نجح المهرجان الجهوي للفيلم المدرسي الذي احتضنت مراكش دورته الأولى أيام 28، 29، و30 أبريل الماضي في الانتصار لإرادة الحياة ضدا على منطق الموت والإرهاب، فرغم أن انطلاقة المهرجان صادفت الحادث الإرهابي الشنيع الذي تعرضت له مقهى أركانة بساحة جامع الفنا، التأم في حفل الافتتاح جمهور غفير من التلاميذ والأطر التربوية الممثلة لأربعين فيلما مدرسيا تم ترشيحهم للمسابقة. ولقد تمكن هذا المهرجان الذي نظمته الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بمراكش تحت شعار "الإبداع الفيلمي جسر التواصل بين المدرسة والمحيط" من خلق فرصة متميزة للتباري بين مختلف المؤسسات التعليمية. وفعلا كانت المنافسة قوية بين التعليم الخاص والتعليم العمومي، وأيضا بين مؤسسات حواضر الجهة ومؤسسات العالم القروي. وإذا كانت ندوة المهرجان قد طرحت سؤال الخدمة التي يمكن أن تقدمها السينما والممارسة السمعية البصرية في بلادنا لتطوير الممارسة التربوية، وأيضا لمساءلة الأثر الذي يمكن أن تحدثه التربية الفنية المدرسية في تطوير التجربة الإبداعية الفيلمية، فإن المشاركين في الندوة - الأستاذ الباحث حميد عبيدة، والباحثة إحسان بودريك، والنقاد محمد طروس ومحمد شويكة وبوبكر الحيحي والفنانين أنس العاقل ولطيفة أحرار ونور الدين تلسغاني - حاولوا تجاوز التشخيص البسيط الذي يركز على توتر العلاقة بين الطرفين في ظل التصورات التقليدية التي تحصر العملية التربوية في التلقين وتعتبر الفعل الإبداعي ترفا وضربا من الترفيه الفارغ ليطرحوا أسئلة عميقة بهذا الخصوص توجهوا بها إلى كل من صناع القرار التربويين والفاعلين السياسيين. أما التلاميذ ومؤطروهم الذين وجدوا في البداية صعوبة في تقبل نتائج الانتقاء الأولي الذي اختارت بموجبه إدارة المهرجان 12 فيلما فقط للمسابقة الرسمية من بين أربعين فقد انخرطوا في حوار قوي وحاد أحيانا طالبوا فيه بإخضاع المعايير التي تم اختيار الأفلام الاثني عشر بناء عليها للمناقشة، كما طعن بعضهم في مضامين بعض الأفلام التي برمجت خلال اليوم الأول على أساس أنها أفلام من الصعب اعتبارها تربوية. كان عنفوان الشباب والشغف بممارسة النقد وروح 20 فبراير تخيم بقوة على مجريات الندوة. وكان النقاش قويا، حادا، لا لف فيه ولا دوران. ولحسن الحظ أن إدارة الندوة وإلى جانبها إدارة المهرجان اختارت فتح باب الحوار إلى أبعد حد لتصير الندوة فرصة للحجاج والإقناع والاقتناع وأيضا مجالا لاقتراح التوصيات من أجل المستقبل. حيث طالب التلاميذ مثلا بإدراج فقرة بانوراما في الدورة المقبلة لتقدم خلالها باقة من الأفلام التي لا ترقى للتنافس على جوائز المهرجان لكنها تتوفر على الحد الأدنى ولا يجب تهميشها بالكامل خصوصا وأن التلاميذ أعربوا عن حاجتهم الماسة لأن يرى الآخرون منتوجهم ويناقشوه حتى لو جاءت ملاحظاتهم قاسية فيما بعد. كما طلب التلاميذ التدقيق أكثر في المضامين التربوية للأفلام المشاركة، وفي هذه النقطة بالذات بدا التلاميذ –للمفارقة- أكثر صرامة وأقل تسامحاً من المفتشين والمؤطرين التربويين، وناشدوا إدارة المهرجان بأن تبرمج لهم ورشات في الدورات المقبلة تمكنهم من تعزيز رصيدهم التقني والمعرفي في هذا المجال، مع العلم أن هذه الدورة عرفت تقديم درس في السينما أطره المخرج سعد الشرايبي. لكن الشباب طالبوا بالمزيد. وعموما فالنقاش مع شبيبة الفيلم المدرسي المراكشية على قوته وسخونة بعض محطاته تمكن عبر تفعيل آلية الإنصات والحوار الهادئ من استقطاب هذه الطاقات الشابة التي أبانت في النهاية عن روح رياضية عالية. وهكذا تكفلت إحدى زعيمات الفرق المدرسية الغاضبة بتقديم دروع المهرجان لزملائها الفائزين فيما اختارت إدارة المهرجان بعض هؤلاء التلاميذ لتقديم جوائز المهرجان إلى جانب أعضاء لجنة التحكيم وبعض الفنانين المراكشيين الذين حضروا حفل الاختتام. لكن المفاجأة الكبرى للمهرجان صنعتها لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج جمال بلمجدوب وشاركت في عضويتها لطيفة أحرار على جانب كل من عبد الإله الجوهري ونور الدين تلسغاني وأحمد بنسماعيل وعبد الصمد الكباص وعبد الرزاق الزاهر. فرغم أن التباري كان قويا بين أفلام رُصدت لها إمكانيات محترمة من طرف بعض المؤسسات التربوية الخاصة المشهورة بمراكش، ورغم أن بعض هذه الأفلام نجحت في استقطاب عدد من نجوم الدراما الوطنية للمشاركة فيها، فإن لجنة التحكيم منحت جائزتها الكبرى لفيلم من العالم القروي (اليوم أعود) لتلاميذ المركب التربوي أغبالو. فيلم بسيط جدا بإمكانات بسيطة، لكنه ذكي وشاعري على طريقة السينما الإيرانية نجح من خلاله تلاميذ الجبال (أغبالو وأوكايمدن) في معالجة ظاهرة الهدر المدرسي بأسلوب بسيط، مؤثر وفي الصميم. وهكذا حينما سلم مدير أكاديمية مراكش الدكتور محمد المعزوز الجائزة الكبرى لهؤلاء الأطفال استُقبل هذا التتويج "الشعبي الديمقراطي" بحفاوة. وهكذا كسبت الأكاديمية الجهوية رهان مهرجانها الأول، وكسبت إدارة المهرجان التحدي أمام شبيبة 20 فبراير من تلاميذ ومؤطرين شباب لأن الجميع في النهاية تبادلوا التهاني مؤكدين على أن هذا المهرجان الذي بدأ حيا، حادا، وديمقراطيا لا يمكنه إلا أن يتطور بقوة ليرسخ جذوره في المدينة وفي فضاءها التربوي المحلي والجهوي وليخلق تنافسا طيبا مع مهرجان فاس الوطني، خصوصا إذا عرف مهرجان مراكش كيف يستثمر بعده الجهوي ويفتح هذا البعد الهام، وانطلاقا من معطى الجهوية دائماً، على المحيط الإقليمي للمغرب وربما الدولي مستقبلا. وإضافة إلى الجائزة الكبرى، فقد عادت باقي جوائز المهرجان إلى الأستاذ عبد الصمد فتال من ثانوية الكندي بنيابة مراكش عن فيلم "السبيل" (جائزة أحسن إخراج)، تلميذات وتلاميذ محترف السينما لمجموعة مدارس الدباغ بنيابة مراكش عن فيلم "ماريا" (أحسن سيناريو)، التلميذ عدنان برحو من إعدادية طه حسين بنيابة مراكش عن دوره في فيلم "سر من زجاج" (أحسن ممثل)، التلميذة خديجة بالعمرية من الثانوية الإعدادية الكندي عن دورها في فيلم السبيل (أحسن ممثلة). ولقد اعتبرت خديجة تلقيها جائزة التمثيل من يد الفنانة لطيفة أحرار أجمل هدية ستحفزها على مواصلة مشوارها الفني داخل الثانوية ثم خارجها فيما بعد. ألم يكن كل هؤلاء الفنانين والفنانات الذين يصنعون ربيعنا الفني اليوم على خشبة المسرح، وأمام الكاميرا وعلى شاشة قنواتنا الوطنية تلاميذ ذات يوم؟