استطاعت حركة 20 فبراير منذ ظهورها الحفاظ على وحدتها وديناميتها وزخمها بالرغم مما واجهته من محاولات شتى لوأدها والقضاء عليها، عبر التشكيك في أهدافها والنيل من سمعة أعضائها وقمع مناضليها، ومواجهتهم بالعنف الشرس. وقد قدمت في خضم هذه المواجهة شهيدين من أعضائها. واستطاعت أن تبقى متماسكة وموحدة، وأبانت عن قدرة تعبوية أخافت السلطة وجعلتها تقدم على تعديلات دستورية سعت من ورائها إلى احتواء الحركة، والتقليل من تأثيرها في مجريات الواقع السياسي حتى يبقى ميزان القوى في صالح الطبقة الحاكمة. واستطاعت الحركة أن تنتزع حق التظاهر السلمي، وفرضت على السلطة التراجع إلى الوراء وهي التي كانت تتذرع دوما بما يسمى عدم الحصول على الترخيص للقيام بالمسيرات والتظاهرات. وأضفت على حملة مقاطعة الاستفتاء طابعا جماهيريا بأن جعلت تلك الحملة تتم عبر التظاهرات والمسيرات في الساحات والشوارع، بعدما كانت في الماضي تتم في أجواء شبه سرية. وبفعل ذلك عرف الوضع السياسي حيوية ودينامية بعد ركود وجمود مسه لمدة غير يسيرة. وتوسلت الحركة في ذلك بخطاب سياسي يتسم بقدر كبير من الوضوح والجرأة سواء من خلال أرضيتها السياسية، أو عبر شعاراتها المتنوعة التي قطعت مع الغموض والالتباس. وهكذا طرح مطلب الملكية البرلمانية على بساط النقاش العمومي الواسع بشكل غير مسبوق. ومس النقاش اختصاصات الملك وأدواره الممكنة في إطار هذه الملكية البرلمانية التي تفرض عليه أن يسود و لا يحكم، بمعنى أن يكتفي بأدوار رمزية كما هو معمول به في الملكيات البرلمانية بأروبا. وكما كان منتظرا، لم تلب التعديلات الدستورية أيا من المطالب التي رفعتها الحركة بمعية القوى السياسية الداعمة لها. وجرى الاستفتاء في أجواء عرفت خروقات واختلالات تمس بنزاهته ومصداقيته، ولم تبتعد النتيجة المعلن عنها عن الرقم المألوف في الأنظمة الاستبدادية ذات الباع الطويل في مثل هذه الممارسات. وكان النظام يعتقد أنه بمجرد تمرير طبخة الاستفتاء يستطيع تجريد الحركة من إشعاعها وعزلها عن محيطها، غير أن رغبته اصطدمت بصمود الحركة التي قررت الخروج من جديد في مظاهرات ومسيرات شملت أهم المدن الكبرى. وبذلك استطاعت الحركة تجاوز الحاجز النفسي الناتج عن معطيات ما بعد هذا الاستفتاء، وهذا في حد ذاته إنجاز كبير بالقياس إلى الحملة الدعائية الضخمة التي خاضها النظام مستخدما كل ما يتوفر عليه من قنوات في مجال الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية. ولكن بعد مسيرات يوم الأحد بدأت تداعيات حملته الإعلامية تلك تخبو، وأخدت الحركة تسترجع من جديد زمام المبادرة. غير أن مرحلة ما بعد الاستفتاء تفرض على الحركة مواجهة مجموعة من التحديات لكي تبقى قادرة على التأثير في الواقع السياسي يمكن أن نذكر منها: - التحدي الأول : الحفاظ على قدراتها التعبوية والانتقال بها إلى مستوى أعلى تستطيع من خلاله حشد المزيد من الفئات للانضمام إلى مسيراتها الأسبوعية، حتى تستطيع في النهاية أن تكون قادرة على تعبئة وتأطير مسيرات مليونية، وهو الأمر الذي لم تبلغه لحد الآن. - التحدي الثاني: الحفاظ على وحدة وتماسك مكوناتها، فقوة الحركة نابعة من هذه الوحدة بين مكونات متباينة إديولوجيا، ولكنها استطاعت أن تتوحد على أساس أهداف مشتركة وشعارات موحدة. وقد سعت السلطة إلى اختراق وحدة الحركة لتحدث انشقاقا داخلها. ولذلك على هذه المكونات أن تكون علة وعي بأهمية الحفاظ على القاسم المشترك الذي يقوي الحركة ويجعلها قادرة على الاستمرار، وكل انحراف نحو هيمنة أي طرف ستِؤدي ثمنه كل الأطراف بالانقسام والتشتت. - التحدي الثالث : الحفاظ على علاقة التحالف المتينة مع القوى السياسية الداعمة لها، فالحركة في حاجة ماسة إلى هذا التحالف حتى لا تتعرض لعزلة تجعلها هامشية ودون تأثير، ولذلك عليها أن تتجنب أية نزعة متعالية عن هذه القوى، لأن الحركة تمثل نوعا من الامتداد لهذه القوى من حيث المطالب والشعارات وطبيعة المشروع المجتمعي المنشود، ومن حيث التواجد الوازن لشباب هذه القوى داخل الحركة. فليس من مصلحة الاثنين بروز أي تناقض بينهما مهما كانت الأسباب، خاصة بعد الفرز الذي عرفه المشهد السياسي إزاء مشروع الدستور بين قوى مساندة له وقوى رافضة له، قوى مرتبطة بالنظام ومرتهنة لخياراته الاستبدادية، وقوى متطلعة إلى ديمقراطية حقيقية أساسها احترام إرادة الشعب والارتكاز إلى سلطته. على الحركة إذن أن تمتلك الوعي بأهمية اللحظة الراهنة، وأن تستحضر دوما طبيعة ميزان القوى لتجنب الأخطاء القاتلة، والكمائن السياسية التي يمكن أن تلجأ إليها الطبقة الحاكمة عند كل شوط من هذه المعركة النضالية التي يخوضها الشعب المغربي بقيادة شبابه المنضوي تحت لواء حركة 20 فبراير.