مازالت قضية الطفل "ياسين"، الذي تعرض لاعتداء من قبل مدرسته عبر إدخال أصبعها في مؤخرته، ترشح بمزيد من المعلومات والمعطيات الصادمة حول هذه الأستاذة، التي اتهمها عدد من التلاميذ والآباء الذين استجوبتهم "الأخبار" بتمزيق المصحف الكريم، وبالتلفظ بالكلام الفاحش داخل الفصل، ونعت التلاميذ بأن معظمهم لا يعرف أباه، وأن أمهاتهم راقصات وساقطات. وفي الوقت الذي يشير فيه التلاميذ بأصابع الاتهام إلى مدرستهم، التي تصدر عنها سلوكات غريبة لا تمت بصلة إلى مسؤولة عن تربية النشأ، نفت الأستاذة هذه المزاعم، ملقية باللائمة على إحدى زميلاتها بالمدرسة، والتي اعتبرتها هي من صنعت كل هذه السيناريوهات المحبوكة، وبحكم تأثيرها القوي على التلاميذ "شحنت" عقولهم الصغيرة بهذه "الافتراءات". هل بإمكان امرأة سوية، ومربية قضت حوالي 36 سنة من الخدمة في تكوين الأجيال، أن تقوم بمثل هذه الأفعال؟، ما هي الظروف والملابسات التي يمكن أن تدفع أستاذة إلى معاقبة تلميذها بهذا السلوك الشاذ، أمام مرأى ومسمع من تلامذتها، بل وتجبرهم، تحت التهديد، بالإتيان بنفس الفعل؟، ما دور مدير المؤسسة، وما هي الإجراءات الإدارية التي قام بها لوقف هذا السلوك الشاذ داخل المؤسسة التربوية التي يشرف عليها؟. أسئلة كثيرة تتناسل لحظة تتبع جريدة "الأخبار" لتفاصيل ما يعتمل داخل هذه المؤسسة التربية الواقعة بحي "روض الزيتون" أحد أعرق الأحياء بالمدينة العتيقة لمراكش. وتعود فصول هذه القضية المثيرة، والتي تعكف اليوم الشرطة القضائية على فك طلاسمها، إلى يوم 29 دجنبر الماضي، عندما أمسكت الأستاذة بتلميذين من تلامذتها، وسلمتهما لمدير المؤسسة مدعية أنها ضبطت التلميذ "ياسين"، يأتي على فعل مشين مباشرة بعد مغادرته الفصل. وتروي الأستاذة في حديث خاص ل"الأخبار"، وقائع الحادث، على أنها في اليوم السالف ذكره، وبينما غادر التلاميذ قاعة الدرس، (المستوى الخامس ابتدائي) الموجودة بالطابق العلوي للمؤسسة، وبينما كانت الأستاذة في الصفوف الأمامية التي تضم التلميذات، سمعت صراخا قويا يصدر عن أحد التلاميذ، وتتبعت مصدر الصراخ، وإذا بها تضبط التلميذ "ياسين" وقد أدخل أصبعه في مؤخرة أحد زملائه، بعدما خلع الجزء العلوي من سرواله. وتضيف الأستاذة في روايتها، أنها سلمت التلميذين معا لمدير المؤسسة، وأخبرته بما أقدم عليه "ياسين" ثم انصرفت تاركة التلميذين بيدي المدير، دون أن تنتظر ما سيقوم به المدير من أجراء، نظرا لضغط الوقت، وارتباطها بالتزامات أخرى. وبحسب الأستاذة، فإنه في صباح اليوم الموالي، واجهها مجموعة من الآباء بكون التلميذ "ياسين" لم يتعرض لأي عقاب، من قبل إدارة المؤسسة:" الشيء الذي دفعني إلى أن أطلب منه القيام من مقعده، والوقوف أمام التلاميذ، وتقديم اعتذار للتلميذ الذي اعتدى عليه، ولباقي زملائه بالفصل" تقول الأستاذة. ما قامت به الأستاذة، اعتقدت أنه الطريقة الوحيدة لرد الاعتبار لهذا التلميذ، والذي يمكن أن يصاب بعقد نفسية طيلة حياته لأنه "رجل"، وبالمقابل يمكن التجاوز عن تلميذة، لأنها في نهاية المطاف "أنثى"، ويمكن أن تنسى مثل هذا الفعل، اما التلميذ فلا يمكنه ذلك، لأنه يشعر باغتصاب رجولته، ولأننا نعيش في مجتمع ذكوري. وتمضي الأستاذة في سرد روايتها ل"الأخبار"، مؤكدة أن التلميذ رفض تقديم الاعتذار، وسألته: هل يمكنك أن تقبل بأن يخدش أحد رجولتك؟، هل تسمح لزميلك أو أي شخص آخر بإدخال أصبعه في مؤخرتك؟، فرد: لا، لا، مما جعلني أدعوه مرة ثانية وثالثة لتقديم الاعتذار، إلا أنه ظل متمسكا برفضه، مما جعلني ارفع يدي، مهددة بصفعه، قبل أن تنتابه حالة خوف شديد، ويهرع إلى مقعده، فصرفت النظر عن الموضوع، وانخرطت في شرح درس الرياضيات. رواية الأستاذة هذه، تتناقض كليا مع الوقائع والمعطيات التي جمعتها "الأخبار" من خلال لقاءات مباشرة مع مجموعة من التلاميذ والتلميذات، وضمنهم الذين أدلوا بإفاداتهم في الموضوع للشرطة القضائية مطلع الأسبوع الماضي، وإلى اللجنة النيابة التي حلت يوم الثلاثاء الماضي بالمؤسسة. كان التلميذ "ياسين" يشعر بنوع من الحرج في تقديم تفاصيل حادث اعتداء الأستاذة عليه، وظل لوقت طويل، يقدم معلومات عمومية، قبل أن يبتعد عن والدته بضعة أمتار، ويشرع في سرد الرواية. يحكي "ياسين" أنه مباشرة بعد مغادرته الفصل بالطابق العلوي للمؤسسة، عند انتهاء حصة اللغة الفرنسية، وبينما كان التلاميذ ينزلون عبر الأدراج:" كنت أتدافع مع زميلي أسامة، الشيء الذي جعل الأستاذة تمسك بنا، وتسلمنا إلى المدير، هذا الأخير الذي وبخنا وهددنا بالعقاب إن نحن عدنا إلى نفس السلوك مرة أخرى". وهي نفس الرواية التي قدمها مدير المؤسسة، مؤكدا للأخبار أن التدافع في الأدراج يشكل خطرا على التلميذين معا وعلى باقي التلاميذ. وفي صباح اليوم الموالي، يقول ياسين، فوجئ بالأستاذة تضعه فوق طاولة، أمام التلاميذ، وتخلع الجزء العلوي من سرواله، وتدخل أصبعها في دبره، لتأمر باقي التلاميذ بأن يقوموا بنفس الفعل. "كنت أصرخ وأحاول الإفلات من قبضتها، إلا أنها كانت تضع مرفقها على رقبتي، ولم أكن أقدر على تحريك رأسي، وبقيت أصرخ، والتلاميذ يتناوبون على إدخال أصابعهم في مؤخرتي" يقول ياسين. هديل، التلميذة زميلة ياسين، كانت تشعر بنفس الحرج الذي خيم على ياسين، أمام والدته، تحدثت بشكل محتشم عن الحدث، وتحدثت عن الأستاذة التي تتلفظ بكلام ساقط، وكيف أنها تنعت التلاميذ بكونهم لا يعرفون آباءهم،و ان أمهاتهم راقصات وساقطات. إلا أنه بعد ابتعادها عن والدها، شرعت في سرد وقائع الحادث. وبحسب "هديل"، فإنه في صباح ذالك اليوم، فوجئت كما فوجئ باقي التلاميذ بالأستاذة تضع "ياسين" فوق الطاولة، وتدخل أصبعها في مؤخرته، ثم أمرت باقي التلاميذ بأن يقوموا بنفس ما قامت به، وإلا تعرضوا لما تعرض له "ياسين". وتضيف "هديل" أن جميع التلاميذ اضطروا إلى تنفيذ أوامر الأستاذة، باستثناء ثلاثة أو أربعة تلاميذ:" بينما نحن التلميذات بقين في أماكننا نصرخ ونغطي وجوهنا، قبل أن ينخرط الجميع في موجة بكاء". رواية "هديل" لا تختلف عن الرواية التي قدمها "ياسين" "زكيا"، و"عبد اللطيف"، وكلها تجمع على واقعة الاعتداء في أدق تفاصيلها. وبالعودة إلى الأستاذة، ومواجهتها بالاعترافات التلقائية للتلاميذ، أكدت أنها لا تلقي باللائمة عليهم، لأنهم أطفال أبرياء، وإنما:" اللوم كل اللوم، على الكبار الذين شحنوا عقولهم بهذه الافتراءات" تقول الأستاذة. وعمن تقصد بالكبار، أكدت الأستاذة أن إحدى زميلاتها التي تكن لها عداوة وكرها شديدين، هي من دأبت على شحن التلاميذ:" ولأنها تتوفر على قوة كبيرة في التأثير عليهم، فقد تمكنت من خداع بعضهم" تقول الأستاذة. وبالرجوع إلى مدير المؤسسة، فقد أكد للجريدة أن الحجرة التي احتضنت هذه الواقعة توجد بالطابق العلوي للمؤسسة، وبالتالي لا يمكنه سماع ما يجري بداخلها، علما أنه سبق وأن استمع إلى جميع الأطراف، وحرر محضرا ضمنه التصريحات والوقائع، وبعث به إلى مصالح نيابة التعليم. السلوك الشاذ لهذه الأستاذة، لا ينحصر في واقعة الاعتداء على "ياسين" حسب الآباء والتلاميذ الذين استجوبتهم "الأخبار"، فالتلميذة "هديل"، أكدت أن الأستاذة سبق وأن مزقت نسخة من المصحف الكريم، الخاصة بالتلميذ "أسامة"، عندما ضبطته الأستاذة يقرأ فيها إحدى السور. وفي تصريحه ل"الأخبار" كد "أسامة" أن الأستاذة مزقت المصحف، وعندما رافقتني والدتي إلى المدير وتقدمت بشكاية ضد الأستاذة، نفت هذه الأخيرة الواقعة أمام المدير، وأكدت أنها مزقت أحد المقررات وليس القرآن، في الوقت الذي كنت أذكرها بأن الأمر يتعلق بنسخة من المصحف الكريم، وليس مقررا دراسيا. وبالرجوع إلى الأستاذة، أكدت الأخيرة أنها خلال حصة الرياضيات، ضبطت التلميذ "أسامة" يطالع مادة من مواد اللغة العربية بالمقرر الدراسي، وشعرت بغضب شديد، خاصة وأن الدرس الذي كنا بصدده صعب جدا، ويستلزم انتباها وتركيزا خاصا من التلاميذ:" وأعترف فعلا أنني شعرت بغضب شديد، وقمت بتمزيق المقرر، الذي كان يضم دروسا في مادتي الاجتماعيات ومادة التربية الإسلامية، وليس القرآن الكريم، كما يدعون". وتساءلت الأستاذة في حديثها ل"الأخبار" كيف يمكنني أن أتجرأ على تمزيق القرأن:" وأنا مسلمة، وتربيت على دين الإسلام، وانطلاقا من تعاليمه وقيمه أربي تلامذتي، وقبلهم أبنائي". واقعة تمزيق المصحف أو المقرر، لم يقدم مدير المؤسسة تفاصيل دقيقة عنها، واكتفى بالقول إنه حرر محضرا بالواقعة، ضمنها تصريحات الأطراف وبعث بها إلى مصالح نيابة التعليم. "أغلبكم لا يعرف أباه"، "أمهاتكم راقصات وساقطات"، "يا ابناء جامع الفنا" هي عبارات اعترف التلاميذ الذين التقتهم "الأخبار" بأن الأستاذة دأبت على التلفظ بها داخل الفصل:" الكلام من الحزام للتحت" تقول "هديل"، اعتدنا على سماعه في كل وقت وحين، وهو ما يؤكده "أسامة" وباقي التلاميذ، غير أن الأستاذة نفت نفيا قاطعا جميع هذه الإدعاءات، مؤكدة أن إحدى زميلاتها هي من شحنت التلاميذ من أجل :" الافتراء علي، ومن أجل طردي من هذه المدرسة" تقول الأستاذة. وفي القوت الذي لم يتسن ل"الأخبار" الاتصال بالأستاذة المسؤولة عن "شحن" تلاميذها ضد الأستاذة المتهمة بهذه السلوكات الشاذة، فإن أغلب الآباء، أكدوا للجريدة أن أبنائهم ينقلون إليهم يوميا السلوكات غير التربوية التي تصدر عن أستاذتهم. من جهتها تساءلت الأستاذة في حديثها ل"الأخبار"، كيف يمكن لي أن أقدم على مثل هذه السلوكات، وقد قضيت 36 سنة في الخدمة، وأنا الآن على بعد ثلاث سنوات من التقاعد؟. وتمضي الأستاذة في تساؤلاتها: كيف لي أن أقوم بكل ذلك، وقد اضطر مدير المؤسسة إلى نقل ابنته من احدى المدارس وتسجيلها في القسم الذي أدرس به، ونفس الشيء بالنسبة لعدد من زميلاتي، ولأعضاء بجمعية أباء وأولياء التلاميذ؟. وحول الأسباب التي يمكن أن تدفع زميلة لها في العمل إلى شن حملة ضدها، أكدت الأستاذة أن الحسد والغيرة يمكن أن يصدر عن صاحبهما العجب العجاب. وقد سبق لهذه الأستاذة أن هددتني بإخراجي من هذه المدرسة، وأقسمت على ذلك أمام بعض الزملاء. بل إنها هددتني وأخبرتني بما وصفته باغتصاب التلميذ "ياسين"، وبأنها ستجرني إلى المحاكم. وتسترسل الأستاذة في تساؤلاتها، وتؤكد أن حسادها يطلقون الإشاعات المغرضة، ويروجون الأباطيل عنها، نظير كونها غير متزوجة، وتدخن وتعاقر الخمر، في الوقت الذي مضى على زواجي عقود من الزمن، ولي ثلاثة أحفاد، من أبنائي الذين من بينهم إطر في الجامعة، وفي الطيران:" هل مثل من أنجبت هؤلاء الأطر، ومن كونت تلاميذ، من بينهم من هم الآن أطباء خارج المغرب، ومهندسون وصيادلة، يمكن أن يقترف مثل هذه السلوكات المشينة؟. وفي القوت الذي تنفي فيه الأستاذة، جميع ادعاءات التلاميذ والآباء، وتربط هذه الإدعاءات بالسيناريوهات المحبوكة من قبل زميلتها المذكورة، ظل التلاميذ كما الآباء يتهمون الأستاذة بسلوكاتها الشاذة. بينما مصالح نيابة التعليم، ظلت غارقة في صمت مريع لأزيد من أربعة أشهر من توصلها بتقارير مدير المؤسسة، وبالشكايات التي بلغت 8 شاكات، ضد نفس الأستاذة، إلى أن انفجر الملف بعد وصوله إلى النيابة العامة، وشروع الشرطة القضائية في الاستماع إلى الأطراف يوم الاثنين الماضي، مما اضطرها إلى إيفاد لجة إلى المؤسسة التربوية المذكورة،حيث استمعت إلى التلاميذ وإلى الأستاذة المعنية على انفراد، كما استمعت إلى مدير المؤسسة. وإلى ذلك، فقد علمت "الأخبار" أن مصالح الشرطة القضائية بعثت باستدعاء من أجل المثول لديها إلى الأستاذة يوم الجمعة الماضي بمقر عملها، إلا أنها لم تلتحق بالعمل لأساب غير معروفة، ومن المتوقع أن تستمع إليها يوم الاثنين 6 ماي الجاري. من جهة أخرى، فقد أكدت بعض المصادر، أن أطرافا دخلت على الخط،من أجل الضغط على والدة الطفل "ياسين" ودفعها إلى التراجع عن شكايتها المقدمة إلى النيابة العامة، في الوقت الذي يشهد فيه مكتب جمعية الآباء شرخا في صفوفه، واضطر معه اثنين من أعضاء المكتب إلى تقديم استقالتها، ضمنهم إمام مسجد.