يعتبر يوم 29 أكتوبر من كل سنة يوما تاريخيا على المستوى الوطني والعالمي ،لأنه اليوم الذي نفذت فيه الصهيونية خطتها الإجرامية لإسكات صوت المناضل ألأممي المهدي بنبركة ، باختطافه من مقهى ليب ببارز على يد عملائها في المغرب، أفقير و ادليمي و من معهم، وفي مقدمتهم النظام المغربي.وحينما نحيي ذكرى اختطافه من كل سنة فإنما نريد أن نؤكد للعالم بأن المهدي لم يمت كفكر وكحركة ثورية عالمية وأيضا كمدرسة للديمقراطية و كمدرسة للفكر العلمي . بهذه المناسبة نقف عند الوضع السياسي الراهن بعد 45 سنة من اختطاف المهدي بنبركة من خلال المداخل التالية: 1) المميزات السياسية للمرحلة 2) الأداء الحكومي و متطلبات المواطن 3) المغرب وتحديات العولمة 4) اليسار وكبوة التحالفات 1 المميزات السياسية للمرحلة الراهنة: تقوم الآلة المخزنية في هذه المرحلة بإعادة ترتيب المشهد السياسي ،استعدادا لسنة 2012 سنة الانتخابات البرلمانية وتجديد ثلث مجلس المستشارين،في سياق يضمن التبعية الاقتصادية و السياسية لدول المحور الإمبريالي الصهيوني، أمريكا و أرويا الغربية ، وفي سياق الاستمرارية في التحكم في كل وسائل الإنتاج وفي الثروات الطبيعية و الموارد البشرية و في السيطرة على كل المنافذ المنتجة وذلك من خلال مجموعة من العمليات للتحكم في المشهد السياسي و إفراغه من محتواه , وذلك أولا عبر تنشيط عملية الترحال الحزبي لبرلمانيين و مستشارين بالغرفة الثانية ومستشارين جماعيين من مجموعة من الأحزاب في اتجاه حزب الجرار، من أجل دعم هذا الحزب المخزني الجديد/القديم الذي يشكل المشروع المخزني لتكوين الحزب الوحيد الحاكم ،على غرار الأنظمة العربية كتونس و مصر و سوريا و اليمن .... . و ما استقالة برلمانيين و مستشارين جماعيين و رؤساء جماعات من حزب الاستقلال و من التقدم و الاشتراكية ومن الأحرار و من الاتحاد الاشتراكي و من العدالة و التنمية و من جبهة القوى و الالتحاق بحزب ما هو إلا تدبير للآلة المخزنية التي لا زالت تشتغل بنفس المحرك لتفريخ الأحزاب الإدارية منذ 1958 من القرن الماضي لما بدأت بتكوين الحركة الشعبية كضربة استباقية لمشروع حزب القوات الشعبية. إن عملية تنشيط التحال الحزبي جعلت المشهد السياسي يعرف ميوعة و ارتباكا على مستوى المجالس الجماعية ومجالس الجهة ومجالس المدن و على مستوى الغرف المهنية والمؤسسات التشريعية، أي البرلمان و الغرفة الثانية.وترتب عن هذا الارتباك ازدياد في تدني مستوى الأداء لهذه المؤسسات . حتى أن الحكومة لا تجد من يسائلها على الأخطاء التي ترتكبها في حق الشعب المغربي جراء مخططاتها التي يسود ها الارتجال الهذر للمال العام والرشوة والنزوة الذاتية . و مما يميز المرحلة الراهنة هو إعادة ترتيب الخريطة السياسية من خلال تفكيك المكاتب المسيرة لعدة جماعات ومجالس جهوية ومجالس المدينة ، التي تمت على أرضية توافقات لم يكن حزب المخزن البام راضيا عنها ، و إعادة تشكيلها لصالحه .هذه العملية جعلت إذن أغلب المجالس الجماعية ومجالس المدينة و المجالس الجهوية، تعرف عدم الاستقرار.أولا بفعل الاستقالات و الانسحابات لعدد من المستشارين الجماعيين و التحاقهم بحزب صديق الملك، و ثانيا بفعل الصراعات على المصالح الذاتية. هذه الصراعات الداخلية و ا لخارجية لأحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة داخل البرلمان ساهمت في تشويه المشهد السياسي في المغرب وإفراغه من محتواه ،مما جعل مصالح المواطنين و المواطنات تعرف الإهمال و على جميع المستوىات . وكمثال على ذلك ما تعيشه أغلب المدن و المراكز القروية و الحضرية المغربية من مشاكل تتجلى في تدني مستوى الخدمات المرتبطة بالبنية التحتية، كالطرق و قنوات الصرف الصحي و مجاري المياه الشتوية ، و أيضا تدني على مستوى الخدمات المرتبطة البيئة، كالنظافة وصيانة الحدائق العمومية و الحفاظ على الطابع المعماري الأصيل للمدن التاريخية. هذه المشاكل ما هي إلا نتيجة انتخابات خارجة حتى عن الهوامش الديمقراطية.و نتيجة التوافقات التي باركتها الآلة المخزنية في البداية من أجل تشكيل المكاتب المسيرة لمجالس وأيضا نتيجة إعادة ترتيب الأوراق من جديد في أفق إعطاء مزيد من الإمكانيات البشرية للحزب المخزني الجديد/القديم. ومن السمات الأساسية أيضا للمرحلة الراهنة هو دور المعارضة البرلمانية الذي يتميز بالميوعة في التعامل مع القضايا ذات ارتباط بهموم المواطن ، كارتفاع أسعار المواد الأساسية ، وارتفاع معدل البطالة و الفقر والتضييق على الحريات العامة وتسريح العمال و الرشوة المتفشية في جسم هياكل الدولة. و هذا ما يؤكد بأن هذه المعارضة هي معارضة طفيلية و هجينة ، لأنها غير مبدئية من جهة ، ولأنها تظل تحت الطلب المخزني و وليس عند الطلب الشعبي من جهة أخرى. و هي كذلك تنتظر نصيبها من الكعكة الحكومية .أما الأغلبية البرلمانية فهي غير متماسكة و لا برنامج لها. و لا تستطيع المبادرة في القضايا الوطنية ذات الاهتمام الشعبي كقضية الصحراء وقضية سبتة و امليلية و ما يعيشه المغاربة المهاجرون و المغربيات المهاجرات من ويلات الإهانة و الاستغلال بكل أشكاله ،حتى الاستغلال الجنسي بالنسبة للمغربيات، و ما يعيشونه من تمييز عنصري في الدول الأروبية و في دول الخليج . وهي أغلبية تقع تحت ضغط ترحال البرلمانيين، الشيء الذي يجعل الخريطة السياسية تتغير صباح كل يوم.وهو ما يمكن نسميه بالمزاج السياسي المخزني بالنسبة للأغلبية وكذلك بالنسبة للمعارضة البرلمانية. إن هذا الوضع الذي أصبح يسود أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة البرلمانية ما هو إلا تدبير لوزارة الداخلية السرية ،وهي وزارة تستمد مخططاتها من تلك التي خلفها كل من اكديرة و أفقير و إدريس البصري .و يدير شؤونها حاليا تلميذ إدريس البصري كاتب الدولة السابق في وزارة الداخلية.هذا الوضع و ما يتسم به من تخلف و فراغ ا سياسيين، هو من غايات و أهداف النظام.فالهدف الأول هو عدم التشويش على التحركات المكثفة للملك التي يتوخى النظام من ورائها استقطاب الجماهير و جعلها تهتم بدوره لا بدور أية مؤسسة كيفما كانت و من أجل الاستبداد أكثر بالحكم و من أجل التحكم في المشهد السياسي لصالحه.و الهدف الثاني هو ا لتغطية على فشل النظام في حل معضلة الفقر والتخلف و البطالة. وذلك عبر الدعاية المفرطة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وعبر بالمهرجانات التي تملأ الساحات في أغلب المدن المغربية . هذه المهرجانات و التي هي بمعدل مهرجان كل 3 أيام. وتقدر المبالغ التي يتم تبذيرها تتجاوز ثلاثة مليار درهم .و الهدف الثالث هو و التغطية على المشاكل المستعجلة التي يعيشها المواطنون والمواطنات، والتشويش على الوقفات الاحتجاجية و المسيرات اليومية التي تعيشها بالدن القرى و البوادي. 2 الأداء الحكومي و متطلبات المواطن: إن هذا الوضع الذي أصبح يتسم بالعمل على تحضير الخريطة السياسية التي ستتحكم في المشهد السياسي مستقبلا جعل الحكومة تعيش هاجس دعاية التغيير الحكومي، و جعل الأحزاب في الأغلبية و في المعارضة البرلمانية تتنازل عن شعاراتها ،مغازلة النظام من أجل و لو حقيبة وزارية بدون وزارة،و هو ما يتم الترتيب له الآن. هذا الوضع جعل الأداء الحكومي يكون جد باهت اتجاه قضايا الشعب المغربي. تلك القضايا التي أصبحت أكبر من حجم الحكومة بل من حجم الدولة ككل. و ما تقوم به هذه الحكومة في المرحلة الراهنة هو تنفيذ إملاءات و توصيات المؤسسات الرأسمالية الأجنبية و ذلك عبر مجموعة من العمليات التي تخدم مصالح الرأسمالية و الإمبريالية بامتياز و منها : استمالة الطبقة الوسطى إلى القروض الصغرى و المتوسطة وإغراقها في مشاريع تخلى عنها الإقطاعيون الجدد. وهو مشروع تسعى الرأسمالية العالمية من خلاله تكبيل هذه الطبقة حتى لا تستطع الانضمام إلى كفاح الطبقة المستغلة(بالفتحة فوق الغين) من عمال وفلاحين صغار و طلبة و مثقفين ثوريين، و معطلين حاملي الشهادات. تمييع الحقل النقابي بالمقاربات التي تهدف إلى إفراغ النضال النقابي من محتواه و من دوره في قيادة الصراع الطبقي من أجل التغيير وإلى فصله عن المجتمع. فتح الباب على مصراعيه للمستثمرين الأجانب و في مقدمتهم المستتمرون الصهاينة لتولي بناء وتسيير المشاريع الماكر اقتصادية بالبلاد و بشروط لا تستجيب و حق الشعب المغربي في تقرير مصيره الاقتصادي.مما جعل اللوبي المالي المغربي يعمل على تحويل أمواله إلى الأبناك الأجنبية و إلى الاستثمار في القطاع ألفلاحي هروبا من الضرائب و مستغلا التواطؤ الحكومي في الاستيلاء على الأراضي المسترجعة و الأراضي السلالية و أراضي الجموع، ا لعودة إلى القروض الخارجية حتى ارتفعت من جديد إلى 20 مليار دولار سنة 2009 و ارتفعت الديون الداخلية إلى 47% من الناتج الداخلي الخام، مما ساهم في التخلي عن التأسيس لرأسمال وطني، يحمي الدولة من الإفلاس الاقتصادي في كل لحظة،- التطبيع العلني مع إسرائيل من خلال حضور الوفود الصهيونية في كل الملتقيات التي تنظم في المغرب و من خلال التستر على المنتجات الإسرائيلية التي أصبحت تغزو البيوت المغربية، تفويت القطاعات العمومية لتغطية العجز المالي الناتج عن الاختلالات التي تعرفها ميزانية الدولة . لقد أصبحت الحكومة الآن حبيسة الأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها خاصة في القطاعات الاجتماعية حيث أنها لم تستطع حل مشكل السكن و القضاء على دور الصفيح ،لأنها اختارت الديماغوجية و الشعارات البراقة في هذا القطاع . و مكنت بالمقابل المضاربين العقاريين من خنق المواطن و الاستيلاء على أراضي الجموع و الأراضي الفلاحية و الأراضي السلالية تحت ذريعة المساهمة في حل مشكل السكن، مما جعل آلاف ذوي الحقوق من المتضررين يقودون معارك ضد سياسة الحكومة التي بدأت تتوارى عن هذا القطاع مخلفة ضحاياه للمحتكرين و للسلطات المحلية و الإقليمية. و كنموذج على ذلك ، مخيم لعيون ، احتجاجات قبائل ميسور، سكان دار بوعزة ، قبائل أحواز مراكش ....و حولت قطاع الصحة العمومية إلى قطاع نهاية حياة المواطنين و المواطنات و إلى ابتزازهم و التلاعب بأرواحهم و بصحتهم. وترجمت شعار التغطية الصحية للجميع إلى نهاية حياة الجميع. فالأرقام التي سجلتها المنظمات الأممية تؤكد ارتفاع نسبة الوفيات نتيجة الإهمال و نتيجة عدم تأهيل الأطر.كما أنها جعلت من التعليم صندوقا أسودا لتمويل السفريات في الداخل و الخارج والمشاريع الخاصة و تنشيط الشركات و المقاولات في إطار البرنامج ألاستعجالي الذي تتنافى شعاراته و الواقع الذي يعيشه التلميذ من حيث الاستقرار التربوي و الأداء البداغوجي ومن حيث الهوية الثقافية و الوطنية.فالارتجال و الوصفات المستوردة و الجاهزة، وتحويل التلميذ إلى رقم للتداول، والاكتضاض المفرط و تعدد المستويات فل القسم الواحد، و سوء تدبير الموارد البشرية، هي السمة الأساسية في هذا القطاع. لم تفلح هذه الحكومة في تدبير الملف الاجتماعي بل اختارت مقابل ذلك الهروب من المد الجماهيري الذي يتجلى في الاحتجاجات اليومية التي تعبر عن الرفض المطلق للسياسة الحكومية و تؤكد على المطالبة بالشغل و بالسكن و بحماية القدوة الشرائية . وللتغطية عن عجزها وسوء تقديرها للمطالب الملحة للمواطنين و المواطنات اتجهت إلى خلق آليات قمعية جديدة عبر الزيادة في عدد القوات المساعدة و تشكيل فرق مجارية الشغب و في عدد مراكز الأمن ، وعبر العودة إلى الاختطافات و التضييق على الحريات و عبر قمع المظاهرات السلمية ، بذل المقاربة الاجتماعية و الاقتصادية و التي هي السبيل الوحيد و الأمثل لضمان الاستقرار . أما على مستوى تدبير الملفات الوطنية كملف الصحراء وملف سبتة و امليلية ، فإنها أبانت عن فشلها، لأنها لا تمتلك الثقافة الوطنية و لا الشرعية الشعبية، كما أنها لا تمتلك تلك الحنكة الدبلوماسية حين اتخاذ القرار و لا الكياسة السياسية للتواصل . فتعاملها مع هذه الملفات ظل يسوده نوع من الغموض و التردد بل الغباوة ، مما جعل الأطراف الأخرى تستغل هذا التردد للهجوم أكثر و استقطاب جزءا كبيرا من الرأي العام الدولي لصالحها. 3 المغرب وتحديات العولمة: لم تستطع الدولة المغربية الخروج من دائرة التخلف الاقتصادي الذي لا زال يعتمد على اقتصاد الريع والامتيازات و احتكار المنافذ و أدق الأنشطة الإنتاجية من طرف لوبيات الفساد، الشيء الذي خلف بنية تحتية اقتصادية تتميز بالهشاشة ، فسياسة القروض و سياسة الهروب إلى الأمام أمام المطالب الشعبية و سياسة خنق المواطن بالزيادات المهولة في أسعار المواد الأساسية و بالضرائب و المباشرة وغير المباشرة ، لن تجعل المغرب في منئي عن الأزمة التي تؤرق الدول الرأسمالية ،خاصة و أن المغرب من الدول الأكثر تبعية. فالمشاريع الماكر اقتصادية كالمطارات و الموانئ ، كنماء طنجة ومشروع أبي رقراق و مشاريع الطاقة المتجددة و التي هي من تمويلات خارجية لن يستفيد منها المواطن ولن تجعل المغرب يوظف العولمة لصالحه ما دام لم يغير من منهجيته المبنية على الإقطاع المالي وعلى الاحتكار السياسي .فالدولة المغربية إذن لا يمكن لها مواجهة عولمة الأزمة المالية العالمية ، ما دامت لم تحقق أي مستوى من النمو أو أي تقدم على مستوى السلم الاجتماعي و لا التنموي. 4 اليسار و كبوة التحالفات أمام هذا الوضع لا زال اليسار رهين الانغلاق على الذات وهو يعيش على إيقاع كبوات تجارب التحالفات، التي سرعان ما تعرف الجمود أو التراجع. و ظل أيضا حبيس شعاراته و حبيس خلافات حول المصطلحات السياسية و حبيس التناقضات الثانوية، بذل التركيز على القضايا المشتركة و التي لا تتنافى ومرجعيته المذهبية و التاريخية، التي كان عليه أن يجعلها تتفاعل مع الواقع الحالي ومع المتطلبات الشعبية .إن زحف الرجعية التي يقودها حزب التراكتور قادم و مدجج بكل الوسائل ليجعل اليسار أمام امتحان عسير قد يقوده إلى الانقراض السياسي إن لم يتجاوز الخلافات الجزئية و تأجيل بعض القضايا التي يبق للشعب المغربي الكلمة فيها ،مثل أي نظام نريد؟ و أي شكل لدولة نريد؟ حتى لا نكون كالذين يختصمون على من يكفل مريم . إذن فإن مسؤولية اليسار أصبحت أكثر تعقيدا بفعل هذه التحولات السريعة و المتسرعة و التي هي ضد الشعب و ضد الوطن. خلاصات : في ظل سياسة الىظام المخزني الذي يسعى إلى الاحتكار السياسي و الحنين إلى سياسة الأجداد سيكون المغرب أمام إشكاليات لا حل لها إلا الحل الديمقراطي و منها: استعمار جديد اقتصادي و اجتماعي و ثقافي من خلال السيطرة المطلقة على كل وسائل الإنتاج من طرف الشركات الأجنبية،ومن خلال تعليم لا يستطيع مواجهة غزو الاستعمار الثقافي الموجه الشباب . أزمة بشرية تتجلى في هوية وطنية مفقودة و في طغيان المصلحة الذاتية مما سيؤجج مظاهر الرشوة و الغش و اللجوء إلى الشبكات الدولية للتهريب و الدعارة و الإجرام تنامي مظاهر التطرف و المظاهر الانفصالية. تنامي الجريمة المنظمة و غير المنظمة،إذن فمسار الدولة المغربية كما تركها المهدي لم يتغير و لو بعد مرور 45 سنة على رحيله.