إذا خيرت مواطنا مغربيا ما إذا كان يرغب في زيارة إدارة هل سيختار إدارة تربوية على غرار نيابة التعليم أم إدارة أمنية أو إدارة من إدارات وزارة الداخلية أو إدارة أخرى.... أكيد ان تمثلاته النابعة من الحس المشترك الذي ساهمت ظروف عديدة و تاريخية في بنائه(و الأمر يتعلق حتى بأصحاب المستويات التعليمية العالية) قد تجعله يختار الإدارة التربوبة و قد ينزِّهها من كل عيوب عانت منها العقلية الإدارية لزمن توالت المجهودات عبر السنين لتجاوزها. قد يحمل هذا المواطن في مخياله الاجتماعي هذا الوصم الذي يلخص الإدارة في الشطط و المماطلة و التسويف و تعطيل قضاء الحاجة... في حق كل إدارة إلا الإدارة التربوية التي يتعلق اسمها بمجال التربية على القيم النبيلة التي يحاول الجميع بقيادة المدرسة ترسيخها و الامتثال لها. لكن التجربة بمدينة إفران بينت واقعا يفند هذا الحس المشترك المترسخ في الذهنية فعكس رغبتك في ولوج إدارة تربوية و لو كنت من أهل الدار قد ترغب في زيارة إدارة اخرى كما وقع معنا من خلال تجربة بدروس بين نيابة التعليم و باشوية مدينة إفران. لم أكن أتوقع أن زيارة نيابة التعليم التي أنتمي إليها، قد تنتهي بي إلى اتخاذ قرار سنعدل عليه لا محال بعد هذه الدروس المهمة، و هو أنه كلما كانت لي حاجة بها أو مظلمة سأحاول جاهدا السماح في حقي لألا أُعرض كرامتي للإهانة جراء الإنتظار والنظرات المنتقصة من قدرنا و سوء المعاملة، وذلك بعد تجربة كنت مضطرا معها للإقامة الاجبارية بهذه النيابة خلال أوقات العمل لمدة أسبوع منذ يوم الخميس الماضي 03/07/2014 الى حدود الخميس الموالي. ومن المؤسف و المفرح في آن أن تكون نهاية هذه الإقامة الإجبارية ليس بتصحيح تمثلاتي بخصوص هذه الإدارة فقط بل بأمور أخرى و ذلك لسببين: ü اذ ان رجال أمن بوابة النيابة" رجال السيكيريتي" طيلة أيام الإقامة الإجبارية ببساطتهم و نظراتهم الإنسانية و التي توحي لي أنهم يشفقون لحالي و أنا أتحدى بانتظاري و إصراري تلك العقلية التي تحاول مقاومة التغيير و تحاول تحنيط الممارسة الإدارية في نماذج من الفعل و القول ربما قد اجمعنا على تجاوزها منذ المصالحة مع ذاتنا بجميع أبعادها و تاريخها، و ربما لو كان بيدهم حيلة لأكرموا أستاذا لم ينفض بعد غبار مسالك فرعيته من على ملابسه،و لم تبارحه آلام الرأس التي تسببها نوع جديد من الأقسام المشتركة التي برعت النيابة في صنعها خلال هذا الموسم في حين قضى فيه العديد من الأساتذة سنة كموظفين أشباح، ليسلموه أوراقه و يرسلوه ليرتاح من كل ما كابده طيلة الموسم مع أبنائنا في مناطق منسية لا نافذة لها على العالم الا المدرسة، لكنهم لا يقوون على ذلك، نظراتهم و تعاملهم كانت عكس بعض من يسمون انفسهم رجال التربية و التكوين المكلفين بالإدارة، الذين لازالت مشاهد الانتظار الطويل بالنيابة لا تحز في نفوسهم، و يتصرفون و كأن الامر من باب التطاول، بعضهم إن أردت الحديث معه فلابد لك ان تبتسم و تتجرع مرارة عدم رده للسلام، أوإن تم رده عليك فبطريقة توحي انك في المكان و الزمان الخاطئين ، سلوكات قد تجعلك ترتبك في اختيار المفردات لنسج أريج كلماتي عله يظهر ابتسامة التربوي الإداري و تحاول ان تنتظم حركاتك كي لا تقلقهم بوقفتك الغير المنتظمة، و لكن ما عساهم يفعلون إذا كان صاحب البيت للدف ضاربا؟ ü بعد انتظار طويل للحصول على وثيقة مستعجلة و مصيرية دام لمدة اسبوع حتى آخر يوم قبل آخر أجل لإيداع هذا الطلب قصد المشاركة في مباراة بناء على مذكرة وزارية، و بعد محاولة استفسار النائب الاقليمي في منتصف هذه المدة ( يوم الاثنين 07/07/2014) ما إذا كان يعرف أن مراسلتنا بإدارته منذ أيام،سيجيب بتعال أن الوثيقة على مكتبه و أن لديه أولويات مهمة ليس له الوقت معها لتوقيعها، و بعد تذكيره أننا من أولوياته أيضا و عليه تشجيعنا علّ الأساتذة بالإقليم الذي يديره يحققون نتائج قد تبين مدى الكفاءات المتوفرة بالنيابة التي يدير شؤونها، ستكون المفاجأة و سيعتبر ذلك تطاولا على شخصه و سينعتنا "بمامربيش" لكوننا نضيع وقته الثمين على موضوع تافه مع العلم أنني طيلة هذه الإقامة الإجبارية لم أراه يدخل إلا متأخرا عن الوقت القانوني و كأننا في مرفق عمومي تنظمه قوانين لا تنظم أوقات الدخول و الخروج، لننسحب بخيبة أمل و جرح عميق في نفسية المعلم المربي. لنعود يوم الأربعاء على أمل أن نجد البعد الانساني قد استيقظ بهذه الإدارة و الرد على الأقل بالإيجاب او السلب لوقف هذا المسلسل ألانتظاري، إلا ان رئيس مصلحة سيفاجئنا بخبر/حيلة جديدة و هي ان النائب سيعين لجنة ستبث في الطلبات و الغريب انه لا يفصلنا إلا يومان عن اخر اجل لإيداع ملفات الترشح لاجتياز المباراة ( يوم الجمعة 11/07/2014) ، هنا سنقرر انه لانتزاع حق معلم يعلم النشء معنى الحق و الواجب فمن الضروري تجسيد شكل نضالي امام مقر النيابة ضد هذا التصلب الإداري. و هكذا كان لزاما علينا وفق القوانين المعمول بها الاتصال بالسلطات المحلية بباشوية مدينة إفران الهادئة بخصوص الإخبار القانوني بزمكانية الشكل الاحتجاجي، لتتناسل و نحن في الطريق العديد من الأسئلة الى مخيلتي من قبيل ما إذا كان التعامل بالإدارة التربوية بهذا التقليد فما عساي أن أجد بالباشوية؟ و لكن و منذ وصولنا الى مكتب السكرتيرة التي استقبلتني مشكورة بمهنية أحسسنا معها باسترجاع كرامتنا كإنسان، لتصطحبنا بعد ذلك الى خليفة القائد الذي استرجعنا معه من خلال طريقة كلامه معنا كرامة الأستاذ، وبعد سماعه لقصة إقامتنا الاجبارية بإمعان و احترام شديدين سيستأذن للاتصال برئيسه القائد الذي وصفه بالدكتور ليتصل هو الآخر بالنيابة التي طلبت منه ان أعود لأحصل على وثيقتي، سينهي المكالمة و سينتهي معها انتظاري في مدة تقل عن 10 دقائق استغلت فيها وسائل الاتصال الحديثة احسن استغلال لقضاء حاجة مواطن ، ليطلب مني محاوري السيد خليفة القائد ان أعود الى النيابة و لا داعي أن أجسد الشكل الاحتجاجي لأننا في رمضان و الاستاذ يستحق كل تقدير نظرا للمجهودات التي يبذلها. سنوقف روايتنا هذه عند هذا الحد لكونها ليست غاية في حد ذاتها بقدر ما هي عنوان لدروس و نتوقف عند هذا التعامل من طرف موظفي هذه الإدارة تعامل كان مفندا لما ترسخ في مخيالنا الاجتماعي بخصوص هذه المفارقة العجيبة بين الإدارتين متمنين أن يصبح تقليدا راسخا بهذا المرافق العمومية، كما كان بالنسبة لنا تجاوزا لبعض الاسئلة بخصوص التعامل الذي أحسسنا معه بدون مبالغة بكرامتنا و ذلك من قبيل ما إذا كان هذا التعامل بدافع عقلية جديدة بهذه الإدارة أو بدافع أمني فالأمر غير مهم لأن تصريف النوايا على مستوى السلوك هو المهم، و سلوك الموظفين بهذه الادارة كان حافظا لكرامتنا و منهيا لانتظارنا هذه المرة. هكذا و نحن من رجال التربية و التكوين ستطاردنا أسئلة استشكالية أخرى أعمق ستثقل جسدنا المنهك جراء تحمل المسؤولية بقطاع تلتبس فيه المسؤوليات ليس بسبب معاملة الادارة التربوية لنا و لكنها اسئلة بخصوص هذا القطاع الذي تتوالى علينا خيباته من قبيل: ü ان كنت من جنود هذه الإدارة التربوية كيف أتقبل أن إدارات أخرى أرقى منها في التعامل مع المواطن، وأين مرجعياتها النظرية و الفلسفية و الأخلاقية و البيداغوجية ...التي تتمحور حول مسلمة أساسية و هي جعل المواطن في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل... و لماذا هذا التناقض الملزوم بين السهر على تعليم القاعدة و الاصرار على خرقها من طرف الإدارة المسؤولة على التربية؟ ü إن كان هذا ما حصل معي فماذا قد يحصل مع أحد آباء تلامذتي المحترمين و الذين لم يسعفهم الحظ لولوج المدرسة لو حاولوا زيارة هذه الإدارة بجلابيبهم الموقرة فكيف يمكن تخيل طريقة التعامل معهم من طرف أصحاب رابطات العنق الذين لازالت الخطاطة الثقافية لمفهوم السلطة التقليدية تعشش في أذهانهم؟ ü كيف لمسؤول لا يتحاور و يتواصل مع الجميع أن يستمع لواقع و نبض المدرسة، فعوض ان يبحث عن أخبار المدرسة في الجبال قد يستغل الفرصة بحضور كل أستاذ لمناقشته عن الواقع، وعن الكائن و الممكن في مدرستنا و التي يستوجب وضعها بالإجماع نقاشا و همّا لا يجب أن يتوقفا. ü كيف لمسؤول قائد يخوض حربا ضد الجهل و الأمية من أجل إعداد نشء يواجه إكراهات سياق اللحظة الحضارية الراهنة، والسير نحو المستقبل بخطى ثابتة تستوجب إعداد الرأسمال البشري في جميع ربوع البلاد أن لا يفرح كلما سنحت له الفرصة لقاء أحد جنوده الميدانيين ليربت على كتفه و يشجعه و يحسسه بالمسؤولية و يحثه على تجديد نشاطه، قصد حسم المعركة لصالح البلاد التي أرهقها التفكير و الامتعاض بسبب وضع مدرسنا العليلة. ü أليست القيادة التربوية من الأولويات التي يجب الانكباب عليها جديا لجعلها حكيمة تضمن انخراط و فعالية الكل للنهوض بمدرستنا. لابد انها دروس يتوجب علينا أخذها من خلال هذه الإقامة الإجبارية لمدة أسبوع في انتظار وثيقة مستعجلة ستفرض علينا إعادة تنظيم أفكارنا، و ذلك لكوننا ننتمي الى فئة لابد ان تقوم بدورها لأنها مسؤولة وتمثل سلطة تربوية أخلاقية و التي لا يمكن ان تكون إلا عقلانية، و لا تعرف معنى الشطط او جنون العظمة لأنها من المجتمع و الى المجتمع، و لا يمكن للخطاطة الثقافية التسلطية ان تتحكم فيها كما باقي السلط، هذه السلطة التي رفض السيد النائب الاعتراف بها ذات مرة في نقاشنا معه و الرد عنها بكون المعلم ( بدافع الانتقاص) لا يتوجب عليه ان يتصل بالنيابة إلا اذا كان تنقصه الطبشورة متناسيا ان التسمية قد تم تجاوزها نظرا للحمولة النضالية التاريخية التي رسخها هذا العنوان في الأذهان، انها السلطة التي لابد ان تأخذ مكانتها لخلق التوازن بين جميع السلط الأخرى داخل المجتمع .هكذا لن نجد مثل هذه العقلية الإدارية و سوف نقطع مع سلوك الاستمتاع بمماطلة المواطن مستقبلا. درس آخر لابد ان نشكر عليه النائب الاقليمي الذي لم يوافق في الأخير على اجتيازنا لمباراة الادارة التربوية بدافع انتقامي (و هو بداية قصة جديدة مع هذه الادارة) والذي تعود تفاصيله بالمناسبة الى مرة حاولنا فيها ممارسة هذه السلطة التربوية في مساءلته بخصوص تدبيره الذي يتنافى مع مبادئها العقلانية ، لأننا سنكون متأكدين أننا باقون لمدة نتمنى ان تكون طيلة من مشوارنا المهني بقناعة راسخة و بمسؤولية جسيمة في القسم لأنه الموقع الأنسب الذي سنحارب منه كل العقليات التي قد تمس كرامة إنسان كيفما كان و نساهم بقدر المستطاع في تغيير مدرستنا الوطنية عوض محاولتنا الولوج لإطار الادارة حاليا و التي أخافنا جنون العظمة الذي تذكيه في نفوس بعض الرجال الذين كانوا تربويين قبل ذلك. تلك دروس وغيرها كثير تعلمها معلم كان في ضيافة النيابة الاقليمية لقطاع يسمى بالتربوي.