ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإعلان عن إفلاس كل المقاربات السلطوية
نشر في المسائية العربية يوم 12 - 06 - 2011

المتتبع لمسار العلاقة بين الدولة ممثلة في السلطات الأمنية و وزارة الداخلية من جهة ، و حركة 20 فبراير من جهة ثانية ، سيلاحظ أن هذه العلاقة قد تحولت مؤخرا إلى رهان قوة بين الطرفين. فمند ما قبل يوم 20 فبراير ، التاريخ الذي نزل في الشباب المغربي إلى الشارع، للتظاهر ضد الاستبداد والفساد بكل تجلياتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فبعدما استطاعت هذه الحركة الاحتجاجية أن تخلق حراكا سياسيا واجتماعيا كبيرا، عملت الدولة على احتواء أثرها السياسي ، من خلال فتح ورش الإصلاح الدستوري، وسعت إلى امتصاص مفعولها الاجتماعي، بفتح باب الحوار الاجتماعي، الذي انتهى بزيادات في رواتب الموظفين بالقطاع العام والخاص، وحاولت محاصرتها ميدانيا بفسح المجال أمام التيار السلفي بالنزول للشارع ، لتعمل بعد فشل جميع المحاولات السابقة ،على مواجهتها بالقمع الأمني. وسيلاحظ المراقب لما يجري أن سلطات وزارة الداخلية، قد سلكت في تعاملها مع هذه التظاهرات أساليب متعددة ومتنوعة، تختلف وسائلها وتتطور أدواتها، حسب تطور هذه الحركة الاحتجاجية،
سواء في تعاظم حجم تظاهراتها و اتساع رقعتها (عدد المدن) و حسب المنحى التصاعدي لسقف مطالبها. وانضمام الفئات الاجتماعية الاخرى إليها. و يمكن تتبع تطور هذه الأساليب المخزنية ، والكشف عن أهدافها عبر أربعة مراحل :
المرحلة الأولى:
كانت السلطات الأمنية قبل حوالي شهر من يوم20فبراير2011، قد لجأت إلى المحاصرة الإعلامية لحركة 20فبراير، خاصة على الانترنيت في المواقع الاجتماعية ( فايسبوك – توتير) و مواقع الفيديو ( يوتوب – دايلي موشن) ، حيث تم تجنيد العديد من المجوعات والأفراد من أجل تشويه نشطاء الحركة ، من خلال ربطهم تارة بمرتزقة البوليساريو ، بالحركات التنصيرية ، وتارة بنعتهم ورميهم بالشذوذ الجنسي وبأكل رمضان وغيرها من السلوكات المشينة، هذا دون الحديث عن عمليات قرصنة الحسابات الفايسبوكية للعديد من النشطاء في هذه المواقع الاجتماعية. و أخذت المحاصرة الإعلامية طابعا رسميا في ليلة 20 فبراير2011 ، عندما أشارت وسائل الإعلامية الرسمية إلى إلغاء تظاهرات 20فبراير، كما تم بث إشاعات في الأوساط الشعبية بعدم قانونية التظاهرات، وفي مساء يوم 20 فبراير، ورغم عدم تدخل السلطات الأمنية لمنع التظاهرات ، فإنها مقابل ذلك سمحت لفلول من أصحاب السوابق و "البلطجية" ، الذي يستغلون من طرف سماسرة الانتخابات في العديد من المدن ، بتخريب ونهب الممتلكات العمومية والخاصة في العديد من المدن، وكان هدف السلطات من ذلك هو اعتقال العديد من المشاركين في التظاهرات، وتقديمهم للمحاكمات ، و برأهم القضاء فيما بعد ، اظافة الى تشويه صورة متظاهري حركة 20فبراير، وتقديمها للرأي العام كحركة فوضوية، و كخطر على أمن الأشخاص والممتلكات العامة والخاصة. سياسة المحاصر الإعلامية هذه لم تؤت أكلها ، حيث استطاع الشباب المناصر لحركة 20فبراير التفوق على الحملات الإعلامية وتجاوزها. بعد ذلك كانت السلطات الأمنية تراهن على الخطاب الملكي ليوم 09 مارس2005 ليقوم بدور كبير في الحد من امتداد حركة 20 فبراير ، حيث فتحت أمام العديد من نشطاءها البرامج الحوارية في القنوات التلفزية العمومية لمناقشة مضامين الخطاب الملكي ، و ما يطرحه من وعود بالإصلاحات الدستورية، بهدف امتصاص حالة الاحتقان والغضب الشعبي الذي تعبر عنه هذه الحركة، هذا ما جعل الكثيرين يتساءلون عن جدوى التظاهرات الاحتجاجية الأسبوعية والشهرية للحركة بعد الوعود التي قدمت في الخطاب الملكي للتاسع من مارس.
خلال هذه المرحلة كذلك عرف المغرب في كل مدنه وقراه "تسونامي" من البناء العشوائي، حيث اختفى المقدمين والشيوخ من الأزقة والأحياء، كما تبخرت دوريات الوكالات الحضرية و السلطات المحلية والجماعات المحلية ، المكلفة بمراقبة البناء العشوائي، كما تم السماح للتجار المتجولين باكتساح كل أزقة وشوارع المدن الكبيرة والصغيرة، و ساحاتها العمومية، وذلك تجنبا لكل ما من شأنه أن يثير غضب السكان ، الذي على وشك الانفجار، خاصة إذا ما اقترب منهم فتيل حركة 20 فبراير.
المرحلة الثانية :
بعدما تبين لوزارة الداخلية استمرار التظاهر بعد الخطاب الملكي ،خاصة خلال محطة 20 مارس 2011 ، التي عرفت تطورا مهما سواء من حيث حجم التظاهرات، أو من حيث اتساع رقعتها الجغرافية ، وبعدما لاحظت السلطات الأمنية الحضور الكبير لجماعة العدل والإحسان واليسار الجذري في التظاهرات الاحتجاجية ، وفي النواة التنظيمية لحركة 20فبراير ، وبعد فشلها في سياسة المحاصرة الإعلامية للحركة الاحتجاجية، فكرت السلطات في حل جديد يمكنها من مواجهة هذه الحركة الاحتجاجية ، ولن يكون سوى التيار السلفي ، بحكم عداءه القوي لجماعة العدل والإحسان ولكل ما هو حداثي – كما يعتقد- فعملت السلطات على توظيف التيار السلفي في مواجهة هذه الحركة الاحتجاجية، بعد إطلاق سراح العديد من المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي، و في مقدمتهم الشيخ الفيزازي، يوم 14 أبريل2011 ، وعودة الشيخ المغراوي من منفاه الاختياري بالسعودية ، حيث عملت العديد من المنابر الصحافية القريبة بعض مراكز السلطة على استغلال بعض تصريحات الشيخ الفيزازي والشيخ المغرواي في ضرب حركة 20فبراير ، إلا أن الشيخين كان واعيين بالنوايا السيئة لتلك المنابر ، حيث عملا على توضيح مواقفهما بشكل واضح في العديد من الندوات، مما سحب من السلطات المخزنية ورقة أخرى من الأوراق التي كانت عازمة على توظيفها في مواجهة حركة 20فبراير. في الوقت الذي انضم فيه الكثير من السلفيين (من المفرج عنهم و من عائلات المعتقلين منهم) إلى تظاهرات حركة 20فبراير في العديد من المدن المغربية ، خاصة يوم الأحد 24 أبريل2011، مما كان ايدانا بحصول تحول في مسار حركة 20فبراير. اذ عرفت التظاهرات تطورا نوعيا من حيث الفئات الاجتماعية التي بدأت تلتحق بها، و من حيث وضوح وصراحة المطالب والإصلاحات التي تنادي بها، خاصة في المجال الدستوري ، حيث رفعت شعارات من قبيل "الدساتير الممنوحة في المزابل مليوحة "، و في المجال الحقوقي ، حيث طغت المطالب الحقوقية على باقي المطالب الأخرى ، إذ شملت المطالب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وخاصة الذين اعتقلوا على خلفية أحداث 16 ماي الإرهابية، والإسراع بإغلاق معتقل تمارة الرهيب ،بل برمجت وقفة احتجاجية أمام هذا المعتقل يوم الاحد15 ماي 2011 ، إلى جانب المناداة بمحاسبة الجلادين، ومحاكمة المفسدين ، الذين رفعت صورهم و رددت أسماءهم في الشعارات خلال التظاهرات. وبرفع حركة 20 فبراير لشعارات إطلاق سراح المعتقلين على خلفية أحداث 16 ماي 2003 ، تمكنت من نزع ورقة التيار السلفي من السلطات الأمنية، واستخدامها ضدها، حيث انضم السلفيون إلى تظاهرات 20فبراير بقوة في العديد من المدن، معبرين بذلك عن وعيهم بما تسعى الدولة اليه من الإيقاع بينهم وبين باقي الأطراف السياسية والاجتماعية. رهان الدولة على السلفيين في كبح جماح حركة 20فبراير كان خاسرا،. وهذا ما جعل السلطات تبحث عن ورقة ثالثة لسحب البساط من هذه الحركة الاحتجاجية المتنامية.
المرحلة الثالثة:
مباشرة بعد فشل السلطات الأمنية والمنابر الإعلامية المقربة منها في توظيف ورقة السلفيين في مواجهة النواة الصلبة للحركة الاحتجاجية، المكونة من العدل و الإحسان و فصائل اليسار الجذري، جرت رياح التغيير بما لا تشتهي سفن المتحكمين في زمام القرار الأمني: فبدل أن يقف السلفيون في وجه الحركة الاحتجاجية ، كما كانت تريد وتسعى السلطات الأمنية ، أصدر هؤلاء تصريحات مؤيدة لحركة 20 فبراير(بيان أبو حفص من السجن) ، و التحقوا بها في محطة 24 أبريل2011، مخيبين أمال الجهات الأمنية، التي كانت تعتقد أنها قد عثرت على الوصفة السحرية لمواجهة حركة 20فبراير،بعد ذلك بأربعة أيام ، سيفاجئ الجميع بتفجير مراكش الإرهابي ،يوم 28 أبريل2011 ، الذي أودى بحياة العديد من الأبرياء، هذا التفجير الذي فهم على أن الواقفين وراءه أرادوا توجيه رسالة إنذار إلى التيار السلفي ، الذي لم يكن عند حسن ظن المتحكمين في زمام الأمور ، خاصة بعد التحاقه بحركة 20فبراير، يوم الأحد 24 أبريل 2011 ، فجاء هذا الحادث الإرهابي لتذكير التيار السلفي بتداعيات أحداث 16 ماي 2003 ، التي دفع السلفيون ثمنها غاليا، كما تزامن هذا الحادث ، بشكل غريب ، مع اعتقال الصحفي المشاكس رشيد نيني، الذي انخرط بقوة في مساندة حركة 20فبراير، من خلال عموده اليومي، و تغطية جريدته الكبيرة لتظاهراتها، بعد ما كان مترددا في ذلك قبل انطلاق الحركة الاحتجاجية، إلى جانب إثارته للعديد من ملفات الفساد على صفحات الجريدة ، التي شكلت أرشيفا لجمع المعطيات حول ملفات الفساد بالمغرب للعديد من تنسيقيات حركة 20فبراير. بعد ذلك لم يبقى أمام المتحكمين في زمام الأمور بالبلاد سوى إعطاء الإشارة لحكومة عباس الفاسي بالعمل على إسراع وثيرة الحوار الاجتماعي مع النقابات ، من اجل الخروج بإجراءات عملية سريعة ، قد تساعد في وقف أو الحد من القوة التعبوية لحركة 20فبراير في صفوف الطبقة المتوسطة، حيث تم الإعلان عن الزيادة في أجور الموظفين في القطاع العام والخاصة ، كما تم الرفع من حصيص الترقية من 22بالمائة إلى 33 بالمائة، يوم 6 أبريل 2011 . وكان هدف الدولة من ذلك هو إبعاد حطب الاحتقان الاجتماعي المتراكم مند سنين عن فتيل حركة 20 فبراير. لقد كانت الدولة تتجنب الانخراط في حل الملف الاجتماعي مند البداية، حيث كانت تعول على الخطاب الملكي الذي أعلن عن الإصلاحات الدستورية في امتصاص الغضب الاجتماعي، الذي من الممكن أن يخرج عن السيطرة ، بعد ما كسرت حركة 20فبراير حاجز الخوف من القمع في نفوس الجماهير الشعبية . وسعي الدولة ومراوغتها في حل الملف الاجتماعي ، كان بسبب تكلفته المالية الكبيرة التي وصلت إلى حوالي 43 مليار درهم ، مما اضطرها في الأخير إلى بيع 20 بالمائة من أسهمها في رأسمال البنك الشعبي.
المرحلة الرابعة:
تصاعد حدة احتجاجات حركة 20فبراير، وارتفاع سقف شعاراتها ، ولجوؤها الى تنظيم تظاهراتها في الأحياء الشعبية من جهة، و استنفاذ الدولة لجميع الوسائل و الأساليب خلال المراحل الثلاثة السابقة، في عزلها ومحاصرتها، كي لا تستقطب باقي التنظيمات السياسية و الحقوقية الى صفها، وكي لا تمتد إلى باقي الفئات الاجتماعية الساخطة عن الأوضاع من جهة ثانية ، بالاظافة الى قرب موعد إخراج مشروع الدستور الجديد ، والذي تتصدى له 20فبراير قبل أن يرى النور، وتعتبره دستورا ممنوحا ، جعل السلطات الأمنية تفكر في الاستعانة واللجوء الى الوسائل القذرة في مواجهة هذه الحركة الاحتجاجية، المتمثلة في تسخير "البلطجية" و تعبئة مجموعات من التجار للتظاهر في بعض المدن ضد حركة 20فبراير، كما تابع الجميع " التظاهرات الاحتجاجية" للتجار بكل من الرباط و فاس والدر البيضاء ليوم الأحد 29ماي 2011 بحجة أن الاحتجاجات الأسبوعية لحركة 20 فبراير قد أضرت بتجارتهم ، من خلال "منعها" للزبناء عن التوافد على المحلات التجارية بالشوارع التي تكون مسرحا للتظاهرات الاحتجاجية ، شاهد المواطنون ذلك سواء عبر القنوات التلفزية العمومية التي تجندت لتغطية ذلك إعلاميا. و تابع المواطنون نماذج من أسلوب "البلطجة" ، مثل "مول الشاقور" و أشرطته التهديدية بالويل والثبور لمن سولت له نفسه الاحتجاج على السياسات المخزنية ، و" ذو السيفين" بمدينة فاس، الذي اعترض مسيرة حركة 20فبراير يوم الأحد 5يونيو مهددا مناضليها بالقتل التقتيل، إضافة إلى "بلطجية" سلا الذين يطلبون الإذن فقط من أولياء نعمتهم للانقضاض على حركة 20 فبراير، مرددين " غير طلقونا عليهم" . ، بالإضافة الى تظاهرات لأصحاب السوابق وّالبلطجيةّ ، الذين لقنوا شعارات ورفعوا لافتات مناوئة لتنظيمات سياسية معينة ، لكنهم سرعان ما استبدلوها بشعارات أخرى من قبيل :"ّ الشعب يريد الزطلة والفنيد" و "الشعب يريد الشمة والفنيد" ، شعارات تعكس فعلا حقيقتهم وحقيقة من يقف وراءهم، كما تكشف عن قمة الارتباك، ودرجة الإفلاس التي وصلتها المقاربات الأمنية للمطالب التي ترفعها الحركات الاحتجاجية.
وبعد ما لم يعد في جعبة وزارة الداخلية من حيل لمحاصرة ومواجهة الحركة الاحتجاجية ل20فبراير لجأت إلى آخر "الدواء الكي" وهو العنف الشرس والقمع الوحشي للمتظاهرين ومطاردتهم في الشوارع ، وتكسير ضلوعهم وجماجمهم بالهروات ، وقد مهدت الدولة لذلك بحملة إعلامية تشويهية ، اختزلت فيها حركة 20فبراير في تنظيمين سياسيين فقط ، هما العدل والإحسان و النهج الديموقراطي، لكي تبرر قمعها للحركة الاحتجاجية. و استعمال الأجهزة الأمنية للقمع الشرس في حق المتظاهرين ، في الحقيقة كان من أجل جر حركة 20 فبراير الى العنف المتبادل ، حتى يكون ذلك حجة ومبررا لسحقها، كما أنه أسلوب معهود في جميع الأنظمة القمعية ، التي تسعى دائما الى جر معارضيها الى ميدان العنف ، الذي تكون فيه موازن القوى دائما لصالحها ، بحكم تجربتها الطويلة في القمع ، وعدم إتقانها لأي أسلوب أخر في مواجهة خصومها غير العنف والقمع. فما وقع مند يوم الأحد 15 ماي 2011، جعل الجميع يعتقد بأن كل ما يتم التطبيل له في وسائل الإعلام العمومي ، من إصلاحات دستورية، ليس سوى خطابا للاستهلاك الخارجي والإلهاء المحلي من أجل كسب الوقت للالتفاف على المطالب المشروعة للشعب المغربي ، لعل وعسى أن تمر موجة التغيير العربي بسلام ، دون أن تسقط العديد من المسئولين من مواقعهم ومناصبهم ،و التي لا يمكن لهم البقاء فيها في ظل عملية ديموقراطية حقيقية. هذا اللجوء إلى " آخر الدواء الكي" كان ثمنه باهظا على المستوى الحقوقي والسياسي بالنسبة للدولة، حيث سارعت العديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، اظافة الى الاتحاد الاوربي، حيث نددوا باللجوء للعنف في مواجهة تظاهرات احتجاجية سلمية، و بذلك جعل ذلك القمع الشرس ورش الإصلاح الدستوري موضع الشك ، سواء من حيث المضامين الديمقراطية التي ستتمخض عن مشروع الوثيقة الدستورية المنتظرة ، كما يكشف عن درجة الإفلاس الذي وصلته السياسية الأمنية للدولة في التعامل مع حركة احتجاجية سلمية ، مطالبها واضحة، ليست سوى دستور ديمقراطي ، كمدخل لإشراك الشعب في السلطة و كآلية للاقتسام العادل للثروة.
لقد استطاعت حركة 20فبراير الى حد الآن أن تربك كل الحسابات والسياسات و الإجراءات التي عمدت الدولة الى اتخاذها من أجلها محاصرتها و مواجهتها، و لما لا القضاء عليها، مشكلة بذلك قوة ضغط مهمة في صالح تحسين وتجويد مشروع الوثيقة الدستورية المنتظر الإعلان عنها قريبا، و محققة مكاسب ديموقراطية حتى بالنسبة الأطراف السياسية المناهضة لها ، فلجنة عبد اللطيف المانوني، و"حراس المعبد الدستوري" يناقشون نصوص الدستور المنتظر ، وآذانهم على الشارع تنصت لشعارات حركة 20 فبراير في كل مواعدها الاحتجاجية ، الأسبوعية والشهرية. فهل تسطيع خلق مفاجآت أخرى بعد الإعلان عن مشروع الدستور الجديد ؟؟؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.