بعض المقيمين الأجانب في المغرب، لا سيما من لبستهم مدينة مراكش بتاريخها وألوانها وشمسها، صاروا حراس مكان وثقافة. لكن آخرين من «السكان الجدد» صاروا مثل المغاربة في تصرفاتهم ونمط حياتهم، إذ تجدهم يخالطون المراكشيين في الأسواق الشعبية، ويزاحمونهم في الحافلات، ويساومون الباعة في أسعار مشترياتهم بصبر نادر يثير استغراب «السكان المحليين». بل إن بعضهم من تعلم التحدث بالدارجة المغربية وتخلى عن الملابس العصرية لابسا الجلباب التقليدي المغربي، ومنتعلا «البلغة» (الحذاء المغربي التقليدي)، وفاتحا حساب اقتراض لدى بقال الحي. هكذا، صار أغلب المقيمين الأجانب، في مراكش، يحاكون المراكشيين في أفعالهم ونمط عيشهم، حتى إن منهم من لا يحترم إشارات المرور، فلا يميز بين «ممر» (أو مسار) الراجلين و«ممر» السيارات، وبين الضوء الأحمر والضوء الأخضر. أحمد الشهبوني، رئيس مركز التنمية لجهة تانسيفت، قال ل«الشرق الأوسط»، معلقا على هذه الظاهرة: «إن تغير عادات معظم المقيمين الأجانب وتصرفهم مثل المراكشيين، يرتبط بإشكال ثقافي عام، يجعل الإنسان ابن بيئته»، مشددا على أن «الغريزة الإنسانية واحدة»، وأنه «إذا كان هناك محيط تعمه الفوضى وقلة احترام القوانين، فإن الغرائز يطلق لها العنان، وإذا كان هناك محيط ينعم بالنظام ويلتزم فيه بالقوانين فإن الغرائز تكبح ويجري تهذيبها، الشيء الذي يعني أن الإنسان، سواء كان مغربيا أم فرنسيا، هو اجتماعي بطبعه. ولذلك ربما يحجم المقيم الأجنبي، في مراكش مثلا، عن إطلاق غريزته مرة أولى وثانية وثالثة، لكنه حين يتعب من النظام (أو اللانظام) السائد على مستوى التقيد بالقانون، تجده يساير واقع الحال، فيفعل ما يفعله المغاربة، خصوصا أن ثمة مثلا مغربيا يقول (تصرف مثل جارك.. أو بدّل دارك)». إلى ذلك، يتلون استقرار الأجانب في مراكش، الذين يستحيل ضبط عددهم بالتحديد - هناك من يقدر العدد بما بين 10 آلاف و20 ألفا، معظمهم فرنسيون - بطرائف وحكايات، بعضها مضحك، ومعظمها يمكن أن يكون مقياسا للتحليل وتناول الظاهرة من مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية. ويسكن الفرنسيون الأحياء العصرية في مراكش - أو «المدينة الحمراء» - خلال سنوات الحماية (1912 - 1956)، بينما ظل فيه «أبناء البلد» متحصنين داخل أسوار «المدينة القديمة». أما اليوم، وفي ما يشبه المفارقة التاريخية والحضارية، صار المراكشيون يهجرون «المدينة القديمة» للسكن خارج الأسوار التاريخية، في أحياء: الداوديات، وسيدي عباد، وأسيف، والسملالية، وسيدي يوسف بن علي، بل طوّح آخرون بأنفسهم بعيدا نحو الضواحي مثل: تامنصورت، وحربيل، والعزوزية، تاركين دورهم العتيقة داخل «المدينة القديمة» للأجانب. وفي مراكش، لم يكتف بعض الأجانب بالإقامة والسكن، بل حولوا عددا من الدور التي تملكوها إلى مطاعم ودور ضيافة. ولأن المدينة صارت استثنائية في كل شيء، فقد فرض الواقع الجديد على مسؤوليها أن يأخذوا بعين الاعتبار ما رافق التحولات التي تميز «المدينة الحمراء» عن باقي مدن المغرب، من جهة تنوع سكانها وتباين خلفياتهم الثقافية والحضارية وتباين طموحاتهم. ولعل من أمثلة هذا التعامل تنظيم المجلس البلدي لمراكش حفلا سنويا على شرف القاطنين الأجانب، بغاية التواصل معهم والاستماع إلى مشكلاتهم وتطلعاتهم، التي قد تختلف عن مشكلات وتطلعات وطموحات المغاربة. ومن ناحية أخرى، مع تحول مراكش إلى مدينة استقطاب سياحي عالمي، وتزايد أعداد المقيمين الأجانب فيها، صار بعض المراكشيين يتساءلون عن اليوم الذي سيرون فيه مقيما أجنبيا عمدة لمدينتهم أو ممثلا لهم تحت قبة البرلمان. ويعرف المراكشيون أن إدارة الشأن المحلي والوطني ضوابطه وقوانينه، التي تحدد أهلية وشروط الترشح والانتخاب، لكنهم، على الأقل، يتخذون من ظاهرة إقامة الأجانب في مدينتهم مناسبة للتفكه وفرصة لانتقاد أسلوب إدارة بعض «أبناء البلد» للبلديات. كذلك يرى بعض أهل مراكش، أن أحوال المدينة تغيرت كثيرا بين الأمس واليوم، وذلك بحكم طبيعة وسرعة التحولات الكبرى التي عرفتها في السنوات الأخيرة، ويذهبون إلى أن المراحل الانتقالية للمدينة ربما تطول أكثر من اللازم، وأن لا أحد يعرف كيف ولمن ستؤول هذه المدينة، ومن سيكون سكانها، وكيف ستكون ثقافتها.. وليس تعدد علامات الاستفهام حول مستقبل المدينة إلا نموذجا من الحيرة التي صار يشعر بها أهلها جراء ما رافق شهرتها وتحولاتها، من غلاء ازداد غلاء واختناقات غيرت من شكل وروح «مدينة النخيل»، خصوصا مع تزايد اهتمام سياح الداخل والخارج، على حد سواء، وإقبالهم عليها بشكل كبير ومتزايد. وكان استطلاع للرأي أنجزه مركز التنمية لجهة تانسيفت، قد استهدف استكشاف آراء سكان مراكش وتصوراتهم حول التنمية وجودة العيش في المدينة، كما شمل توقعاتهم لمدينتهم عام 2020. وأظهر الاستطلاع أن أهل «المدينة الحمراء» يعتقدون أن التنمية في مدينتهم لا يمكن أن تستمر من دون سياحة. وبصدد إقامة الأجانب في المدينة، وهل يجب تشجيعها أم الحد منها أم إيقافها، أيد 29 في المائة تشجيعها، و39 في المائة الحد منها، وذهب 32 في المائة إلى حد المطالبة بإيقافها. ولكن في الوقت نفسه أظهر الاستطلاع أن 63 في المائة من المراكشيين مقتنعون بأن «تدويل» مدينتهم مصير حتمي. الواقع أن المراكشيين معذورون في تفكههم وتخوفهم من ظاهرة إقامة الأجانب وتزايد أعدادهم في «المدينة الحمراء». وهم ليسوا وحدهم من يتوسل الفكاهة لتناول التحولات التي تعيشها المدينة، حتى إن بيرتران دولانوي، عمدة العاصمة الفرنسية، باريس، «استنتج» ذات زيارة أن «باريس قد تحولت إلى ضاحية لمراكش»، ولذا لم يجد حرجا في أن يخاطب عمدتها مازحا، قائلا: «إنكم، في مراكش، تسرقون مني سكان باريس». الشرق الأوسط