كل شيء موجود في منطقة مولاي إبراهيم، الهواء المنعش والهدوء وطيبوبة الأهل وحسن المعشر، إنه عالم يجمع كل المتناقضات السهل والجبل والمياه الجارية والواد الذي نحت مجراه بصورة التوائية، حيث الماء يبحث عن مساره، لا يعترف بالحدود، هكذا تحدث جاك فلورانت سائح فرنسي التقته "تدبير" في زيارتها مطلع الشهر المنصرم، لهذا المنتجع الذي ينعت حسب العديدين بسياحة الاضرحة. وأضاف فلورانت ان ما يميز مدينة مراكش هذا الكم من المنتجعات القروية، التي تأسر الزائر، فكل منطقة لها خصوصياتها، وضرب أمثلة على ذلك، حيث ذكر اربعاء تغدوين وأوريكا وإمليل، وقال إنه لا يكف في كل مرة يزور فيها مراكش عن القدوم إلى هذه المناطق التي وصفها بالطبيعة الحية. في الجهة الأخرى من قلب المحلات المجاورة للضريح تصطف العشرات من السيارات المسجلة في الخارج، وقال الحاج إبراهيم بونيت، مهاجر بفرنسا، يتوفر على تقاعد مريح، إنه يفضل مولاي إبراهيم على سائر المناطق المحيطة بمراكش، وعلل ذلك بقوله إنه يجد راحة البال، وهو يدخل الضريح ويقوم بطقوس السلام على الراقد، ومن حوله من الساهرين على الضريح. وأضاف في حديث ل"تدبير" ان اهل منطقة مولاي إبراهيم ما زالوا يحتفظون بأخلاق أجدادهم، فهم لا يلحون على الزائرين ولا يزعجونهم، لكن الحاج بونيت يتحفظ على ما آلت إليه وضعية المكان من كثرة ممارسي الشعوذة، مبرزا أن مولاي إبراهيم كان وليا صالحا وله كرامته، وها هي المنطقة اليوم تستفيد من عطائه الروحي والمادي المتمثل في انتعاش اقتصاد المنطقة من خلال السياح على اختلاف أنواعهم. لم تكن زيارة "المغربية" إلى المنطقة مبرمجة مسبقا، إلا ان القيظ الذي شهدته المدينة الحمراء في الأيام الأخيرة شكل حافرا لهذه الرحلة التي استغرقت ساعة ونصف الساعة من حي سيدي ميمون إلى طير الجبال مولاي ابراهيم. كل الركاب في ذلك الصباح في أول سبت من شهر غشت المنصرم، منشرحون يمنون النفس بأن تنتهي الرحلة على خير، خصوصا ان الطريق نحو منطقة مولاي إبراهيم بها الكثير من المنعرجات والالتواءات، وفي جانب منها تضيق نوعا ما ولا تتسع إلا لمركبة واحدة فقط رغم إصلاحها كل شتاء.
بعد اجتياز العديد من المعالم الجغرافية والبشرية والدور الممتدة على طول الرحلة، وهي في الغالب مبنية من الطين، بدأت معالم الجبل تتضح شيئا فشيئا، ورسمت علامات الارتياح والفرح على وجوه الركاب واتضح ذلك من خلال كلامهم، واللغط المتزايد وسطهم، وصراخ بعض الأطفال الذين رافقوا أهاليهم في رحلة تنبئ ان كل شيء سيتم على ما يرام. ركنت الحافلة في مكان مخصص للعربات، وبدأ الجميع في النزول، وألسنتهم وقلوبهم تحمد الله على السلامة، بقولهم "على سلامتكم". ما هي إلا لحظات حتى تفرق من كان بالحافلة، كل واحد منهم جاء بغرض محدد، منهم من اختار الإيواء في الفندق، ومنهم من ضرب موعدا مع أصدقاء سبقوه إلى المنتجع. تجلب هذه المنطقة الجبلية الزائرين لما تتمتع به من خصائص طبيعية ساحرة ومميزة تخطف الأنظار وتسحر العيون والزائر لا يكل من طقسها وفضائها الطبيعي المتنوع من أشجار ونباتات وشلالات ووديان وأنهار ومنابع وعيون مائية صافية تروي عطش الروح والجسد معا. منطقة مازالت تحتفظ بجغرافيتها الطبيعية والبشرية معا، فهي تمنح للسائح كل أسباب الراحة والطمأنينة وتجدد فيه الحيوية وتضخ فيه دماء جديدة، للعودة من جديد والاستمتاع بتلك المناظر الخلابة، كلما أتيحت الفرصة سواء في منطقة اسني المنتمية لجغرافية مولاي إبراهيم، أولماس أو سيتي فاطمة أو أغبالو التي تصنف ضمن التراب المجالي لأوريكا، أو غيرها من المناطق التي تسحر الألباب وتنعش الأجساد. لن تكتمل زيارة مولاي إبراهيم من دون الركوب على ظهر الإبل، أو امتطاء صهوة حصان، إذ اصبح اهل المنطقة خصوصا الذين يتوفرون على جياد أو إبل من استثمارها في من يرغب في اخذ صور معها، أو فوق ظهورها، وقال إبراهيم السوسي أنه يفضل أخذ صور في هذا الوادي، خصوصا في فترة المساء، لأن ريحا لطيفة تهب من شمال الوادي، وأنت على ظهر الحصان يتهادى فوق الحصى مشكلا إيقاعا زاده خرير الماء حسنا وجمالا.
سليل شرفاء الأمغاريين
جغرافيا يوجد ضريح مولاي إبراهيم سليل الشرفاء الأمغاريين بمنطقة كانت تعرف باسم "كيك" وهي منطقة جبلية تقع في إحدى مرتفعات الأطلس الكبير، كانت إلى حدود بداية القرن العاشر الهجري شبه خالية من السكان إذ لم يكن بها سوى سبع عائلات عندما قصدها الولي الصالح مولاي إبراهيم قادما إليها من مدينة مراكش ، لقب بطير الجبال لأنه كان يعيش في خلوته الاختيارية بجبل "كيك" التي مازالت من أهم المزارات الأثرية إلى الآن ،نشا في بيئة صوفية محضة بزاوية تامصلوحت التي أسسها جده عبدالله بن حسين بتوجيه من شيخه عبدالله الغزواني أحد رجالات مراكش المعروف ب"مول القصور"، وعندما اشتهر أمره وتوسم الناس فيه الخير اجتمعوا عليه وتتلمذوا له واختار لزاويته منطقة جبلية محصنة "كيك" تاركا زاوية تامصلوحت في السهل حيت أسرته وعصبيته ومريدو والده وجده فشاع ذكره وانتشر ذكره فقصده المريدون من مختلف الجهات . لزيارة ضريح الولي الصالح مولاي إبراهيم الذي يبعد عن مدينة مراكش بحوالي 50 كلم يستوجب على كل زائر أن يمر عبر نقطة إستراتيجية تصطف فيها وسائل النقل مرورا بالسويقة عبر أدراج إسمنتية التي تستقبله بطابور من العشابة يقدمون كل أصناف الأعشاب والشموع وجلود بعض الزواحف ك (القنفذ، الثعلب، الضربان، الحرباء) ، بجوارهم دكاكين قزمية ل"الشوافات" يذبن مادة "ألدون" فوق النار حيث تتحلق حولهن عشرات النساء ينتظرن ما ستراه الشوافات في ذلك السائل الغريب الذي يحل كل الإشكالات ، كما تنتشر بالسويقة المؤدية للضريح أعداد كبيرة من المتسولين بعضهم يعرض "بركة" مولاي إبراهيم وهي عبارة عن أشياء بسيطة جدا (عقيق أو مفاتيح).
طقوس غريب
الزائر للمنطقة سيقف على جملة من الظواهر والطقوس الغريبة المتفشية بالقرب من ضريح مولاي إبراهيم، والتي تدر على ممتهنيها مداخيل مهمة، وفي مقدمتها الشعوذة، حتى أصبح ممتهنو هذه المهنة يؤكدون للزوار بأنهم قادرون على شفاء مختلف الأمراض المستعصية وحل مختلف المشاكل التي يتخبط فيه الزائر للمنطقة من خلال ترديد عبارة" غير دير النية واجلس والله تاي حيد منك العكس". يشهد ضريح مولاي إبراهيم الذي يصطف بمدخله طابور من المتسولين يجلسون جنبا إلى جنب في انتظار ما سيجود به زوار الضريح الذي يتكون من بهو كبير تتوسطه نافورة للوضوء، توافد مجموعة من الزوار خصوصا النساء والفتيات من مختلف الأعمار، يتحلقن حول الضريح للتبرك بكرامات وبركات الولي الصالح من اجل "قضاء الحاجة" وتلبية الطلبات مقابل قربان يقدم في شكل هدية للولي التي تختلف باختلاف الفوارق الطبقية حيت يكتفي الضعفاء بالضوء(قرطاس الشمع). يتحدث زوار ضريح مولاي إبراهيم عن مجموعة من الروايات والحكايات، التي أصبحت تختزلها الذاكرة الشعبية بالمنطقة، من ضمنها حكاية سيدة كانت تشكو ألما حادا في الرأس فقامت بزيارة عدة أطباء اختصاصيين داخل المغرب وخارجه ولم يجر العثور على نوع المرض الذي كانت تعانيه، رغم الكشوفات الطبية بواسطة السكانير وعند إخبارها ببركة الولي الصالح من إحدى صديقاتها انتقلت إلى ضريح مولاي إبراهيم وسكبت على رأسها ماء مجلوبا من البئر الموجودة داخل الضريح فذهبت عنها تلك الآلام الشديدة. تقول زهور(36 سنة) مصابة بالمس من نواحي سيدي بنور، التي اعتادت زيارة الضريح في لقائها مع "المغربية "أحس بمرض يثقل كاهل جسمي وعندما ازور الولي الصالح مولاي إبراهيم اشعر بالراحة والطمأنينة".
الحديث عن الولي الصالح مولاي احمد إبراهيم الامغاري له أكثر من دلالة، لما اختزته هذه الشخصية من ميزات، فهو سليل الأسرة الامغارية وحفيد مؤسس الزاوية المصلوحية أبي محمد بن احساين الامغاري، تربيته الصوفية الأولى أخذها عن جده مولاي عبد الله بن الحسين، ولد بتمصلوحت ضواحي مراكش، وأخذ العلوم الظاهرة على أيدي كبار العلماء خاصة الشيخ عامر عباس مولانا أحمد المنجور، والشيخ الإمام المحدث عبد الله بن طاهر الحسني، الذي جعله العارف مولاي محمد بن أبي بكر الدلائي أحد ثلاثة كبار المحدثين بالمغرب وهم أبو العباس أحمد بن أبو المحاسن الفاسي، وأبو العباس المقاري صاحب "نفح الطيب"، والثالث هو عبد الله بن طاهر الحسني المذكور. يقول محمد بن الحاج الايفراني محمد بن عبد الله في "صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر"، كانت لمولاي إبراهيم مشاركة في العلوم أخذ عن المنجور وعن عبد الله بن طاهر الحسني، وأبي المهدي السكتاني وغيرهم، وهذا ما جعله من أعظم المدافعين عن سنة رسول الله محمد (ص). ويضيف الحاج الايفراني في الكتاب نفسه، " ومنهم الشيخ الفياض الرباني أبو إسحاق سيدي إبراهيم ابن احمد ابن الوليد الصالح أحمد بن الحسين، كان هذا الرجل آية من آيات الله الواردات الإلهية والأحوال الصادقة مع حسن سمد ومتابعة للسنة في أقواله وأفعاله، أخد عن جده المذكور، وعليه كان معوله، ويقال إنه استمد من جده المذكور مع الشيخ الشهير أبي العباس سيدي أحمد ابن موسى السملالي، وكان أبو العباس قدم تامصلوحت، برسم ملاقاة سيدي عبد الله بن حسين في بعض قدماته على السلطان الغالب بالله بمراكش، فوجد صاحب الترجمة وهو صبي يدرج بين جده، فقال الجد لأبي العباس، ادع له؟ فدعا له، وكانت بقرب الشيخين دجاجة تقرقر، فقال أبو العباس إن هذه الدجاجة تقول في قرقرتها"كيك كيك" وهو حكاية صوت الدجاج عند القرقرة، فهل عندكم موضع اسمه كيك، فقال له نعم". تذكر بعض الأساطير أن الولي الصالح مولاي إبراهيم اجتمع لديه في يوم ثلاثون ألف رجل وتسعة آلاف امرأة فأكرمهم وأطعمهم جريا على عادة جده ووالده في الإطعام والعطاء الوفير ساعده في دلك غناء المنطقة بمراعيها ومزارعها وغللها ومواشيها ،وكان يفصل بين الأفراد والقبائل فيما يطرأ بينهم من منازعات شخصية وجماعية حول المياه والمراعي، ومن غريب ما يروى عنه تركه حلق الشعر والزينة إذا دخل شهر محرم وإذا لامه أحد على ذلك قال "ما فعلنا هدا إلا امتعاضا لقتل الحسين" ومن أقواله المأثورة "لا ياتينا إلامن آمنه الله ،إن مقامنا هدا مقام إبراهيم الخليل ومن دخله كان آمنا" ، "دارنا دار سر لا دار علم". ومن بين الطقوس والعادات التي يعرفها الضريح كما يؤكدها محافظ وممثل شرفاء الضريح السيد مولاي الصديق لمغاري تلاوة القران الكريم والأمداح النبوية، ابتداء من صلاة العصر إلى صلاة المغرب وخلال الصباح يتم ترديد دلائل الخيرات من طرف مجموعة من الشرفاء أحفاد الولي الصالح مولاي إبراهيم ،الا ان أهم مناسبة دينية يعرفها الضريح هو الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف حسب عادات وطقوس خاصة حيت يقام فيه احتفالا كبيرا يأتيه الزوار من داخل المغرب وخارجه ويستمر حوالي أسبوع يختتم بذبح الناقة في اليوم السابع بحضور مسؤولي وأعيان المنطقة وممثلي السلطات المحلية. ومن بين الكرامات التي يتحدث عنها مريدوه إبعاد الطير المؤذي أي الطيور التي تهدد الزرع ، ومساعدة الرجل والمرأة العاقر حتى يرزقا بالولد وكان كريم المائدة ومقصد كل جائع أو حائر.