منذ فيلم «الباحثات عن الحرية» حيث أدّت سناء موزيان مَشاهدَ جريئة اعتذرت عنها زميلاتها المصريات، صارت الدراما العربية تستعين بالممثلة المغربية في المشاهد «الصعبة»، مكرّسة حالة من التعميم والاختزال لم تنته فصولاً مع «العار»!ستة مشاهد من مسلسل «العار» المصري ظهرت خلالها ممثلة مغربية مبتدئة في دور مومس كانت كافية ليندلع الجدل على الساحة المغربية، وخصوصاً أن جراح السلسلة الكرتونية الكويتية «بوقتادة وبونبيل» بالكاد اندملت. كانت عارضة الأزياء المغربية إيمان شاكر تجالس خليجياً في ملهى في القاهرة حين راودها مصطفى شعبان بطل «العار» عن نفسها. تجاوبت مع الزبون الجديد وجرى بينهما حوار سخر فيه شعبان من لهجتها المغربية. المشهد عادي بل مكرور. فلماذا الضجة التي جعلت بعض المغربيات يسارعن إلى تأسيس جمعية للدفاع عن صورتهن؟ ولماذا هذا الحنق الذي قاد قرصاناً مغربياً إلى تعطيل موقع وزارة الإعلام المصرية، ما دفع رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري إلى إصدار تعليمات لتشديد الرقابة على المسلسلات المعروضة على الشاشات المصرية؟ إعطاء فرصة للرقيب ليستعيد سلطته على الإنتاج الدرامي ليس مكسباً. والمؤكّد أنّ القرار أحرج عتاة منتقدي «العار» في المغرب. مع ذلك، ضاق المغاربة من الصورة النمطية التي ترسّخها الدراما المصرية والخليجية عن شخصية «المغربية».طبعاً، كان «العار» النقطة التي أفاضت الكأس. أما النقاش الذي طفا فوق السطح العربي أخيراً، فظل متواصلاً في المغرب لسنوات. منذ فيلم «الباحثات عن الحرية» حيث أدّت سناء موزيان بجرأة مَشاهدَ ساخنة اعتذرت عنها زميلاتُها المصريات، تواصلت دعوة المغربيات إلى مصر لإنقاذ الموقف في المشاهد الصعبة: نجاة خير الله في «الوعد» أدّت دور مومس، ثم ظهرت سناء عكرود في «احكي يا شهرزاد» مع محمود حميدة في مشهد وصفته الصحافة بالساخن. وإذا كانت ممثلات عربيات أخريات يحظين بأكثر من فرصة في الدراما المصرية، فالمغربيات لا يحلمن بالفرص نفسها. وإذا دُعين إلى القاهرة، فلتقمُّص الدور الساخن نفسه. وهذا بالضبط مصدر الإزعاج: لماذا يُستغلّ انفتاح المغربيات وجرأتهن المحمودة فنياً والمألوفة في السينما المغربية لتعميق الاختزال وتكريس الدور الذي حكمت السينما المصرية على المغربيات به: دور المومس اللّعوب؟ الحيِّز نفسه تُحشر داخله المغربيات في الدراما الخليجية كما حصل مع المغربية ميساء مغربي في «هوامير الصحراء».المشكلة في الاختزال، وإلا فالسينما المغربية بدورها لا تخلو من عينات من النوع نفسه يوفر لها كتّاب السيناريو ما يلزم من التوابل الدرامية ولا يكتفون باستعارتها جاهزة من بلد شقيق.مع ذلك، فالسجال الذي انخرط فيه المغاربة أخيراً يبقى جزءاً من حراك طبيعي. والذين وجدوا مبالغةً في هذا الصخب الإعلامي، لا يعرفون أن المغاربة اعتادوا منذ تأسيس المجلس الأعلى للسمعي البصري (الهاكا) قبل 8 سنوات، على تفعيل نوع من الرقابة المجتمعية على الإنتاج التلفزيوني الوطني. بل صار مألوفاً أن يقدّم مواطنون شكاوى ضد إعلان أو برنامج وجدوا فيه إساءة لهم أو لغيرهم. ومن الروتيني أن تفتح جمعية حقوقية نقاشاً عاماً حول أي تجاوز تتعرّض له صورة المرأة أو أي تلميح عنصري يطال الأمازيغ أو المغاربة السود أو يسيء إلى دولة صديقة. وصناع الدراما والإعلانات يحسبون لهذه الشكاوى ألف حساب.ولعل غياب إطار عربي شبيه بالهاكا، جعل الأمور تنحرف وتأخذ بعداً سياسياً كما حصل مع الكويت. إذ تدخلت الحكومة المغربية بمبالغة قبل أن تمتص الخارجية الكويتية هذا الغضب بالاعتذار. أما الحل المصري فجاء أكثر سخفاً حين استغل وزير الإعلام الاحتجاج المغربي على «العار» لإطلاق يد الرقابة على الإنتاج الدرامي المصري! ومن يتابع الصحافة المغربية فسيكتشف أنّ الكرتون الكويتي و«العار» المصري ليسا كل ما يناقَش على صفحات الجرائد. هناك نقاشات أخرى قد يضع الاطلاع عليها السجال في سياقه الطبيعي. إدريس المريني مُعدّ برنامج «نغمة وشاي» الذي تقدمه القناة الأولى، هدّد بملاحقة الفنان حسن الفذ الذي عرَّض ببرنامجه في سلسلته الكوميدية «الفذ TV» على «دوزيم». وكذلك الأمر مع «طاكسي 36» (راجع البرواز). وكانت «الجمعية المغربية لحقوق المُشاهد» قد هدّدت قبل رمضان بملاحقة القنوات الوطنية قضائياً إذا تواصل تكريس مظاهر التخلف في «سيتكومات» في رمضان أو استُعملت ألفاظ تحتقر التنوّع العرقي والثقافي للمجتمع المغربي.هي دينامية إذاً يخضع عبرها الإنتاج التلفزيوني للنقاش العام انطلاقاً من مدى استجابته لقيم المواطنة والحداثة وحقوق الإنسان. وقد يكون من النافع استخلاص الدروس من هذا السجال المغربي لتكريس مشاهدة نقدية يقظة بدل الاكتفاء بالتنابز القطري وترسيخ منطق التنميط والاختزال. وبقدر ما يبقى الإعلام مطالباً بالانخراط في هذه النقاشات، فالأفضل لو بقي السياسيون خارج اللعبة. احتجاجاتهم واعتذاراتهم لا تعكس سوى فشلهم في تقنين المشهد السمعي البصري العربي.