لا زالت عروسة الشمال تعيش تحت تأثير صدمة الطوفان الذي ضربها مساء يوم الأحد 20فبراير الذي حولها إلى مدينة منكوبة مع بداية حلول الظلام، وقد جاءت الصدمة قوية خصوصا بعد نجاح المسيرة التي دعت إليها حركة الشباب على المستوى الوطني، ومرت في انضباط رفيع ومستوى حضاري أشادت به الحكومة بشكل رسمي، و كذا جميع فرقاء اللعبة السياسية المغربية، وقد جابت المسيرة مدينة طنجة انطلاقا من حي بني مكادة على مدى ازيد من خمس ساعات، و تم تقدير حجم المشاركين فيها بما يفوق عشرة آلاف، في الوقت الذي لم يكن هناك أي اثر لأي نوع من انحراف في المسيرة بين المشاركين، ولم تسجل أية هفوة . ويرجع الفضل في هذه الصدمة الأمنية القوية التي عصفت بالمدينة ، بالإستقصاء والشهود والدلائل الموثقة ، إلى جمهور الهوليكنز الكروي الطنجاوي الذي نزل مباشرة بعد انتهاء مقالبة في كرة القدم كانت جارية بعد الزوال في ضيافة الفريق المحلي بالملعب البلدي مرشان ،وقد جرت العادة بطنجة خلال أيام الأحد مساء بعد نهاية المقابلات يخترق فيها هؤلاء الشوارع الرئيسية مطوقين بسيارات الشرطة وفي حالة استنفار قصوى. و قد كان هؤلاء على علم مسبق بالتعليمات الرسمية عن انسحاب الأمن من المدينة، و من خلال معاينتهم للفراغ الأمني بالمدينة، فبمجرد وصولهم إلى وسط المدينة، تحولت البنوك الواقعة في وسط البولفار إلى خراب كامل وتدمير لمحتويات المؤسسات المالية، وإتلاف وثائقها، بالإضافة إلى محلات الخدمات التجارية الأخرى المطلة على سور المعكازين التي كانت هدفا لهجمة هؤلاء التي تم نهبها بالكامل و بعض المقاهي المتجاورة في نفس المحور. و لم تسلم الملاهي الواقعة على الشاطئ البلدي بدورها من غزوة الهولكنز المباغث، واضطر المواطنون ، وأصحاب المحلات إلى مواجهة مسيرة جمهور الهوليكنز الطنجاوي،وامتنعت مصالح الأمن عن التدخل استجابة لاستنجاد سكان المدينة، وتركوا لقدرهم، وقد تأكد بالصور والفيديوهات انسحاب القوات الخاصة بمكافحة الشغب من الشارع المؤدي إلى الشاطئ تاركة المشاغبين يتوجهون إلى مرافق الشاطئ، فحدثت مواجهات حقيقية،و إصابات بين المواطنين موثقة بالصور. وكل ذلك قد نجح بفضل خطة الشرود الأمنية في مكافحة الشغب التي كشفت عن اجتهاد السلطات المحلية بطنجة في ابتكار مهرجان خاص بطنجة وهو "مهرجان 20فبراير الأول للسرقة والنهب" على غرار المهرجانات العديدة التي تعرفها المدينة طول السنة، والتي تحقق هدرا عاليا في المال العام المصروف على المنظمين بدون إي جدوى أو عائد حقيقي على المدينة، وقد أصبح مهرجان فبراير الأول الجديد للسرقة والنهب والتخريب موضوع فكاهة وسخرية وتنكيت بين الشباب الذين يطالبون ب20فبراير كل يوم ،ومما يعمق هذه السخرية، وهو أن المتسوقين في هذا المهرجان والمشاركين من المخربين كانوا يهتفون باسم الملك، وكان أفراد الشرطة المزروعة بين المواطنين يعتبرون المخربين موالين للملك والنظام، وشوهدت سيارات الأمن تمر بجوارهم، وهم يحرقون سيارات الناس بكل برودة دون أن تحرك ساكنا، فهل يدخل كل ذلك في خانة التقصير الأمني أو الإهمال ،أو توجيه مقصود لتظاهرة مضادة بالمشاغبين وذوي السوابق بدون أي معيار سوى الهتاف باسم الملك. فهل هذا المشهد يمثل صيغة أخرى في لعبة البلطجية بكل مواصفاتها وحذافيرها، أم هي عملية تصفية حسابات محلية ،لتضل جميع الأسلئة مفتوحة على مصرعها الى اللحظة الراهنة، خصوصا أمام نجاح المسيرة، ومحاولات التشويه ضد المطالب العادلة التي أخذت أشكالا ممنهجة يستغرب لها السكان ، بواسطة الحجم الكبير لهؤلاء المخربين، و انفرادهم بالمدينة في غياب الأمن المجهز بأحدث وسائل وأدوات القمع ومكافحة الشغب إلا بعد استكمال النهب والتخريب، وقضاء جميع الأغراض من المهرجان . ومن هذا المنطلق فإن الصدمة الثانية تجلت من خلال حصيلة عدد الأضناء المقدمين للعدالة من المشتبهين بهم بالمشاركة في المهرجان الأول للسرقة حيث أوردت وسائل الإعلام انه تم تقديم أربعة أشخاص يوم الخميس 24 فبراير حوكموا بعشر سنوات حبسا بثبوت الأفعال الإجرامية في حقهم والمتمثلة في تهم تكوين عصابة إجرامية والسرقة الموصوفة والتخريب والإتلاف العمدي، وإضرام النار عمدا في ممتلكات عامة وخاصة، وإتلاف مستندات بنكية، وتجمهر مسلح، والعصيان والاعتداء على موظفين عموميين أثناء مزاولة عملهم، أن القضية جاهزة للحكم، وهو ما جعل المحكمة تحيلها مباشرة على الهيئة التي أصدرت حكمها على المقعد، وذلك لتحقيق الطابع الزجري للأحكام وتحقيق نوع من الردع بالنسبة لباقي الأشخاص الذين يمكن أن يقوموا بأعمال إجرام مماثلة. من المرتقب أن تعرض أمام السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة عشرة أشخاص آخرين تم اعتقالهم على خلفية عمليات السرقة التي استهدفت فندق الموحدين ومجموعة من الوكالات البنكية والمصرفية بالمدينة. فبأخذ هذه الوقائع مأخذ الجد؛ لابد أن نستفهم من موقع الرأي العام، حول ظروف الإعتقال التي واكبت مجريات الأحداث ووقائع المحاكمة، فهل توفرت فيها شروط العدالة، وهل تمتع المتهمين بحق الدفاع، وما نوعية حصيلة المعتقيلن، وعددهم، ولماذا لم يعقب الأحداث بيان للوكيل العام للملك حول مجريات ملابسات الأحداث التي شهدتها المدينة، وحجم الخسائر والأضرار في الممتلكات العامة والخاصة، والمعطيات المتاحة حول هذا الطوفان المباغث هو ما تناقلته وسائل المواطنين وشهادتهم التي تمكنوا من توثيقها، و نشرها في مختلف المواقع، ومن شرفات منازلهم، وهم في حالة خوف وهلع واستغراب طبيعي من الوجه الحقيقي لصورة النظام ،أمام غياب اي بلاغ أو بيان من جهة السلطات العمومية المحلية في وصف الوقائع و تفسير الأحداث، وتقدير حجم خسائره، مستكفية بتصريح إجمالي لوزير الداخلية على المستوى الوطني، لا يعفي في جميع الأحوال المسؤولية المحلية في تدبير الشأن المحلي، وما يترتب عنه من تقصير وإهمال، و أخطاء أمنية مهنية يترتب عنها ما يدرج في مجال الكوارث، التي تكون المسؤولية فيها واضحة ومحددة، تقتضي المحاسبة العادلة لأنصاف المصلحة العامة من العبث وحماية المواطنين وممتلكاتهم وسلامتهم . وبناءا على كل ماسبق التطرق إليه ، فان مسيرة 27 فبراير القادم بطنجة سوف تمثل تحديا حقيقيا للشباب المشارك في تنظيم أسلوب الاحتجاج، وتصحيح مساره، مع استحظار التطورات الحاصلة في مجال الضغط من اجل كسب رهان المطالب المطروحة، و إعادة تشكيل قيم المواطنة داخل الفضاء العام باعتبار الشارع مدرسة حقيقة تتطلب تجدير مقومات الثورة و التغيير نحو مجتمع الكرامة و الديمقراطية وحقوق الإنسان.