أعطى دستور المملكة المغربية لسنة 2011 أهمية كبرى للجماعات الترابية حيث أفرد لها الباب التاسع كاملا، بدءا من الفصل135 إلى غاية الفصل 146، ثم أحال على القوانين التنظيمية للجماعات الترابية للتفصيل في مقتضيات تدبير و تسيير شؤون هذه الوحدات الترابية و الآليات المعتمدة في ذلك . إلا أن الدور المنوط بهذه الاخيرة، لا يمكن أن يُفَعل إلا من خلال اعتماد آليات مالية، تمكن هذه الجماعات من الحصول على الموارد و الامكانات اللازمة لممارسة اختصاصاتها بشكل يضمن النجاعة و الاستمرارية. وقد عمل القانون التنظيمي للجهات على تطوير ماليتها بما يمكنها من تحقيق مشاريعها وفق قواعد التدبير العصري الذي يعتمد منطق التدبير بالنتائج عوض التدبير بالوسائل و يتيح فرص و مخارج أخرى يمكن استغلالها لدعم مالية الجهة و تحسين مداخيلها. فما هي إذن أهم المقتضيات التي جاء بها القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات بخصوص الإقتراضات ؟ و إلى أي حد أجاب المرسوم رقم 2.17.294. على الإنتظارات المتعلقة بعملية الإقتراض المخولة للجهة؟ أولا: المقتضيات المتعلقة بعملية الإقتراضات الواردة في القانون التنظيمي للجهات. جاء القانون التنظيمي للجهات بمقتضيات جد مهمة في ما يخص الإقتراضات المتعلقة بالجهة، حيث أكدت العديد من المواد على إمكانية الحصول على قروض، يتم التداول بشأنها من طرف مجلس الجهة، استنادا إلى الفقرة السادسة من المادة 98 ، حيث جعلت من الإقتراضات و الضمانات الواجب منحها من بين القضايا الأساسية التي يسهر مجلس الجهة على مناقشتها و التداول بشأنها. كما أن المادة 98 من القانون السالف الذكر منحت لرئيس الجهة صلاحية تنفيذ مداولات المجلس ومقرراته بخصوص إبرام وتنفيذ العقود المتعلقة بالقروض ، ويتخذ جميع التدابير اللازمة لذلك، في حدود ما يقرره مجلس الجهة، الشيء الذي يضفي نوعا من الحرية للمنتخبين في عملية تحضير القرارات المتعلقة بالقروض بشكل مستقل عن المركز، و يبقى للسلطة المركزية أو الرقابية دور التأشير على مقررات المجلس بشأن الحصول على قروض لصالح الجهة ، نظرا لأن المادة 115 في فقرتها الأخيرة جعلت من مقررات المجلس المتعلقة بالاقتراضات والضمانات غير قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل الأجل المنصوص عليه في المادة 202 من القانون التنظيمي للجهات . و لتبسيط مسطرة التأشير على القروض، و تفادي التأويل في حالة سكوت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية بعد انصرام الأجل المنصوص عليه في المادة 202 من هذا القانون التنظيمي و المحدد في 20 يوما، فإن عدم اتخاد أي قرار من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية يعتبر بمثابة تأشيرة ضمنية يمكن من خلالها لرئيس الجهة التقدم بطلب القرض إلى مؤسسة الائتمان . إن هذه الإمكانية الجديدة التي أصبحت مخولة للجهة لتدعيم مواردها المالية استوجبت ضرورة صدور مرسوم يعمل على تحديد الشروط و القواعد الإجرائية التي سوف يتم من خلالها إبرام عقود الإقتراضات بين الجهة و مؤسسات الائتمان سواء أكانت هذه الأخيرة وطنية أو أجنبية أو دولية ، و هذا ما سوف نقف عنده في المحورالثاني. ثانيا: القواعد الإجرائية لعمليات الاقتراض التي تقوم بها الجهة المحددة بمقتضى المرسوم رقم 2.17.294.
عرف المرسوم عملية الإقتراض المخولة للجهات بمقتضى المادة الأولى من المرسوم رقم 2.17.294 حيث جاء فيها : ” يقصد في مدلول هذا المرسوم بعملية الاقتراض كل عملية يتم بموجبها و ضع أموال أو الالتزام بوضعها من طرف مؤسسة ائتمان رهن تصرف الجهة التي تكون ملزمة بإرجاعها وفق شروط تعاقدية ” . من خلال هذه المادة يتضح أن المرسوم لم يترك مجالا لتأويل مدلول الاقتراض، و حسم في تعريفه، و حسنا فعل، لأن عملية التعريف تزيل اللبس الذي يمكن أن يشوب عقود الاقتراض، كما تسهل على الباحث و الممارس فهم قصد واضع المرسوم، و بالتالي بناء استنتاجات واضحة ، و عليه يمكن حصر عملية الاقتراض في مدلولين: – المدلول الأول يتجلى في عملية وضع أموال رهن تصرف الجهة وهذا هو الطرح المباشر حيث تقوم الجهة باستغلال هذه الأموال و تكون تحت تصرفها . – أما المدلول الثاني فيتجلى في أن مؤسسة الائتمان تلتزم في تاريخ معين بوضع أموال لصالح الجهة كأن تحل محل الجهة في حالة إعسارها أو تحل محل الجهة في تسديد قرض سابق شريطة ألا يخرج موضوع القرض عن الحالتين الحصريتين الواردتين في المادة الثانية من نفس المرسوم . و قد كان واضع المرسوم ذكيا، حين حدد التمويلات التي يمكن أن تكون موضوع قرض على سبيل الحصر، حيث جاء في المادة الثانية من المرسوم ، ما يلي : “تخصص القروض، بصفة حصرية، لتمويل نفقات التجهيز. يمكن أن تخصص القروض لتمويل مساهمات الجهة في مشاريع تكون موضوع عقود تعاون أو شراكة . ” و يستشف من هذا الحصر للتمويلات التي يمكن أن تكون موضوع قرض، أن المرسوم ضيق من استعمالات القروض، حتى لا تمتد إلى تمويلات قد تتسبب في مديونية الجهة و إثقال كاهل المجالس الجهوية المتعاقبة ، و بالتالي فإنة لا يجوز طلب قرض لتغطية نفقات التدبير و التسيير أو للقيام بتسديد أجور الموظفين مثلا. كما أن التمويلات المخصصة لنفقات التجهيز، أو مساهمات الجهة في مشاريع تكون موضوع عقود تعاون أو شراكة، هي تمويلات واضحة و مادية يصعب التلاعب في دفاتر تحملاتها. و كما سبق و أن أشرنا سلفا، فإن مجلس الجهة يتداول في الإقتراضات و الضمانات المطلوبة طبقا للمادة 98 من القانون التنظيمي للجهات ، بحيث ” يفصل مجلس الجهة بمداولاته في كل قرض على حدة و في نوعية المشروع المراد تمويله، و كذا في طبيعة الضمانات المطلوبة عند الاقتضاء التي يشترط أن تكون متناسبة مع حجم القرض.” و كان الضمانات المطلوبة عند الاقتضاء التي يشترط أن تكون متناسبة مع حجم القرض.” و كان على المرسوم أن يحدد طبيعة هذه الضمانات و نوعها، وأن يبين المعايير التي بموجبها يكون هناك تناسب بين الضمانات المطلوبة و حجم القرض . ولتعزيز رقابة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أكدت المادة الرابعة من المرسوم على غرار المادة 115 من القانون المنظم للجهات على أن المقررات المتعلقة بالاقتراضات و الضمانات لا تكون قابلة للتنفيد إلا بعد التأشير عليها من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية داخل الأجل المنصوص عليه في نفس المادة ، الشيء الذي يؤكد حضور الرقابة القبلية للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، خصوصا و أن موضوع الاقتراضات دو طابع مالي الشيء الذي ينبغي أن يحضى بنوع من الصرامة و المرونة في نفس الوقت . و إذا كانت مؤسسات الائتمان الوطنية لا تخلق أي إشكال، فإن ما يمكن تسجيلة في هذا المرسوم هو انفتاحه على مؤسسات الائتمان الأجنبية و الدولية و هذا معطى جديد ينم عن جرأة غير مسبوقة، حيث أصبح بإمكان الجهة أن تقترض من مؤسسات دولية أو أجنبية ، و هنا يثار السؤال حول طبيعة هذه العلاقة التي سوف تربط بين الجهة و المؤسسة الأجنبية في ما يخص السيادة ؟ و هل سوف تكون العلاقة ثنائية بين الجهة و مؤسسة الائتمان أم أن الدولة المغربية حاضرة كطرف ثالث، خصوصا في ما يتعلق بالضمانات المقدمة من طرف الجهة و مدى امكانية الحجز على هذه الضمانات في حالة تخلف الجهة المدينة عن سداد أقساط القرض للمؤسسة الأجنبية الدائنة ؟ هذه الإشكالات حاول المرسوم أن يلطف من حدتها بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الخامسة، إذ بعد مرحلة التأشير التي تعتبر بمثابة رقابة قبلية، وبعد توصل الجهة برسالة تحمل موافقة مؤسسة الائتمان ، تأتي مرحلة الترخيص للجهة بالإقتراض حيث يقوم رئيس مجلس الجهة بإرسال نسخة من رسالة الموافقة إلى السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالداخلية و المالية لفحص مدى إحترام مداولات المجلس، و القدرة المالية للجهة على تسديد أقساط القرض، و كذا بنود مشروع عقد القرض و الضمانات الممنوحة من قبل الجهة، عند القرض، و كذا بنود مشروع عقد القرض و الضمانات الممنوحة من قبل الجهة، عند الاقتضاء، داخل أجل عشرين يوما يبتدأ من تاريخ التوصل، مما يؤكد على وجود مراقبة بعدية رغم موافقة مؤسسة الائتمان بمنح القرض لفائدة الجهة.
و قد نص المرسوم في المادة السادسة من المرسوم على مشتملات عقد القرض حيث عددها في سبعة بنود على سبيل الخصوص وهي :
– “مبلغ القرض – موضوع القرض- مدة تسديد القرض- نسبة الفائدة الثابتة أو المتغيرة المعتمدة- كيفيات استهلاك القرض- آليات الآداء المسبق للقرض – الضمانات الممنوحة من قبيل الجهة عند الإقتضاء” .
و يمكن إضافة بنود أخرى شريطة ألا تختلف مع البنود السالفة الذكر ما دام أن المرسوم استعمل عبارة ” بصفة خاصة ” (المادة السادسة من المرسوم)
وضمانا للمرونة في عملية إرجاع القرض، أتاح المرسوم للجهة إمكانية أن تعيد جدولة تسديد أقساط القروض أو تسديدها بكيفية مسبقة إن توفر لها الفائض المالي الكفيل بذلك بعد موافقة مجلسها.
و تكون عملية إعادة الجدولة موضوع عقد جديد مع مؤسسة الائتمان المعنية ، و قد ترك المرسوم للجهة و مؤسسة الائتمان الحرية الكاملة بشأن إعادة الجدولة، بحيث لم يفرض ضرورة تأشير السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية أو السلطة الحكومية المكلفة بالمالية. بناءا على ما سبق يتضح أن المرسوم موضوع البحث أثار جملة من الإشكالات و الأسئلة، التي يصعب الإجابة عنها بمعزل عن أجرأة مضامينه من قبل الفاعلين الجهويين، بيد أنه يعتبر خطوة جد مهمة لتطوير المالية الجهوية في اتجاه الاستقلال المالي الشيء الذي سوف يساعد الجهة على تحقيق أهدافها التنموية .