سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حتى أجانب مُراكش يعجنُون «المحْراش» ويلبسُون «التزَّار» ويبخرُون ب«الشِيح» اندمجوا وسط هواء المدينة وطبائع أهلها وتقدموا على أناسها في المحافظة على التراث
مراكش اليوم هي أزيد من 10 آلاف أجنبي يقيمون ويعيشون بشكل دائم ومستمر بالمدينة الحمراء، لهم أملاكهم وأعمالهم، وفيهم من قرر الاستقرار برفقة أطفاله المسجلين في مدارس البعثات الأجنبية، وفيهم قرابة 20 ألفا يقيمون بشكل مؤقت في فترات تمتد لما بين شهر وشهرين لدى هؤلاء، ولا تجد لهم أثرا في سجلات الفنادق بل فقط في سجلات الوصول بمطار المنارة، وتحتسبهم وزارة السياحة سياحا أجانب. زحف الأجنبي على مدينة كمراكش تجر وراءها أثقالا من الطقوس والطباع والعادات المغربية والمراكشية المنصهرة في تنوع الموروث الاجتماعي والثقافي والفني والجمالي، كان له أثر بارز في متغيرات سلوكية وجدت متنفسا مع قدوم فاعل أجنبي محمل بتربية غربية ونمط تفكير مغاير، يتربص بعادات المراكشيين والمغاربة وينفذ إلى الطقوس والتراث من بوابة المعرفة الدقيقة حتى يسهل عليه الاندماج التعايش وفهم أهالي مدينة حكمت حتى تمبوكتو وتخوم السودان الغربي وحوض النيجر حتى طرابلس والأندلس أيام الموحدين. تجار الألبسة التقليدية بمراكش أصبحوا لا يتعاملون سوى مع الأجانب، بعد أن أدار المغاربة والمراكشيون ظهورهم للقفطان الرجالي والجلباب والسلهام والجبادور والسروال القندريسي والبلغة، ولم يعودوا يلتفتون إلى ذلك سوى في المناسبات الدينية الرمضانية، في وقت أصبح فيه من المعتاد جدا بالنسبة إلى العين المتجولة في أسواق مراكش التقليدية مصادفة فرنسيين يرتدون الجلباب الصوفي ويضعون العمامة على رؤوسهم الشقراء وهم يتبضعون حاملين قفة الدوم التقليدية من عند تجار الخضروات والفواكه ب «مارشي باب دكالة». الأجانب من الفرنسيين والأمريكيين بمراكش هم الأشد ولعا بالاندماج المغربي والمراكشي، تراهم يشترون الصابون التقليدي ويذهبون إلى الحمام الشعبي ويعجنون خبز «المحراش» ويذهبون به إلى الفرن، حتى إن أحد جيراني بالمدينة الحمراء، وهو أمريكي، طلب مني بأدب ألا أكلمه أبدا بالإنجليزية وأن أحرص أثناء تبادل الحديث معه على التكلم بالعربية الفصحى أو العامية المغربية،... وليس بغريب أيضا أن تجدهم يضعون «التزار» على ملابسهم ويصومون حتى رمضان، كما تجدهم لدى العطار يقضون ساعات في الحديث والسؤال عن أشياء نسيها المغاربة وأعادوا هم استعمالها كحبات القرنفل ونبتة الشيح وراس الحانوت والكبابة والعكر الفاسي وعرق سوس. أحد العطارين بالمدينة القديمة قال لي إن فرنسيا واحدا بمراكش يساوي أزيد من 50 امرأة مغربية عصرية في معرفته الدقيقة بأمور التراث، سواء المتعلقة بالبيت أو المطبخ أو الزينة... الأجانب بمراكش يشترون نبتة «الشيح» بكثرة ويبخرون بها منازلهم ودولاب الملابس ضد روائح الرطوبة و«الغمولية» وضد الميكروبات المتنقلة في الهواء خلال فصل الشتاء كالزكام،... يقبلون أيضا على شراء المسك بكثرة من السمارين ويضعون قطعه وسط البيت وتحت أفرشة النوم ويتعطرون به لرائحته الزكية ولخلوه من الكحول والمواد الكيماوية ولطول مدة عطره الزكي. وفي الوقت الذي يتزاحم فيه الأجانب صانعو حضارة العالم الجديد على تراث المغاربة بمراكش ويستهلكونه بنهم وعشق، لن تجد في بنات اليوم بالمدينة الحمراء من المغربيات من تعرف حتى كيف تعجن وتحضر «البغرير»، ولا كيف تصنع كحلا أسود للعين... لكنها تعرف بكل تأكيد كيف تتزاحم على متاجر العطور والألبسة الفاخرة فقط للتفاخر والتباهي،... أما «الشيح» و«التزار» والحناء والصابون البلدي فهي، حسب تعبيرهن بالفرنسية: «أوووه سي ديكًُولاس».