بغض الطرف عن التخلف العلمي والتكنولوجي العام, الذي طاول المنطقة العربية (جراء استبداد سياسات النقل التكنولوجي, وتعذر سبل استنبات منظومة عربية لذلك)، وبصرف النظر عن إكراهات الأمية, وعسر بلوغ الشبكات لهذا السبب أو ذاك، فإن الثابت حقا أن الدول العربية لم تعمد لحد بداية هذا القرن, إلى إيلاء المعرفة حقها, وإيلاء الشبكات الكبرى (وفي مقدمتها الإنترنيت) المكانة التي تفترضها العولمة, ويستوجبها مد الاقتصاد المعلوماتي والمعرفي المتقدم: + فالدول العربية لم تعمد إلا بخجل كبير, إلى توثيق التراث الفكري العربي/الإسلامي (المكتوب بالعربية أو المترجم) توثيقا علميا، ليس فقط على مستوى الجمع والتصفيف والمعالجة الأولية، ولكن أيضا على مستوى الحوسبة والفهرسة والتصنيف. إذ تبقى معظم الإنتاجات مشتتة بين المكتبات وفهرستها دون المستوى, وطرق الاطلاع عليها غير مضبوطة.إن المطلوب حقا بهذا الجانب, إنما العمل على تقوية اللغة العربية في حد ذاتها, بالتنظير كما بالنحو كما بالدلالة كما بالمعجم. والمطلوب أيضا تقوية المجامع اللغوية العربية, التي على تعددها تشكو ضعف الإمكانات, وتبدل السياسات, وغياب التصور اللغوي القار, والخاضع للمزايدات على أساس من هذه الخلفية أو تلك.إن الباحثين في مجال هندسة اللغة, يؤكدون أن ولوج اللغة العربية لمجال الإعلام يشترط إبداعا جديدا, يواكب رهانات المجتمع إياه, وتحدياته اصطلاحا ونحوا وصرفا وتركيبا ودلالة.ومعنى هذا أن اللغة العربية مطالبة بإبداع وتوليد مفردات ومصطلحات جديدة, تساير الوتيرة المتسارعة التي تبدع بها اللغات الأخرى مصطلحاتها (6000 سنويا للغة الإنجليزية, وما بين 2000 إلى 3000 بالنسبة للغة الفرنسية).ومعناه كذلك, أن القواعد اللغوية مطالبة (على مستوى الصوت, كما على مستويي الصرف والتركيب والدلالة) بإعادة نظر جذرية للخروج من القواعد الجامدة التي سادت لقرون مضت, ولم تعمد إلى الحركة بغرض مسايرة عصر المعلومات والمعرفة.ومعناه أيضا أن المعاجم اللغوية مطالبة بالتجديد على مستوى المفردات والتراكيب, كما على مستوى الاستعمالات التي من المفروض أن تبسط, لتواكب سبل ومناهج المعالجة الآلية, لتخدم باقي الفروع اللغوية, من قبيل الصرف الآلي, والإعراب الآلي, ونظم التحليل الدلالي الآلي, وقس على ذلك. بالتالي، فنحن هنا إنما بإزاء " قصور في العتاد المعرفي لمعظم منظرينا اللغويين, بعد أن أصبحت مسألة اللغة ساحة ساخنة للتداخل الفلسفي والعلمي والتربوي والإعلامي, بل التكنولوجي أيضا".+ والدول العربية غير مهتمة (حكومات ومؤسسات مختصة) برقمنة ذات التراث, كمرحلة أولية لإدماجه بالشبكة (باللغة العربية و/أو مترجما), وتمكين القراء والباحثين من بلوغه, دونما تكلفة كبيرة, أو عوائق جغرافية أو ما سواها. فالعديد من الوثائق لا تزال بصيغتها الورقية الأصل, لا تستطيع الصمود كثيرا أمام تعرية الزمن, وإن تسنى لها ذلك, فهي غالبا ما توضع برفوف المكتبات, ولكأنها جزء من التراث المتجاوز, أو من البكائيات يقول البعض.صحيح أن عملية الرقمنة مكلفة نسبيا، لكن ذلك بالإمكان تجاوزه عبر التنسيق بين المكتبات والمتاحف والجامعات وما سواها. وهو أمر بحاجة (وبحاجة فقط) إلى عزيمة من هذا الطرف كما من ذاك.+ والدول العربية لم تدمج شبكة الإنترنيت في أسلاك التعليم المختلفة, كمدخل لتكريس أشكال التعليم الجديدة, أو في أفق إقامة مشاريع للجامعات الافتراضية, التي نراها من حولنا بالعديد من دول العالم...هذا ناهيك عن سيادة اللغات الأجنبية, دونما أن يتماشى ذلك وسياسات للتعريب, تكون الحامل الأساس للمعرفة, والرافد لباقي مصادر المعلومة والثقافة. وهو ما يتراءى لنا بينا في عدم اعتماد العديد من الحكومات العربية للغة العربية, كلغة تعليم وبحث, أو فرضها بالمؤتمرات العلمية واللقاءات الرسمية وهكذا.