محمد تكناوي : إذا كان تاريخ الموسيقى يكشف أن الازمات والفترات العصيبة خلدت روائع موسيقية تؤرخ لسياقها وتعبر عن البعد الشعوري الانساني حولها، فالأكيد أن أزمة جائحة كورونا التي أرخت بضلالها على مختلف مناحي الحياة البشرية بما خلفته من هلع و دمار، ستخلد حتما المقطوعة الموسيقية الباذخة "ملحمة الأمل" العمل الابداعي الذي كانت أكاديمية التعليم بمراكشمسقط انطلاقها ، و قلعة تنسيق لحظاتها ، هي مقطوعة اداها عن بعد أزيد من 167 تلميذة وتلميذ واستاذة وأستاذ ومفتش لمادة التربية الموسيقية طلوا من كل جغرافيات الوطن . "ملحمة الأمل" هي سمفونية كورالية راقية من زمن جائحة كورونا، لا مكان هنا لصوت الشخوص التربوية ، ولا لشعر شاعر الحمراء الكبير اسماعيل زوريق، ولكن الكل حضر في عمل فني موسيقي استثنائي ضخم؛ هي سمفونية للاحتفاء بالوطن، وتشفير رسالة امتنان من منظومة التعليم لكل المرابطين في الخطوط الامامية والقابضين على الجمر من اجل تأثيث فرح جماعي لكل بنات و أبناء الوطن، هي دعوة للأمل واستنهاض الهمم حتى تضل ارادة التحدي عصية على الشهية المفتوحة لهذا الفيروس المجنون، هي ملحمة لاستعادة لحظات البهجة والحضور، و تجسيد للربط الراقي بين جمالية الفن وضنك حمل الرسالة الانسانية المرتبطة بهموم الانسان والوطن. المايسترو خالد بدوي المفتش التخصصي للموسيقى بأكاديمية مراكش اعتكف في محرابه الفني لصياغة هذه التحفة الفنية بكتابة موسيقية متعددة الخطوط اللحنية، بعدما انجذب لقصيدة شكلت خصيصا كمنجز يؤرخ موسيقيا لهاته الجائحة. هي قطعة صعبة فنيا تطلبت اكثر من ثلاثة شهور من التنسيق والتمارين المكثفة من منازل التلاميذ والاطر والموسيقيين التي تحولت الى قاعات للبروفات الافتراضية ، فضلا عن قيمتها الفنية والايقاعية، هي كما ارادها خالد بدوي الملحن والموزع و اسماعيل زويريق الشاعر ومحمد بديع البوسني المخرج، هي نشوة الاوثار المتراقصة وفرحة الانعتاق من اسر المكان والزمان في افاق رحبة غير مطروقة، هي انعاش لكل القلوب التي فطرها فيروس كورونا، هي مرادف للفرح والانتصار و دعوة للأمل والايمان بالانتصار والفرج : يقول مطلعها : ان طال الليل سيفرج ما طال على نفس حرج واذا اشتدت يوما كرب فمن المولى يأتي الفرج الليل مضى والفجر بدا وصباح الفرحة ينبلج أنوار الأمل هي ايضا قصيدة عربية فصيحة تربو عن 20 بيت ابدع فيها شاعر مراكش الكبير اسماعيل زوريق، كانت رحلة عبور من شتات الذات الى واحة الوعي المطرز بالثقة المغلف بشفافية الامل وتفائل الحاضر لاستشراف طموح الانتصار على فيروس كورونا، هي أبيات شعرية طوعها خالد بدوي واحد من كبار من امتهنوا الفن الموسيقي الراق الملتزم في هذا الوطن في مسيرة باذخة امتدت لعقود، فوضعها في قالب لحني جميل فكانت بحق قطعة ارستقراطية تتجوف الفن وتلامس شغاف الوجدان المغربي في هذه الظروف العصيبة. اغنية ملحمة الامل هي لحظة متفردة ابدع فيها نساء ورجال التعليم، هي اهداء للوطن و تكسير لروتين الحجر الصحي واحتفاء بصمود وبأجواء الانتصار على تداعيات الجائحة وعلى الالم ؛ سمفونية ستبقى محفورة في الذاكرة الابداعية الوطنية.