حضيت المرأة الأمازيغية بتقدير كبير في المجتمع الأمازيغي في العصور القديمة فإليها يتم الانتساب"يما" "أوما" "أولما" وهي نواة الأسرة المركزية وعمدتها لأن النظام الإجتماعي كان يتخذ خطا أموميا وقد احتفظت اللغة الأمازيغية حاليا ببعض بصمات وآثار هدا التقدير ف "تامغارت" تعني كبيرة القوم ومذكرها أمغار وهو رئيس القبيلة وقد جعل تاريخ شمال إفريقيا شواهد وأعلام نسائية يتبوأن مكانة عالية في المجتمع ولعبن دورا تاريخيا وسياسيا لم تعهده بقية الحضارات القديمة فمنهن من لمع نجمها في السياسة ومنهن من برزت في المقاومة ومنهن من بزغن في سماء الفن، فحديثي اليوم عن امرأة تحمل اسما من الأسماء الخالدة في المجال الفني إنها المرحومة يامنة ن عزيز وكما يروى لا يكرمهن إلا الكريم ولا يهينهن إلا لئيم، ولدت المرحومة يامنة ن عزيز سنة 1930 بقبيلة بأيت لحسن كهف النسور خنيفرة، ولقد لقبت ب تاوفرسيت وهو لقب مؤنث استنادا إلى لقب أبيها المعروف ب أفرسي، ويعني المقاوم الذي كان يبطش بجنود المستعمر الغاشم، بدأت مشوارها الفني أوائل الخمسينات رفقة زمرة مشهورة من الفنانين، نخص بالذكر المرحوم احماد نمينة الذي كانت تتراشق معه بالشعر تموايت"الماية"، والمرحوم حمو اليازيد والفنان الغازي بناصر والباشير وموحا اوموزون رحمه الله، امتازت المرحومة يامنة ن عزيز بحنجرة ذهبية وصوت قوي وشجي ودافئ وستبقى تماوجاتها الصوتية خالدة، والدليل على ذلك عجز كل من تقلدها ذكورا وإناثا أن يصلوا إلى ذروة صوت المرحومة، ولعل في هذا السر ما بلغته يامنة ن عزيز في الماية من شأو وما سمت إليه من مكانة لم يبلغها أحد من قبل ولا يبلغها أحد من بعد إلا أن يشاء الله، فجمال الصوت موهبة لم يمن بها الخالق على يامنة وحدها دون سائر الناس اليوم ومن قبل، وقواعد الموسيقى مبذولة لكل من يريد أن يتعلم اللحن وأصول الأداء كذلك، ولكن كل ذلك لا يعدو كونه الحرف الميت، أما الروح المحيي الكفيل بأن يضفي على كل ذلك روعة وجمال روعة الجمال الحق فهو الذي نفخته يامنة في كل ما غنت فارتفعت إلى المقامات العلا حيث عجز الآخرون، غنت للوطن وغنت للحب، غنت من القلب وللقلب، غنت للتاريخ وبقيت خالدة خلوده، ولقد استطعت أن توظف الأسطورة في مايتها الشهيرة (آذروخ إيوا رو إيوا كاخ ثين إيجظاظ أيا سمون قاري يعقوب آلث قارخ ) وتحيل الصورة إلى أسطورة تستعيد حكايات الخلق الأولى، حيث تحكي الأسطورة أنه في أزمنة غابرة كان لامرأة صالحة طفلان أحدهما يحمل اسم يعقوب والثاني اسم إسحاق، وكان أن كلفتهما أمهما ذات يوم ليحملا بعض جودها من الطعام إلى إحدى جاراتها غير بعيد من مقامها، وانطلق الطفلان في الطريق، وأغرتهما تلقائيتهما الصغيرة أن يعبثا بالطعام، وأفسداه، ليعودا إلى والدتهما يشكوان أمرهما ويلتمسان صفحها، ولكنها قست في حقهما، ودعت عليهما بأن يجعلهما الله في غصن واحد ولا يرى أي منهما الآخر، أو يسمعه حين يناديه، واستجاب الرب لدعوة المرأة الصالحة، ومسخ الطفلان طائرين يقعان معا وأبدا على غصن واحد وكل منهما ينادي أخاه، ولكن لا أحد منهما يسمع الآخر أو يراه. وهي صورة على ما يبدو تحمل معاني عميقة تجسد رؤية ممعنة في التعبير عن الاغتراب الوجودي الذي يعصف بالوجود، ويفرغه من جدواه وإيقاعه الفعلي والإيجابي. وكذلك يقال أن توفرسيت رأت شابا يهيئ فرسه للرحيل وقد علمت بأن هناك جنود فرنسيين يتربصون بيه وينوون الإساءة إليه فقالت له"زايد كوعديل إيوحدادينش أوان يوين أبريد كولان يمعيدان نقانش" بمعنى أكثر العلف لفرسك يا ذاك الذي يستعد للرحيل، لقد أقسم الأعداء على أن يفتكوا بك. فإذا كان من الجائز والمقبول اختصار الحديث عن يامنة ن عزيز في صفحات قلت وكثرت، فإنه من غير الجائز اختصار مجد بنته وشهرة أسستها، لأن المجد والشهرة هما من صنع التاريخ الفني الذي يتوج باسم توفرسيت، صوت من تاريخ خلاصة القول أن المرأة نهر الأنوثة المتدفقة بالحس و الوجدان، ينبوع قيم المحافظة على أسمى معاني الاحترام والترابط الإنساني العميق. توفيت رحمها الله يوم الثلاثاء 3دجنبر 2008 ، إنني مهما كتبت ومهما بكيت يامنة ن عزيز ستبقى على مذى الأعوام أكبر من أي مقال وأغلى من أية دموع، فهي هيبة سماوية لن تجود بمثلها الأيام إلا بمعجزة إلهية.