مفهوم «النظافة من الإيمان» في الإسلام، على إيقاع هذا الدرس افتتح زوال أمس بمراكش مشروع «دار لوضو» قرب مسجد مولاي اليزيد بحي القصبة التاريخي، بحضور وازن أثثته قامات فنية ورياضية من عيار البطل العالمي «بدر هاري» والفنانة «هدى سعد». «دار لوضو» المرفق الأول من نوعه ضمن مشروع طموح، يهدف إلى توفير وتثبيت مراحيض عمومية بجودة عالية ومواصفات عالمية، تستجيب لاحتياجات عامة المواطنين وضيوف المدينة من سياح وزوار. محمد حمد الله المستثمر الهولندي ذو الأصول المغربية، باعتباره صاحب المشروع، أكد خلال الندوة الصحفية التي عقدت بمناسبة تدشين انطلاقة أول «دار لوضو» ببهجة الجنوب كمشروع خدماتي وتجاري يجمع بين النظافة والصحة، أكد في معرض كلمته بأن إنجاز المرفق قد كلف غلافا ماليا ناهز 250 مليون سنتيم، وروعي في إنجازه توفير مراحيض خاصة بالرجال وأخرى للنساء مع الاحتفاظ للأطفال بحقهم وتخصيصهم بمراحيض تراعي حاجياتهم. أما بالنسبة لواجبات استعمال المرفق فقد حددت في 5 دراهم، فيما الاستعمال أوقات الصلاة يكون بالمجان، أما بالنسبة لأسعار مواد النظافة فقد تم الحرص على أن تبقى في حدود المناسب والمعقول. انفتاح المشروع على محيطه الاجتماعي امتد حسب البطل العالمي إلى العالم القروي المحيط بمدينة مراكش، في إطار عقد أخلاقي بينه وبين صاحب المشروع، حيث تم الاتفاق على أنه مقابل أي «دار لوضو» يتم إنجازها بالمدينة، ستحرص الأطراف المعنية بتهيئة وإنجاز مراحيض بالمؤسسات التعليمية المتواجدة بالعالم القروي بنفس المواصفات والخصائص، بغية الحرص على مد المؤسسات العمومية بخدمات صحية ملائمة، من شأنها تحسين جودة التعليم والحد من الهدر المدرسي. ومن المنتظر أن تعرف مراكش إحداث 15 وحدة من هذا النوع من المراحيض بأهم الفضاءات والشوارع الرئيسية، خصوصا بالمجالات السياحية كمنطقة جيليز، الكتبية وجامع الفنا، فيما يهيء أصحاب المشروع لتغطية بعض المدن المغربية بمرافق مماثلة تصل إلى 150 «دار لوضو» خصوصا بالمدن السياحية كمدينة فاس. إقبال مراكش على احتضان مؤتمر المناخ (كوب 22) حاضر بدوره في أجندة مشروع «دار لوضو»، حيث تم التأكيد على خلال الندوة المذكورة بإبرام اتفاق يقضي بتنصيب مجموعة من المراحيض النموذجية، التي تعتمد في بنيتها على البناء المفكك تهيأ بها أهم الفضاءات الإستراتجية بمراكش، بمواصفات متطورة، تشتغل بالطاقة الشمسية ومجهزة بأحدث التقنيات التي تسمح بإعادة تدوير ومعالجة المياه العادمة. مشروع هادف من شأنه الحد من أزمة المراحيض العمومية، التي ما انفكت تئن تحت وطأتها مدينة مراكش، وأفرزت مشاهد مقززة باتت تشكل السمة المميزة للعديد من الفضاءات السياحية بمراكش، وتطبع بميسمها صورة سيئة عن مدينة دخلت مصاف المدن الدولية، وأريد لها أن تكون قاطرة السياحة المغربية. مشاهد تمتد من جنبات ساحة جامع الفنا المصنفة كتراث شفوي من طرف منظمة اليونيسكو، حيث تطل من بعض زواياها وأركانها بوجهها القبيح، وهي غارقة في ركام الإفرازات الآدمية التي تغطي المكان، خصوصا على مستوى نهاية شارع الأمراء اتجاه عرصة المعاش.. الوضع نفسه يتكرر في مشاهد مماثلة، فأول ما يستقبل الزائر الوافد عبر المحطة الطرقية بباب دكالة، ركام المخلفات البشرية التي تغطي جنبات السور التاريخي الممتد بهذا الفضاء، بفعل تحولها إلى زوايا لقضاء الحاجات الطبيعية على مرآى ومشهد من الجميع، دون أن يحرك هذا الوضع الشاذ حمية المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير وتسيير شؤون بهجة الجنوب، والذين اعتمدوا في مواجهتهم مبدأ «المزوق من برا..». وقائع وحقائق أجهزت على إرث عمراني أصيل، ظل يشكل الميزة الأساس لمراكش يعود بعضها لمرحلة التأسيس، ويعود التنظيم السكني الخاص بمراكش، إلى عهد الآباء المؤسسين، فجاءت في شكل وحدات سكنية، تسمى ب«الحومات» بما يرمز إليه الاسم من معاني الحماية والاحتماء، وبالتالي تستقل كل حومة بمرافقها الخاصة، من حمام ومسجد وسقاية ومسيد، وكذا سويقة صغيرة، يحيط بها سور طيني يمنح ساكنتها الأمن والاستقرار، فظلت المراحيض العمومية تشكل جزء أساسيا في بنتيها العمرانية، بحيث لا يكاد يخلو أي حي أو «حومة» من مرحاضين أو ثلاثة، صمما بطريقة فنية تحيل إلى حضارة المدينة وتجذرها في عمق التربة والتاريخ.