بطقوس وعادات متأصلة في ثنايا الماضي العريق ومتعطرة بنفحات الإيمان الذي يزكيه رمضان في أفئدة الصائمين، يستقبل السعوديون الشهر الفضيل وسط أجواء روحانية تنعكس تجلياتها على كل تفاصيل حياة المجتمع طيلة هذا الشهر الكريم. فبحلول رمضان الفضيل، ازدانت مدن المملكة ولاسيما حواضرها الكبرى بأبهى حللها وأنصعها ضياء وإشراقا، وظلت حواري المدن العتيقة كالدرعية التاريخية في الرياض تتلألأ بالفوانيس والأشرطة المضيئة. كما تتوهج الشوارع الرئيسية والمراكز التجارية وواجهات الفنادق والمطاعم بالأهلة والنجمات المضيئة، فيما تومض أبراج المدن الكبرى كبرجي "المملكة" و"الفيصلية" المعلمتين الأكثر شهرة بالرياض. وتكتسي الاحتفالات بقدوم الشهر الأبرك في السعودية هذه السنة حلة جديدة تتماشى مع توجه المملكة الجديد، إذ قامت الهيئة السعودية للترفيه بمبادرة استحسنها المواطنون تمثلت في تزيين سماء بعض المدن بلوحات إبداعية جاذبة هنأت فيه الهيئة سكانها بمقدم رمضان. ويدخل هذا العرض في إطار استراتيجية الهيئة العامة للترفيه، التي تشمل برامج خاصة بالترفيه والمتوافقة مع تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وعادات المملكة الأصلية، حيث أعلنت الهيئة، مؤخرا، عن برامج ذات صبغة دينية وأخرى ترفيهية منها مسابقة دينية تهم أجمل تلاوة للقرآن الكريم وأجمل صوت لرفع الآذان، التي سيتم تنظيمها بالمدينة المنورة ومفتوحة في وجه جميع المسلمين، حيث سيتم تمكين الفائز بها من رفع الآذان بالمسجد النبوي الشريف. ووفاء لتقاليد المملكة وعاداتها، خصصت الهيئة مسابقة لرياضة السباحة والرماية وركوب الخيل أطلق عليها إسم الصحابي الجليل عمر ابن الخطاب "الفاروق "، وكذا مسابقة "رحلة الهجرة" على طريق هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام ومسابقة "إطلاق المدفع". كما سيتم تنظيم عروض حية للمسرحيات العربية والخليجية والعالمية تجوب المدن السعودية، هذا دون إغفال شريحة الأطفال الذين خصصت لهم الاستراتيجية نصيبا مهما هذا الشهر بتنظيم مسابقة أطلق عليها "تميمة الترفيه والشخصية السعودية للأطفال". وفي هذا السياق، أكد الإعلامي فتح عبد الرحمان، أن محتوى روزنامة الترفيه خلال رمضان الأبرك بالسعودية تتضمن برامج ذات محتوى تراثي وثقافي، موضحا في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن البرنامج يتم تقديمه في قالب جذاب، الأمر الذي يزيد من بهجة الأجواء الروحانية التي تحياها الأسر خلال هذا الشهر، كما يترك أثرا حسنا في نفوس الأجيال الجديدة التي تتوق إلى هذه الأجواء الرمضانية. وذكر بأن الترفيه في المملكة العربية السعودية يشهد فقزة في ظل استراتيجية الدولة "جودة الحياة" التي تتضمنها "رؤية المملكة 2030″، مبرزا أن رمضان يعد "محطة مهمة لصناعة الترفيه"، حيث أعلنت هيئة الترفيه عن العديد من الفعاليات الهادفة والمفيدة لمختلف شرائح المجتمع، كما تتناسب، على الخصوص، مع روحانية هذا الشهر الكريم ومكانته في قلوب المسلمين. وأشار إلى أن المملكة تعول على قطاع الترفيه بمفهومه الشامل للإسهام في الناتج المحلي الإجمالي بشكل سنوي، كونه ينتمي لقطاع الخدمات باعتباره قطاعا اقتصاديا أساسيا. وتجدر الإشارة إلى أن خطة صناعة الترفيه والفن بالمملكة العربية السعودية تدخل في إطار برنامج "رؤية المملكة 2030" التي أطلقت سنة 2016 والرامية إلى تطوير وتنظيم قطاع الترفيه ودعم بنياته التحتية. وغير بعيد عن الترفيه، يرجع السعوديون إلى النهل من الماضي باللجوء إلى الألعاب الشعبية التقليدية التي مارسها الأجداد، منها لعبة "الكبوش"، وتعتمد على مهارات فن الخياطة، ولعبة " شد الحبل" المعروفة في المناطق الصحراوية عموما. ويقول الإعلامي السعودي محمد بن الأسود الشراري، في تصريح مماثل، إن مثل هذه الألعاب، التي تستلهم من التراث والتاريخ السعودي، تساهم في تعزيز الترابط الاجتماعي وكذا في التعريف بها والحفاظ عليها من الاندثار، ويمثل رمضان من كل عام، من أهم المحطات التي يتجدد إحياء هذه الألعاب الشعبية التقليدية. ومع أن الألعاب الشعبية غالبا ما تكون مرتبطة بمواسمها ومناسباتها التي لا تحيد عنها، يضيف المتحدث، إلا أن الإقبال عليها في رمضان يسهم بشكل كبير في تقوية الروابط الاجتماعية وبث روح الألفة والأنس والمحبة، فهي بذلك تحمل معاني سامية في وقت غلبت عليه سطوة التقنية وما تنطوي عليه من الفردانية والانطواء. وفي غمرة الفرح بمقدم رمضان الأبرك، يسبق السعوديون الاعلان عن أول أيامه المباركة باحتفالات تسمى "شعبانية" (مستوحى من شهر شعبان) وكذا بالإقبال على الأسواق والمحلات التجارية التي تعرض أفخر أنواع العطور والبخور وأكسيسوارات الزينة ك (التيازير) الملونة التي تتشرع بها الأبواب والأسوار وسفرة الأكل لدى العائلات السعودية.