الشهادة التالية للفتاة "كلثوم أبو المصالح" سيرة أخرى من سير يوم السبت الأسود (7 – يونيو 2008) الذي عاشته ساكنة "سيدي إفني".. حيث يمكن الوقوف على جزئيات أخرى من الفظاعات التي اقترفها رجال "المخزن الجديد" في بداية الألفية الثالثة. "" أستسمج القارئ الحصيف (و لا شأن لي بحثالة المتلقين) في الرد على ملاحظة بدرت من بعض الزملاء الذي قالوا، بعد اطلاعهم على شهادة الفتاة "مريم أوتموحين" أنه كان عليَّ أن "أعالجها" من تلك البذاءات البشعة، أي ذلك السيل الباذخ من الشتائم، التي لا تبدر إلا من سفلة الناس، وأكثرهم وضاعة، وانحطاطا، وكأن الشتائم إياها هي من "إبداع" صاحبتها أو الصحافي الذي نقلها، وليس رجال "الأمن" الذين تكفلوا بإيصال "رسالة بليغة" إلى آل آيت باعمران وباقي المغاربة، وهي: "لي دوا نخليو ليه دار بوه".. وأضافوا بطبيعة الحال "توابلهم" العطنة "المدروسة". إليكم الشهادة الثانية من يوم السبت الأسود بسيدي إيفني، كما نقلتها من صاحبتها "كلثوم أبو المصالح" (الصورة) وستليها شهادات أخرى تباعا، كما نُشرت في العدد 172 من أسبوعية "المشعل". "اضرب بنات لقحاب.. اضرب بنات لقحاب".. "كنت خارجة صباح يوم السبت (7 يونيو الجاري) لإحضار لوازم الإفطار، في تلك اللحظة، رأيتُ رجال البوليس الذين يرتدون الملابس الزرقاء، كانوا يقولون لصاحب الدكان "سربي سد اجمع علينا هاد البوطات أوسد الحانوت ولاغادي نحيدوهوم من هنا" عُدتُ حينها للبيت لأتزود بمزيد من النقود، لشراء لوازم غذائية أخرى حتى لا يتسبب إقفال الدكاكين في خصاص لنا، غير أن والدتي طلبت منا أنا وأختي الصغرى، الذهاب لإقفال حمام في ملكيتنا، خشية رد فعل البوليس، كانت الساعة حينها تشير إلى السادسة صباحا، وفي إحدى اللحظات رأينا شابا يجري لاهثا، توجه إلي قائلا: "أختي غادي نسخف" فأجبته: "اهرب للبرندية باش ما يشدوكش" لاحظتُ في تلك اللحظة أن "أجودان" رجال الدرك كان ينظر إليَ من مكان مرتفع فوق أحد السطوح، وفي لحظة خاطفة جاءت سيارة شرطة من نوع "اسطافيط" كنا ثلاثة نساء في زقاق الحي، ننظر إلى ما يحدث مستغربين، فتوقفت السيارة المذكورة بمحاذاتنا، ثم توجه إليَ أربعة من رجال الشرطة نحونا، وألقوا القبض علي كُنتُ أصرخ: "آش درت آش درت؟" لكنهم لم يكونوا يلتفتون إلى كلامي، حاولت أختي والمرأتان إقناعهم بأنني لم أرم بحجر ولم أصرخ، كما كان هناك طبيب عسكري يسكن بالجوار واقفا يعاين ما يحدث، قال لهم: "آش دارت هاديك؟ إنها (يقصدني) لم تفعل شيئا" المهم أنهم حملوني ورموني في "اسطافيط" فكان أن سقطت نظارتي بالقرب من منزل الدكتور الذي ذكرتُ فالتقطهم. ثم أقلعت السيارة، ليأخذوا أيضا شابا آخر كان واضحا أنه تم إيقاظه للتو من نومه. إنه شاب أعرفه يسكن بجوارنا ونلقبه في الحي ب "النمرود".. وحينما بدر مني ما يدل على معرفتي بالشاب قال رجل شرطة لي: "راك كاتعرفي الدراري على هاد لحساب راكي كاتحرشيهوم، أوكاتكَولي ليهوم يهربوا. بغيتي ولاد بلادك يضربونا ويهربو ياك؟" بمجرد ما أوصلونا إلى الكوميسارية بدأ حمام من الضرب ينزل على رؤوسنا، من حيث لا ندري، وفي كل أجزاء الجسم، كانوا يضربوننا بالعصي وأيديهم وأرجلهم، وهم يصرخون في وجوهنا: "آبنات لقحاب آولاد السبليون آتريكت السبليون" لم أرد عليهم. "هاذي فيها لعروق ديال آيت باعمران دابا نقلعوهوم لدين امها" كانت وجنتاي قد ازرقتا من فرط الضرب، كما تكسر القرط الذي كنتُ أضعه في أذناي، ولم أعرف أين ضاع مني ومن أخذه، أما السلسلة "الكوليي" الذهبية، الذي كنت أضعه على عنقي فقد عمد أحد رجال الشرطة إلى نزعه بعنف من حول عنقي، حتى شعرت بألم مُبرح، ووضعه في جيبه. هذا بينما الضربات تنزل علينا مرفوقة بالشتائم النابية، كنت أسمع باستمرار هذه العبارة: "اضرب بنات لقحاب.. اضرب بنات لقحاب".. وحينما جاء دوري بعد فتيات قبلي في تسجيل المعلومات الشخصية، سألني شرطي عن اسمي وحينما نطقتُ بلقبي العائلي، أبو المصالح قال لي: "فين جات دين موك المصالح؟" وحينما أخبرته عن محل ازديادي، أي سيدي إفني علق أيضا متوجها إلى زملائه: "هاذي دين امها فيها لعروق ديال آيت باعمران دابا نقلعوهوم لدين امها". كان الضرب مستمرا. وحينما سقطت مِلْحفتِي عن جسدي أخذوها مني، كما أن الكسوة التي كنت أرتديها تمزَّقت، حيث أصبح صدري عاريا إلا من حمالة الصدر والتبان، أمام باقي المعتقلين ومعظمهم شباب، وأخذوا يدفعونني نحو غرفة أخرى، وتوجهوا إلي قائلين "حيدي حوايجك" فامتنعتُ وأخذوا يضربونني بعنف أكثر.. وأمام إصراري تخلوا عني. وشاهدتُ حينها ما كانوا يفعلونه بإحدى الفتيات، حيث نزعوا عنها القميص (بودي) وسروال من نوع الدجين، وكانوا يضربونها وهي عارية كما ولدتها أمها، بينما كانت هي تتخبط مثل الذبيحة، وبعدما دخل شرطي أعرفه يعمل في مدينة إفني، حيث كنتُ أراه دائما عند باب الكوميسارية، وأستطيع التعرف عليه، نظر إلي ثم بصق على وجهي، وعندما لاحظ تعنتي في عدم تركهم ينزعون حمالة صدري وتباني، أطلق علي تلك الوحوش المرتدية لبذل زرقاء، فأخذوا يدوسون على جسدي بأقدامهم بينما كان هو يقول: "دين مها فيها العروق ديال آيت باعمران." "غادي تباتو الليلة بين يدينا" كنا نحو عشرات من الفتيات العاريات كما ولدتنا أمهاتنا، بينما كانوا هم يضربوننا بالعصي ويركلوننا، كيفما اتفق ويدوسون على أجسادنا بأحذيتهم. لقد شاهدتُ رجال شرطة يسوقون فتيات إلى حيث لا أعلم عاريات، ثم تعدن بعد لحظات. إحداهن عادت في حالة يُرثى لها، إنني أعرفها اسمها "ف.ز".. هي أيضا كانت قد قالت لي بأنها تعرفني، أخذت تلبس ثيابها، لكنها نسيت أن ترتدي التبان قبل ذلك، فكان أن لبست سروالها مباشرة، بعد ذلك أقفلوا علينا نحن أربعة فتيات في مرحاض، وكانت معنا طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها نحو تسع سنوات، واستمر صراخ الفتيات. كنت أكبرهن سنا، لذا حاولتُ أن أُطمئنهن بالقول أننا سنخرج من ذلك المكان قبل الساعة السادسة، وحينما أخرجونا كانت هناك فتاة تنزف دما بغزارة من فمها، وذلك بعدما أخذها شرطي من شعرها وهي عارية، ثم ضرب بوجهها الأرض، حيث اصطدم فمها بقوة بالأرض، فقالت لي باكية: "ناري سناني مشاو".. لاحظتُ أيضا أن نفس الفتاة لم تستطع الجلوس بعدما ارتدت ثيابها.. كانت تشكو من ألم مبرح في مؤخرتها. كانت الساعة حينها تشير إلى نحو الساعة الحادية عشرة صباحا، حينما رمى أحد رجال الشرطة نحونا "بطانية" من ذلك النوع الأسود المعروف وقال لنا "هاكو وقفوا عليها".. وعندما سمع أحد رجال الشرطة فتاة تقول لإحدى الفتيات: "واش غادي يخليونا هنا حتى لليل؟" أجابها ساخرا: "غادي تباتو الليلة بين يدينا". كانت الفتيات خائفات، وتبكين بغزارة، كنت الوحيدة التي لم أبكِ، حاولت طمأنة باقي الفتيات.. لم أبكِ لأنني شعرت بتحجر دموعي من كثرة اللطم والضرب الذي تلقيته على وجهي. وفي إحدى اللحظات سمعتُ أحد رجال الشرطة يقول في الهاتف: "تعام آسيدي.. هاهوما خارجين دابا". خرجنا في نحو الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا.. غير أن شرطيا نادانا قائلا: "رجعو.. رجعو" ثم أضاف "شوفو هاذ شي لي وقع يبقى هنا".