اليوم يتأكد لي بالملموس زيف الشعارات الرنانة التي تتشدق بها دولتنا متى سنحت لها الفرصة في كل المحافل والمناسبات.. دولة تعتبر نفسها دولة مؤسسات وقانون وحقوق. فإثر تغطية اليوم الثاني من مسيرة تحقيق الكرامة التي خرجت من مدينة الهامش خنيفرة مُمثِّلة لكل مغاربة المغرب الغير النافع كما يحلو للمخزن أن يراه على الدوام.. هذا اليوم كشر جهاز الأمن عن أنيابه واستعرض عضلاته على مواطنين بسطاء همهم تبليغ مطالب ضد الإقصاء والفقر والهشاشة، بعدما انسدت كل أبواب الاستجابة عند سلطات (القرب).. اليوم يُؤكد المخزن ساديته التي سادت زمن سنوات الجمر والرصاص التي قالوا عنها عقب جبر الضرر أنها ولت بدون رجعة. اليوم يحقق جهاز الأمن المخزني انتصارا دانكيشوتيا، ليس على الطواحن الهوائية مثل بطل الرواية، وإنما على أناس مُسالمين لا يتجاوز عددهم الأربعة والعشرون، وجيّش لهم أضعافهم بكل العدة والعتاد. شكّل الأمن البوليسي والقوات العمومية حزاما أمنيا على الطريق الثانوية المؤدية إلى مكناس على مستوى دوار احساين قبالة ثانوية أم الربيع، وبينما اقتربت المسيرة بشعارتها المعهودة من الحزام، انقضوا على الشباب والنساء بالضرب والرفس بدون رحمة، رغم أنه لا مقاومة ولا رد فعل من قبل المحتجِّين، لكن الغريب في هذه السادية اللاّمنتهية أنهم التجئوا إليّ وأنا أوثق عملهم اللاّمسؤول وانتزعوا مني المصورة بمنتهى العنف رغم أنني كنت أشهر بطاقتي الصحفية لكنهم تمادوا في الضرب وتفتيش جيوبي بشكل هستيري لم أره من قبل، ثم جروني بوحشية وسب وشتم، وضمّوني إلى أربعة من معتقلين آخرين كانوا في السيارة.. وبعدما انتهوا من معركتهم احتجزونا في سيارتهم (اسطافيط) مدة تزيد عن نصف ساعة، وعلى إثر مكالمة من إدارة موقع "خنيفرة أون لاين" لم يتسنى لي إتمام مكالمتي حيث انقضوا علي ونزعوا مني الهاتف، ولما كنت أحتج عن سبب اعتقالي الباطل وطلبت من الباشا التدخل في النازلة امتطى أحد كوادر الأمن السيارة وبدأ يرمي بألفاظه أنكم بلطجية "وخاصكم ترباو" ولما قلت أنه من المفروض احترام الإعلاميين وتسهيل مامورية واجبهم نزع مني أحدهم البطاقة الصحفية وأنهم علي الثاني بلكمة على وجهي أمام أعين المعتقلين وزملائه الأمنيين، ثم نزلوا من السيارة وتركونا في حراسة اثنين من الشرطة بالزي المدني. بعد أخذ ورد وارتباك ومشاجرات بين مختلف رتب الأمن فيما بينهم... تقرر أخيرا حمل المعتقلين الأثني عشر إلى خنيفرة. في مخفر الشرطة مارسوا على المعتقلين استنطاقا ليس على مضمون الاعتقال ولكنهم كانوا يأخذون سيرة الشخص وطلب معلومات عن ذويه الأباء والأبناء والإخوة وأسئلة عن الإخوة ومكان تواجدهم... والأمر الذي استغربت له أنهم يكتبون يافطة باسم ورقم بطاقة المعتقل ويأخذون له صورتين الأولى أمامية والثانية جانبية حتى خُيّل لي أننا في كوانتانامو. لما انتهوا من المحضر الخاص بي طلبوا مني بكل إصرار فتح الهاتف الذي أغلقه كالعادة بكود... وأمام إصرارهم نزعت الكود واطلعوا بكل وقاحة على بياناتي الشخصية، أما المصورة فقد أفرغوها من كل الصور والفيديوهات التي صورتها القديمة والجديدة (formatage). عند الثالثة بعد الزوال بدأ إطلاق سراح كل من انتهى من المحضر واحدا واحدا فيما استقبلنا المواطنون وبعض الحقوقيون خارج المخفر. وكان يوما أبيض في بطولات الأمن البلطجي. من هذا المنبر أحيي كل الإطارات الإعلامية والحقوقية وكل ذوي الضمائر الحية سواء الذين استقبلونا أو الذين هاتفونا وعذرا لمن لم أجبه لأنه لحد الآن لم أتوقف من الرد عن المكالمات.