أعلنت وسائل الإعلام السودانية أن الرئيس المعزول عمر البشير، نقل إلى سجن كوبر، حيث يقبع عدد من القيادات العليا للنظام السابق. ونشرت صحيفة "آخر لحظة" السودانية على صفحتها الأولى عنوانا يقول: "البشير في سجن كوبر"، فيما أفادت صحيفة "التيار" باعتقال مجموعة كبيرة من قيادات حزب المؤتمر الوطني وإحالتهم إلى سجن كوبر، المخصص للسياسيين. وسجن كوبر هو أحد أكبر السجون المركزية في السودان، بنى في فترة وقوع السودان تحت الاحتلال البريطاني، بعد انتصار القوات البريطانية علي جيش الخليفة عبدالله التعايشي عام 1899 واحتلال السودان. وبدأ استخدام السجن عام 1903، أثناء إدارة المسؤول البريطاني كوبر منطقة الخرطوم بحري، والذي أولى السجن اهتمامًا خاصًا، حيث عرف عنه زيارته المتكررة للسجن وتفقد نزلائه وعرف بمعاملاته الانسانية، لذلك تم اطلاق اسمه علي السجن، بحسب صحيفة "الركوبة" السودانية. وجاء تصميم المبنى هندسيا بشكل مماثل للسجون البريطانية، وتحديدا يشبه سجن برمنجهام البريطاني، وشيد على مساحة خمسة آلاف متر مربع، ويطل على شارع رئيسي لمدينة الخرطوم بحري، وفي موقع قريب من جسر القوات المسلحة الذي يربط الخرطوم بالخرطوم بحري. ويضم السجن 14 قسما، منها قسم المحكوم عليهم بالإعدام، وقسم لمعتادي الإجرام، ولذوي الأحكام الطويلة، وأقسام أخرى للمنتظرين وقسم للمعاملة الخاصة لكبار الموظفين الذين يدينهم القضاء بأحكام سجن وقد تم إلغاء هذا القسم في العهد الوطني. ويوجد في السجن القسم السياسي وبقى هو الأشهر على الإطلاق لارتباط السجناء أو المعتقلين فيه بتقلبات الحكم في السودان. ومن أشهر الذين سجنوا في "كوبر" قيادات الحركة الوطنية أثناء احتلال السودان، قادة أعضاء جمعية "اللواء الأبيض" عام 1924، وهي حركة سياسية سودانية ظهرت في عشرينيات القرن ال20 في السودان لبعث الوعي السياسي الوطني في السودان ضد الاستعمار البريطاني والدعوة للوحدة بين مصر والسودان تحت شعار وحدة وادي النيل. وسجن في كوبر كذلك الزعيم الوطني إسماعيل الأزهري، الذي أصبح مطلع عام 1954 أول رئيس لحكومة وطنية ووزيرا للداخلية. وفي عام مارس 1985 شهد السجن اعتقال أكبر حشد من السياسيين والنقابيين المناهضين للحكم المايوي برئاسة جعفر النميري. وعندما انحاز الفريق عبد الرحمن سوار الذهب في 5 إبريل/ نيسان 1985 لخيار الشعب في استرداد الديمقراطية، وقاد انقلابه الشهير على النميري اتجهت مسيرات شعبية إلى سجن كوبر للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وبالفعل فتحت الأبواب بتوجيه من مدير عام السجون، وخرج كافة السجناء السياسيين. وشهد السجن في هذه الفترة خروج رموز الانتفاضة من "كوبر"، ودخول رموز الحكم المايوي إلى عنبر القسم السياسي وعلى رأسهم اللواء عمر الطيب. وفي 30 يونيو عام 1989 وقع انقلاب الإنقاذ الوطني بقيادة العميد عمر البشير، فتم اعتقال القيادات السياسية، محمد عثمان الميرغني زعيم الاتحادي الديمقراطي والصادق المهدي رئيس الوزراء ورئيس حزب الأمة، وحسن الترابي أمين عام الجبهة الإسلامية التي ظهر في ما بعد أنها كانت وراء تدبير الإنقلاب. ويعد سجن كوبر، واحد من أشهر السجون التي شهدت إعدامات للسجناء السياسيين، أو المنقلبين عسكريا، وأول واقعة إعدام شهدها السجن كانت في ديسمبر/ كانون الأول 1924، بحق مجموعة من الضباط السودانيين كانوا تابعون لما يسمى "قوة دفاع السودان" وهم مجموعة من الضباط قاموا بتمرد عسكري مسلح ضد القوات البريطانية ودارت اشتباكات وبالذخيرة والمدافع الرشاشة، وتم اعتقال من تبقوا أحياء وسجنوا ب"كوبر" وبعدها نفذ فيهم حكم الإعدام رميا بالرصاص. ومن أشهر الإعدامات التي وقعت في السجن إعدام ضباط شباب بقيادة البكباشي علي حامد عام 1959، في أعقاب فشل محاولة إنقلابية ضد حكم الفريق ابراهيم عبود. وفي هذا السجن أعدم قيادات الحزب الشيوعي السوداني عام 1971 في أعقاب فشل الانقلاب الذي قاده الرائد هاشم العطا، حيث شهد السجن إعدام أمين عام الحزب عبد الخالق محجوب وأمين عام اتحاد نقابات عمال السودان وعضو اللجنة المركزية لاتحاد العمال العالمي الشفيع أحمد الشيخ. وكذلك تردد اسم سجن "كوبر" بعد الإطاحة بعمر البشير، مع قرارات الإفراج عن النشطاء السياسيين، حيث تظاهر نشطاء وأقارب المعتقلين في ساحة سجن "كوبر" مطالبين بالإفراج عن النشطاء السياسيين. وتصف منظمة العفو الدولية سجن "كوبر" بالسجن "سيء السمعة بما يحويه من أساليب وحشية أثناء الاستجواب". وتنقل المنظمة الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان تفاصيل مفزعة عن ظروف اعتقال شخص بريطاني الجنسية يدعى مجدي البغدادي، اعتقل أثناء زيارته للسودان في 2011، واحتجز لثمانية أيام في مبنى تابع للمخابرات السودانية، ثم نقل إلى سجن "كوبر". واحتجز مجدي في زنزانة ضيقة مساحتها (3x 2) متر رفقة عدد آخر من الرجال اتُهموا أيضا بأنهم ناشطين أو جواسيس. تنقل المنظمة عن مجدي قوله: "لقد غطت الكدمات جميع أجزاء بدني ولم تكن أمامي طريقة للدفاع عن نفسي لأنني لم أكن قادرا على رؤية الشخص الذي يضربني. وكانوا لا يتوقفون عن ضربي إلا عندما يشعرون بالتعب. ولقد أوسعوني ضربا في إحدى المرات بحيث أنني لم أعد قادرا على المشي بعدها، لا بل وكسروا بعض أسناني أيضا". ويضيف مجدي واصفا التعذيب في السجن: "يأتي الضباط وهم يحملون أنابيب بلاستيكية ضخمة بأيديهم، وأذكر أنه كان بيننا طفلان أو ثلاثة تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما على الأرجح وقاموا بضربهم على مرأى من الباقين لوقت طويل إلى أن تبرز الأطفال على أنفسهم من الضرب والخوف. وتلك تجربة مؤلمة حين يشاهدها المرء، أي أن يتعرض طفل للضرب على أيدي راشدين إلى أن ينزف دما. ولم تكن لديهم أية شفقة ولم يمتنعوا ولو للحظة عن القيام بذلك". ويتابع: "كان المحتجزون يعودون في حالة يُرثى لها بعد اقتيادهم للاستجواب، ولم أعلم ما كان يتوجب علي فعله في تلك الحال أو كيف أقدم لهم المساعدة. كان البعض منهم ينزف دما في مختلف مناطق الجسم، وحتى من فتحة الشرج بالنسبة للبعض منهم".