أكد الباحث في سوسيولوجيا الإجرام والحكامة الأمنية عادل بلعمري ل "كش24" أن مقطع فيديو واقعة محاولة اغتصاب فتاة بوشان من طرف شاب يدرجه المشرع المغربي ضمن جنايات ذوي الصفة، والتي ظهرت للعيان وللمجتمع في تلك الصورة "الوحشية والبدائية". وأوضح الدكتور بلعمري، إلى أن الميولات العدوانية والنزوع الطبيعي والفطري نحو العنف يتم تحييده وإزالته عند الغالبية العظمى من الأفراد بفعل عوامل الضبط الداخلي والخارجي، عن طريق آلية التربية التي تلقن للفرد القواعد والمعايير والنظم الاجتماعية التي يقوم عليها المجتمع، عن طريق مؤسسة الأسرة التي تلقن للفرد معايير المجتمع وهو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية. وتوقف ذات المتحدث، عند مفهوم التنشئة الاجتماعية باعتبارها عملية أساسية وجوهرية يتم بواسطتها نقل التراث الثقافي وخبرات الأجداد وقيمهم وعاداتهم إلى الأحفاد، ومنهم إلى الأجيال القادمة، باعتبارها وسيلة الاتصال الرئيسية ما بين الماضي والحاضر، و آلية للانتقال من الحاضر إلى المستقبل، فعبرها ومن خلالها وفي نطاق الأسرة والمدرسة يتم تلقين القيم المجتمعية والمثل العليا للمجتمع، عبر سيرورة من التطبيع الاجتماعي مع الواقع والتجسيد الجيد لأهدافه والانضباط بأوامره ونواهيه وقيمه، باعتبارها آلية من آليات التغير الاجتماعي، تعمل على نقل القيم الجديدة للناشئة. فالجماعة البشرية يضيف بلعمري تقوم بعملية الضبط الاجتماعي كمظهر من مظاهر القدرة على الكف أو المنع التي تلعب دورا هاما في تنظيم الوظائف وتعديلها وتعمل على مقاومة الاندفاع والتهور الذي يؤدي إلى الاختلال وعدم الاستقرار، والذي يصدر عن مجموعة من الأحاسيس والتي يرجع مصدرها للتركيبة البيولوجية والحيوية للإنسان. وقال الدكتور عادل بلعمري، أن بعض الأفراد المجرمين المتأصلين أو الذين تطغى عليهم الميولات الإجرامية القهرية فهم يفتقدون لما يسمى بعوامل المقاومة وعوامل الضبط الداخلي للميولات والنزوعات العدوانية الفطرية، ولا يستجيبون لعوامل الضبط الخارجي المتجسدة في سلطة القوانين و العقوبات وردود الفعل الاجتماعية، بفعل غلبة عوامل شخصية أخرى، لكونهم لا يأبهون بمصير الآخرين، ولا يعيرون أهمية للأحكام القيمية والأخلاقية، لكون أصحاب الميول القهرية القبلية، يتوجهون للانتقال للفعل في كل موقف إجرامي يعترضهم. وأبرز الباحث السوسيولوجي، أن الدافع الذي يحرك ويدفع الفرد للانتقال للفعل موجود داخل الفرد نفسه وليس خارجه، وهو ما يسمى بالعوامل الداخلية والتي تحصل في الأساس نتيجة لعلاقة سلبية بين الدوافع والميولات الإجرامية لدى الأفراد المتأصلين وبين الدوافع الكابحة والضبط الفردي والاجتماعي، بمعنى أن محاولة اغتصاب الفتاة القاصر وقعت نتيجة لتغلب الدوافع والميولات الإجرامية على الدوافع الضبطية الفردية و الجماعية. وأوضح بلعمري أن الجانح كانت لديه ميولات ونوازع إجرامية قاهرة هي من دفعته إلى ارتكاب ذلك الفعل الإجرامي سيما وقد توفرت أمامه الفرصة الإجرامية المتمثلة بالانفراد بالضحية في مكان غير آهل بالسكان، فالاعتداء الجنسي يحدث عندما يغيب الضمير أو الوعي أو عند تعثر القيم والمعايير، وكلها عوامل داخلية مرتبطة بالدرجة الأولى بالفرد نفسه، ومحاطة بالظروف أو العوامل الخارجية التي تؤطرها وتزيد من مفعولها. وخلص عادل بلعمري الباحث في سوسيولوجيا الإجرام والحكامة الأمنية إلى تداخل العوامل الداخلية مع العوامل الخارجية المرتبطة بالمحيط والبيئة، ما يصبح معه من الصعب على الفرد أن يتراجع عن القيام بالفعل أو الانتقال للفعل الإجرامي، في لحظة غياب أو سقوط أو تأثر القيم والمعايير، فالفرد يصبح حينها غير مدرك بحجم العواقب الناتجة عن الأفعال الإجرامية التي يقوم بها، وهذا يؤدي إلى إبطال أو تغييب الضبط الذاتي، ومفعول الضبط الداخلي، وهذا هو ما رايناه بالضبط في مقطع الفيديو الذي يوثق لعملية الاعتداء الجنسي وبالتالي سهل على الفرد مسألة الانتقال إلى الفعل.
عادل بلعمري باحث في سوسيولوجيا الإجرام و الحكامة الأمنية. صدرت له دراسة بعنوان المحددات الاجتماعية والثقافية لظاهرة الإجرام بالوسط الحضري المغربي: مقاربة سوسيولوجية.