغيرة التي تأثرتْ بالمشهد وانخرطت هي الأخرى في التفكير في حل للمشكلة، لو كنت طبيبا يا سارة لأسعفتها لكنني لا املك سوى قنينة ماء وهاتف وكتاب! قالت له وهي تضم دميتها: ضَع الكتابَ تَحْتَ رَأْسها كي تنفس جيدا، واغسل وجهها بالماء لعلها تستيقظ، لكن قبل ذلك اتصل من هاتفك بالإسعاف. أجابها وهو ينظر إلى وجهها الصغير: كم أنت ذكية يا سارة! اتَّصَلَ بالإسعاف وركض في اتجاه المقعد ليُحْضرَ الكتاب، فلما عاد وجد الصغيرةَ قدْ وضعتْ دُمْيتَهَا تحت رأس المرأة، وقف يتأملها وهي تُمرر أصَابعها الصَّغيرة على جبينها بلطف، وما هي إلا دقائق مَعْدودة حتى حُملَت المرأة المسْكينةُ إلى المستشفى الذي يَبْعُدُ امتاراً قليلة عَن الحديقة. ضَمَّ الصَّغيرةَ إلى صَدْره وهُوَ يقولُ : كمْ أنت ذكية يا سَارة! كَمْ أنت ذكية! وعادا إلى المنزل فَرحَيْن.