في ليلة السابع و العشرين من رمضان من كل عام يترقب البعض منا مرور سيدنا قدر، الليلة بالطبع ليست ليلة كباقي الليالي .. لقد خصها الوحي الإلهي بتكريم خاص فهي خير من ألف شهر تتنزل الملائكة و الروح فيها . فهي تندرج في إطار الأيام المقدسة و ما يسميه علماء الأنتربولوجيا بالزمن المجيد.. لكن أهم ما كان يميزها شعبيا بعد العبادة ،و الطعام المتميز من كسكس أو رفيسة أو ثريد أو رباز حسب المناطق ،هو الاعتقاد الشعبي بمرور سيدنا قدر .. قصة سيدنا قدر: فهل سيدنا قدر جزء من الحلم و الأسطورة، جزء من تلك الأحلام الجماعية التي تداعب مخيلتنا و التي لا ندري من أين تنبعث في النوم أو في اليقظة ... أم هو كائن من صميم الواقع ؟ وهل من مشابهة بينه و بين سيدنا الخضر المذكور في الثقافة العربية الإسلامية و الذي يحل الخصب في كل مكان حل به .. هل هو كائن مشكل من الوهم و الرغبات الفردية و الجماعية التي تشخص الأحلام في وجود كائنات تستجيب لرغبات الضعفاء والمحتاجين ،وتجسد حاجتهم إلى شخصية قادمة من عالم آخر لتزودهم بما يرغبون ، و لتطلب من عالم لا يؤمن إلا بالمادة أن يتريث قليلا ليفسح مجالا لأحلام ورغبات جامحة لا تخضع للمنطق المتعارف عليه.. هل يعبر عن المفارقة بين الطموح و الواقع المطروح بحدة في كل زمان و مكان.. ربما كان هذا المعنى هو الذي جعل كاتبا مغربيا متميزا كمبارك ربيع يعنون به إحدى كتاباته القصصية الأولى .. ثم هل مازال الأمل في ظهوره يراود الذهن،أم أنه اختفى إلى غير رجعة،ولم يعد قادرا على اختراق فضاء مليء حتى التخمة بالأقمار الاصطناعية ، و أسطح فاضت عن آخرها بالصحون المقعرة التي تحمل الثقافات الأخرى إلينا من كل حدب وصوب، أم انه ضيقت عليه في سيره الشهب الاصطناعية فأصبح ضوءه خافتا لا يرى بالعين المجردة.. هل هو ظاهرة خاصة بنا ، أم لكل شعب سيدنا قدر قادر على تحقيق التطلعات يأتي محملا بالهدايا و التمنيات ..ليغمر الحاجة إلى الامتلاء حتى آخر الخير الفائض .. هل له علاقة بالتمثل الشعبي لليلة القدر التي يتحقق فيها قدر البشر أو يتغير عندها المصير .. في المتخيل الشعبي كان سيدنا قدر يلعب دورا مهما إلى جانب المواسم و الأعياد و الكرنفالات الشعبية في تحرير المخيلة الجماعية من القلق و من اليومي و المعتاد ، هي كلها مناسبات بهيجة للتخلص من الرتابة و تحقيق التوازن النفسي والاجتماعي ... قد يمر سيدنا قدر و يحقق الأمنيات أو قد يتسلل خلسة كشق ضوء في البصر كما يقول رجل يزعم أنه عاين مروره ، الكل يعتقد أن السماء ستنشق بالتمنيات لا سيما الذين مازالوا أطفالا ، فينتظرون رؤيته على أحر من الجمر و كل واحد جعل رغبته الدفينة على شفتيه و حفظها عن ظهر قلب .. هو عيد حقيقي بكل المقاييس و فرجة على النجوم و السماء وترقب لأي مؤشر ضوئي ، فرح و سمر طفولي حتى يغالب النعاس الأجفان ،و يستسلمون لأحلامهم الخاصة جدا .. و قد يمر سيدنا قدر دون أن ينتبه له أحد مسرعا مثل شهاب ناري و قد أرهقته كثرة أمنيات الناس وتطلعاتهم إلى مواسم الخصب و الرخاء، كيسه الكبير لم يعد يسع كل التمنيات التي ينتظرونها أن تتحقق.. سيدنا قدر و بابا نويل : هو يشبه بابا نويل ، لكنه أكثر حرارة منه لبعده من الصقيع البارد ، فهو أقل تشخيصا منه فلا يلبس طاقية حمراء و لا لحية له كالثلج و لا يضع الهدايا للصغار أمام عتبة البيوت أو عبر مواقد النار،و ليس له عربة تجرها ثمان من حيوانات الرنة ذات القرون بلطف على الثلج الناصع البياض، ولا نعرف إن كان مسنا أم في ريعان شبابه. إنه مجرد كائن من الضوء يمر بسرعة كفرصة يتيمة أو كحظ تتحكم فيه علامات خفية، لكنها مفعمة حتى الامتلاء بكل شيء وبكل الرغبات و الأماني.. تلزم فقط نباهة ذلك الرائي المتيقظ الذي لا ينبغي أن تدركه أي سنة من النوم أو غفوة أو تطرف به عينه، والذي يدرك تماما أن الحياة شطارة و فرص تقتنص.. فسيدنا قدر قد يتريث لحظة لا غير و بدون سابق إنذار لسماع التمنيات والعمل على تحقيقها في الآن نفسه، لكن لا مجال للإبطاء أو التراخي .. لحظة ثمينة كافية ربما لكي يرمي بهدايا بسيطة لكل للصغار لكي يعلموا أن الاعتناء بهم ليست قضية أسرة و إنما قضية مجتمع بأسره .. فرصة ربما يستغلها الآباء و الأمهات لكي يعطوا لأطفالهم هدايا بسيطة توطد العلاقات الأسرية ، و قد تدفع المهتمين بالأسرة و الطفولة إلى إصدار كتب للأطفال و توزيعها مجانا هدايا للأطفال بمناسبة مرور سيدنا قدر . و ربما ما يميز سيدنا قدر عن بابا نويل أيضا أنه لا يستثني أحدا من تخمة الحلم فحتى الكبار لهم نصيب من الأمنيات و الأمل ، إنه يحقق نظريا أماني للجميع على الأقل حتى إشعار آخر .. لذلك لنبق متيقظين حتى لا نخطئه هذه المرة ..