ينظم المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة ندوة علمية في موضوع " الإذاعات الخاصة في المغرب: بين واقع الممارسة وتحدي بناء إعلام وطني يستجيب لمتطلبات العصر".وذلك يوم السبت 18 دجنبر2010 على الساعة التاسعة والنصف صباحا بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط، بمشاركة نخبة من الباحثين و المفكرين والمتخصصين في قضايا الإعلام والاتصال. وأبرزت أرضية الندوة ، أن انطلاق مسلسل تحرير قطاع الاتصال السمعي البصري في المغرب عمليا في 17ماي 2006، اتى حين منحت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عشرة تراخيص لإحداث واستغلال خدمات إذاعية غير عمومية( أصوات، أطلنتيك، كاب راديو، شدى إف إم، هيت راديو، سايس إف إم، سوس إف إم، أطلس إف إم، راديو بلوس مراكش، راديو بلوس أكادير)، وترخيصا واحدا لتلفزة (ميدي1 سات). أما قانونيا فقد ابتدأ مسلسل التحرير بإصدار ظهير شريف رقم 212-02-1 في (31 غشت 2002)، القاضي بإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي- البصري، كإطار منظم يواكب عملية التحرير. ثم جاءت الخطوة التالية: إنهاء احتكار الدولة في ميدان البث الإذاعي والتلفزي بموجب مرسوم قانون رقم 663-02-2 صادر في (10 شتنبر 2002). لتتعزز الترسانة القانونية بإصدار الظهير الشريف رقم 257-04-1 في 7 يناير 2005 بتنفيذ القانون رقم 03-77 المتعلق بالاتصال السمعي البصري. والذي يحدد القواعد العامة، والضوابط الأساسية الرامية إلى هيكلة وتقنين قطاع الاتصال السمعي البصري. فأصبح بذلك الإطار القانوني المنظم لاشتغال الإذاعات الخاصة قائما. هذا الورش سيعرف دفعة جديدة، من خلال منح الجيل الثاني من التراخيص لأربع إذاعات موضوعاتية في 29 فبراير 2009(ميد راديو، راديو مارس، مدينة إف إم، راديو لوكس). مع الإشارة إلى أهمية استحضار التواجد الإعلامي السمعي الفرنسي والأمريكي المتمثل في كل من إذاعة "سوا" وإذاعة "ميدي1". إن الهدف من التراخيص الجديدة، حسب الهاكا، يتمثل في المساهمة في « دمقرطة العرض السمعي البصري الخاص لفائدة المواطنين المغاربة، عبر تمتيعهم في مجموع المناطق الجغرافية المكونة للتراب الوطني، بعرض سمعي بصري خاص متنوع وذي جودة في المضامين» . بالمقابل هناك من يرى أن الأمر " يجب أن يتجاوز مرحلة التأسيس"، فلا يعني تعدد المحطات الإذاعية حصول تنوع وإبداع في العرض، مادام أن فلسفة تحرير القطاع "لم تحسم في سبيل الانفتاح الفعلي على إرهاصات المجتمع الحقيقية". في هذا السياق تطرح التساؤلات التالية: ماهي حصيلة أربع سنوات من اشتغال الإذاعات الخاصة؟ ماهي ايجابيات وعثرات التجربة؟ وهل من استشراف أدوار الإذاعات الخاصة في سياق عولمة الإعلام وفي إطار تحرير القطاع السمعي البصري وطنيا؟ ثم هل هذا التعدد في الإذاعات الخاصة كفيل بإحداث تنوع العرض الإذاعي؟ وهل من أدوار تأطيرية تضطلع بها هذه الإذاعات؟ تباين في تقييم تجربة أربع سنوات من اشتغال الإذاعات الخاصة انطلق ورش الإذاعات الخاصة من فلسفة معينة، أساسها أن تواكب خطاب التحول الذي صاحب بداية العهد الجديد. فالتطور الحاصل في القطاع السمعي البصري منذ 2002 جاء متزامنا مع إطلاق عدد من الأوراش السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويذكر في هذا الصدد إنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة، إصدار قانون الأسرة الجديد، تداول خطاب الانتقال الديمقراطي، تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية والبشرية...كما أن هذه الإذاعات الجديدة انطلقت لكي تكون منابر للقرب من المستمع تتواصل وتتفاعل مع قضاياه. يمكن القول بأن عملية تحرير المشهد السمعي البصري بشكل عام، وملف الإذاعات الخاصة وحصيلتها "المؤقتة" قسمت الآراء بخصوصها إلى ثلاثة تقديرات: أولها يرى بأن التجربة متواضعة، إذ لا تشكل قيمة حقيقية في المشهد السمعي البصري. وأن قرار التحرير كان من أجل التحرير الشكلي فقط. وبينما دعا البعض إلى عدم التسرع واللجوء إلى الأحكام المسبقة، نظرا إلى أن التجربة لم يمر عليها سوى أربع سنوات. يرى اجتهاد ثالث بأن التجربة شكلت رافعة من روافع التعدد في المشهد السمعي البصري، وأن قرار التحرير في حد ذاته يعد مكسبا مهما للمشتغلين في القطاع، وجب الانطلاق منه من أجل ترسيخ دمقرطة قطاع الاتصال السمعي البصري الوطني. يشار إلى أن الخلاف بين اتجاهات تقييم الحصيلة المؤقتة لعملية تحرير قطاع الاتصال السمعي، وكذا اشتغال الإذاعات الخاصة يعود بالأساس إلى أن هناك من يقيم الوضع انطلاقا من مفهوم ماذا ينبغي أن يكون؟ ومن يتمترس وراء مقولة: فن الممكن؟ وبين هاتين الرؤيتين تمر كثير من الاعتبارات والرهانات السياسية والاديولوجية والاقتصادية. ولكنه بالمقابل تطرح إشكالية الجودة، فهل طبيعة الخصوصية لهذه المؤسسات تعفيها من مهمة الخدمة العمومية في تحسين الذوق وفي التثقيف وفي الإخبار وفي رفع مستوى الوعي لدى الرأي العام؟ الإذاعات الخاصة وإشكالية أخلاقيات المهنة * الهاكا وهاجس ضمان تعددية الفكر والرأي في سياق تدبير ملف ضمان تعددية الرأي والفكر في برامج الإذاعات الخاصة، تشير المادة 10 من دفاتر التحملات الموقعة من قبل متعهدي الاتصال السمعي البصري، على أن التعددية مبدأ ذو قيمة دستورية، وشرط من شروط الديمقراطية، وضمانة لممارسة كاملة لحرية التواصل. ولهذه الغاية " يسهر المتعهد على أن تحترم البرامج التي يتم بثها التعبير عن مختلف تيارات الفكر والرأي ، مع احترام القواعد المحددة من طرف الهيئة". أقر التقرير التركيبي الذي أصدرته الهاكا سنة2009 والمخصص لمدى احترام التعددية داخل نشرات الأخبار والمجلات الإخبارية و البرامج الأخرى التي تبثها وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية والخاصة، بأن وسائل الإعلام السمعية البصرية، لم تحترم مبدأ الإنصاف قي ولوج الشخصيات السياسية وكذا الأحزاب السياسية هذه الوسائل السمعية، ذلك أن مبدأ الإنصاف وضمان تعددية الفكر والرأي اخترق داخل جل الإذاعات الخاصة. وهذا يطرح سؤال جدلية السياسي والإعلامي في تجربة تحرير قطاع السمعي البصري في المغرب. *الهاكا وهاجس الأخلاقيات يتضح من القرارات التي أصدرتها الهاكا في حق عدد من الإذاعات الخاصة( ستة قرارات عقابية في غضون أربع سنوات) أن طبيعة الخروقات المسجلة على هذا القطاع تجلت أساسا في التطرق لمواضيع حساسة- طابوهات- دون الالتزام بالضوابط الملزمة أثناء التطرق لهذه المواضيع الحساسة. هناك أيضا استهداف بعض ثوابت المملكة: الملكية، الدين... إضافة إلى استهداف عنصر الهوية من خلال مصادمة عدد من الأعراف الأخلاقية و الاجتماعية والقانونية المرعية: عدم احترام الناشئة، وضرب مبدأ قرينة البراءة، وهو واقع يؤشر على ضعف الجانب المهني في عدد من الإذاعات الخاصة. وهنا تطرح ملابسات قانونية وعملية. أولها أن الهاكا غفلت من الناحية القانونية إلزام متعهدي القطاع السمعي البصري باحترام التعهدات الأخلاقية الواردة في دفاتر التحملات، مع ضرورة بث برامج الهدف منها تلبية حاجيات المستمعين الروحية. بنفس الصيغة التي ألزمتهم مثلا بحصص الأخبار أو الخدمات أوالترفيه. أو بصيغة الشرط كما عمدت إليه في باب مقتضيات أساسية في دفتر التحملات، حيث تعهد أصحاب المحطات الإذاعية ببث الخطابات الرسمية والتضامن الاجتماعي. الإذاعات الخاصة والإشكاليات المطروحة * لغة الخطاب والتواصل ملاحظة أساسية لا يمكن إغفالها في هذا الجانب، وتتعلق بصيغ تدبير الهاكا لملف اللغة المستعملة من قبل الإذاعات الخاصة. فمقارنة بين الجيل الأول من تراخيص الهاكا والجيل الثاني من الإذاعات، يتضح أن إذاعات الجيل الثاني لم تلتزم وفق منصوص دفاتر التحملات بنسب محددة من التداول بين اللغات داخل مساحات البث ( باستثناء إذاعة "لوكس" التي التزمت في دفاتر التحملات على بث البرامج الناطقة بالدارجة المغربية والفصحى بنسبة الثلث على الأقل ثم باللغات الأجنبية). بينما باقي الإذاعات الثلاث( ميد راديو، راديو مارس، إف إم مدينة) اكتفت بالعبارة التالية في دفاتر التحملات: يحرص المتعهد على ألا يتم استعمال اللغات بشكل غير منظم وفوضوي. في هذا السياق، توزعت الإذاعات الخاصة من جانب اللغة المتداولة إلى أقسام: فهناك من اختار بشكل حاسم استعمال اللغة الفرنسية كلغة غالبة على برامجه(أطلنتيك، لوكس مثلا)، ثم هناك من اهتدى إلى استعمال الدارجة أو إحدى اللهجات المحلية( كاب راديو). ثم هناك إذاعات تستعمل خليط هجين من اللغة العربية واللغة الفرنسية والدارجة( هيت راديو، شدى إف إم). بالمقابل هناك من ابتكر لغة إذاعية خاصة به يمكن أن نسميها "لغة الشارع" بالمفهوم المغربي. كل هذا في مسعى البعض بصدد البحث عن لغة إذاعية معيارية تمتحي مفرداتها من العامية المغربية كلغة وسيطة. *طغيان برامج الترفيه يسجل من خلال عملية إحصاء البرامج، طغيان برامج الترفيه والتنشيط والألعاب والموسيقية ضمن الشبكة البرامجية لغالبية الإذاعات الخاصة، بالمقابل هناك قلة البرامج ذات أدوار مجتمعية تأطيرية وحوارية سياسية. كما أن هناك معطى تشترك فيه هذه الإذاعات وهي كثرة برامج الخدمات من جانب آخر، تعتمد بعض الإذاعات الخاصة إستراتيجية إدراج بعض البرامج "الجريئة " بهدف استمالة عدد من المستمعين، لاسيما الشباب منهم. وتعتمد هذه الفلسفة على أسس منها: طرح مواضيع تسمى ب "الطابوهات" خاصة التطرق لقضايا الجنس وظواهر أخرى مثل اغتصاب الأطفال والشدود الجنسي والصداقة البريئة ... ثانيا تعتمد نفس الإستراتيجية على منح فرص تنشيط مثل هاته البرامج لمنشطين شباب يمتلكون الجرأة "الزائدة" لمسايرة جمهور المستمعين. ثالثا عناصر هذه الإستراتيجية عدم الاعتماد على رأي المختصين في المجالات المطروقة. إن البحث عن نسب استماع مرتفعة أمست هدفا أساسيا لدى جل الإذاعات، وذلك في سعي حثيث من كل إذاعة لإيجاد قدم سبق هذا من جهة. ومن جهة أخرى البحث عن المعلنين لزيادة مداخيل الإذاعة. بعيدا عن منطق إحداث التوازن المطلوب بين ثلاثية الإخبار والتثقيف والترفيه في الشبكة البرامجية. *إشكالية المضامين معطى آخر يهم قضية البرامج، هو شبه غياب البرامج الدينية داخل الشبكات البرامجية داخل هذه الإذاعات. وباستثناء برنامج "دين ومعاملات" في محطة "كازا إف إم" وبرنامج "دين ودنيا" في إذاعة "ميد راديو"، وبعض البرامج التي تؤثث الإذاعات خلال شهر رمضان، فإن البرامج الدينية غائبة عن شبكة برامج البث في معظم الإذاعات الخاصة. وهنا نتسائل: لماذا يغيب صوت الأكاديميين والمختصين والمثقفين من برامج بعض هذه الإذاعات، مقابل الحضور المكثف، وأحيانا المبالغ فيه، لمكالمات المستمعين؟ إن الحديث عن إشكالية المضامين داخل الإذاعات الخاصة يمتد إلى التساؤل عن مدى استحضار برامج تلك الإذاعات للانشغالات التي تهم المجتمع ومدى مساهمتها في التأطير والتثقيف وتكوين رأي عام وطني يساهم في صناعة القرار على مختلف المستويات. إن أربع سنوات من اشتغال الإذاعات الخاصة تعتبر فترة لمراجعة الحصيلة، حصيلة مساهمة هته الوسائل الإعلامية في تطوير مجهود الإعلام الوطني في خدمة التنمية المجتمعية الشاملة بمختلف أبعادها. وكذلك فترة زمنية تسمح باستشراف المستقبل، بعد الوقوف على ايجابيات التجربة وعثرات المسار. وكمقارنة مع التجارب الدولية يتضح مثلا أن الإذاعات الخاصة لعبت دورا محركا في تنوير الرأي العام خلال فترة الانتقال الديمقراطي في اسبانيا خلال ثمانينيات القرن20. كما يسجل أيضا مدى قوة حضور المجلس الأعلى السمعي البصري في التجربة الفرنسية في ضبط المجال السمعي البصري بفرنسا عبر تسييج المجال بترسانة مهمة من القوانين تهم الحفاظ على اللغة الفرنسية ودعمها، وكذا الحفاظ على الجمهور الناشئ. ذلك أن عدد من التجارب الإعلامية الغربية انتقلت من مدرسة النظرية الليبرالية في الإعلام إلى مدرسة المسؤولية الاجتماعية. مع ما يتطلبه الوضع من تحديات التوازن بين الحرية والمسؤولية، بين الحق والواجب، وتحديات بناء إعلام حقيقي للقرب، تحدي الاستمرارية والجودة: ذلك أن من أبرز التحديات التي تفرض نفسها بعد أربع سنوات من اشتغال الإذاعات الخاصة هو إمكانات الاستمرار في ظل هذا الوضع. وضع انتقالي تطرح فيه مسألة المضامين ومبدأ جودة المنتوج، ومدى مساهمة هذه الإذاعات في الخدمة العمومية موضوع السؤال؟ فهل الإذاعات الخاصة صالحت المتلقي المغربي مع إعلامه الوطني؟ وماهي القيمة المضافة لهاته المحطات؟ ثم هل مصداقية خطاب الإذاعات الجديدة مرتبطة بنسب الاستماع أم ذات علاقة بشكل أساسي بمدى أداء الوظائف والأدوار المجتمعية المفروض أن تضطلع بها؟ وهل ساهمت هذه الإذاعات في مطلب تأسيس إعلام سمعي بصري ديمقراطي تنافسي وبراعي عناصر الهوية في ظل مناخ الانفتاح؟ إنها أسئلة تشكل أرضية لنقاش واقع ومستقبل الإذاعات الخاصة في التجربة المغربية.