هوية بريس – الأربعاء 30 أبريل 2014 أعتقد أننا نمتلك اليوم إشكالا عويصا في المدينة، لا يتعلق فقط بالتهميش الممنهج وضعف سياسات التنمية وتفشي ظواهر الفساد والنهب وانعدام المسؤولية التي أصبح يعرفها الجميع ويتحدثون عنها، بل ويتعلق كذلك بعملية إنتاج النخب القادرة على التسيير والتدبير بشكل عام والمساهمة في تحمل المسؤولية واتخاذ القرار في إعداد السياسة العمومية المحلية وتجاوز حالة الجمود والتسيب التي نعاني منها منذ عدة سنوات؛ أولا– لان أغلب الأطر والكفاءات من أبناء المدينة الذين غادروها وتولوا مناصب إدارية ووظيفية بمدن أخرى أو بمدن المركز مثل الرباط والدار البيضاء أو طنجة لم يلتفتوا بعد مغادرتهم للمدينة وراء ظهورهم لكي يردوا الجميل للمدينة، ويعيدوا لها الاعتبار أو يتحملوا جزءا من همها ومعاناتها، بل وكثير منهم اليوم يكتفون بالنقد المتعالي والتهكم والسخرية والنأي بالجانب عن معمعة ما يسمونه الفساد والفاسدين الذين لم يتركوا مجالا لأحد كي يزاحمهم على مناصب ومقاعد المسؤولية المحلية أو إبداء الاهتمام بما يقع من تطورات وأحداث… حتى ومن موقعهم بمدن المركز ووظائفهم المرموقة لم يعملوا على أداء حق المدينة عليهم وهذا النوع من التملص من مسؤولية الدفاع والترافع من أجل قضايا التنمية المحلية على المستوى المركزي جعل من العرائش وإقليمها الأكثر تهميشا على صعيد جهة طنجة-تطوان والأقل استفادة من الدينامية التنموية التي شهدتها في السنين الأخيرة، خاصة إذا أضفنا معطى ضعف الأداء البرلماني لمنتخبي الإقليم الذين كان بعضهم يترشح فقط من أجل الدفاع عن مصالحه الشخصية والحزبية أو من أجل اقتناص المقعد السهل كما فعل الوزير الأول السابق عباس الفاسي الذي لم يفد انتخابه المدينة بأي شيء على الإطلاق. بل إن عددا من المشاريع الكبرى التي كان يتوسم العرائشيون فيها خيرا، لم تزد في واقع الأمر المدينة إلا عزلة وتهميشا مثال (الطريق السيار) بسبب وجود منفذ وحيد يبعد عن المدينة ببضع كيلومترات في أقصى جنوبها مما أدى اقتصاديا إلى إغلاق عدد من المطاعم الشهيرة وإفلاسها وعدم خلق بدائل اقتصادية لها ونفس الأمر ينطبق على (مشروع القطار الفائق السرعة) قيد الإنجاز بحيث أن وضع المدينة لم يتم أخذه بعين الاعتبار ولم يتم التنبيه إليه لدى وضع التصاميم وإعداد الدراسات الاقتصادية للمشروع وتأثيراتها على المجال المحلي. ثانيا– النخب التي تقطن بالمدينة أغلبها مؤدلج ولا تتعامل مع الشأن المحلي إلا بمنطق المقارعة الانتخابية والمصلحة السياسية والمصلحة الشخصية دون أدنى غيرة على الصالح العام المحلي خاصة أولئك المتواجدون بالمجلس المحلي وظهر هذا جليا في عدة محطات أقربها إلى الأذهان صفقة التدبير المفوض للنظافة التي أفضت إلى الكوارث البيئية التي تعاني منها المدينة اليوم… أما النخب من غير أبناء المدينة والذين يشغلون مناصب في الإدارة والتعليم والقطاع الخاص فاغلبهم لا يبالي ويقتصر نشاطهم على العمل الجمعوي النخبوي والمجالات المغلقة ومنهم الأطباء والمحامون والصيادلة ورجال التعليم، فخارج العلاقات الوظيفية والعلاقات الاجتماعية الشخصية لا نجد لهم حضورا في الدفاع عن قضايا الشأن العام المحلي. ثالثا– النخب الإدارية والثقافية المحلية هي نخب في غالبها غير مؤهلة للترافع عن قضايا المدينة والدفاع عنها، من حيث امتلاك الثقافة القانونية والرصيد المعرفي الذي يخولها الذهاب بعيدا في عملية الترافع، ومن جهة أخرى لكون اغلبها تفتقد للتجربة في المجال السياسي والجمعوي بسبب انكفائها الذاتي ونظرتها المتعالية وعدم اعترافها بقيمة العمل المدني والسياسي في التغيير وعدم متابعتها الجيدة للتطور المفاهيمي والقانوني والهيكلي المرتبط بالمجال المحلي خاصة مفاهيم الديمقراطية التشاركية والديمقراطية المحلية والأدوار الجديدة للمجتمع المدني. وفي المقابل فان النخب السياسية بالإضافة إلى افتقادها للتربية والثقافة السياسية السليمة فإنها تتعامل بمنطق المحاصصة والمنفعية والزبونية وتصفية الحسابات فيما بينها والتملق للسلطة وانتظار المواسم الانتخابية دون ادني اعتبار إلى المالات العامة التي قد تفضي بها هذه المسلكيات، التي نقلتها بشكل مرضي وبائي إلى المجتمع المدني وأدت إلى فتح الأبواب على مصراعيها للوبيات الفساد من اجل استثمار هذا الوضع لتكريس وجودها. رابعا– فقدان الثقة لدى أغلب شرائح المجتمع المحلي في النخب المحلية (جمعويين وسياسيين ومثقفين) وفي مصداقيتها بل وفي طبيعة الشخصيات المؤثرة بسب التهريج والكذب المتواصل الذي اتسموا به وتبخيس المجتمع المدني وقدرته على التغيير. خامسا– أن العرائشيين عموما أصبحوا ينظرون بنظرة الريبة والشك والسلبية في كل من يشتغل بجدية ويحقق بعض المكتسبات أو يحقق شعبية معينة ويعتبرونه إما متسلقا أو باحثا عن الشهرة أو له أهداف انتخابية أو مطامع مادية كما أن هناك سياسة معينة تبنتها السلطة عملت منذ عامل الإقليم الراحل بوسيف على إحباط أي محاولة لإنتاج نخب عرائشية مؤثرة تتولى مراكز القرار بالمدينة خاصة من خريجي الجامعات وحملة الشهادات العليا، وقد بدا هذا من خلال سياسة التوظيفات وتولي المسؤوليات في العمالة والجماعة المحلية وغيرها من الإدارات والمندوبيات حيث بقيت اغلب التوظيفات قاصرة في مناصب محدودة وخصت بعض أبناء المعارف والمتملقين في إطار المحسوبية والزبونية. سادسا– أن اغلب أبناء المدينة هم من الذين اختاروا الهجرة إلى الديار الأروبية، وهؤلاء رغم الحب الكبير الذي يكنونه للمدينة إلا أنهم يبقون معزولين عن الهم اليومي التدبيري للمدينة وأغلبهم يتفاجأ عند قدومه لقضاء عطلته بالمستوى المتدني الذي وصلت إليه. كما أن العائق الذي يعترض أغلبهم أنهم من الجيل الذي لم يتمكن من الحصول على مستويات عليا وأكاديمية من التعليم تتيح له الترافع بشكل جيد في الخارج من أجل ترويج المنتوج الثقافي والسياحي للمدينة وجلب الاستثمارات باستثناء عدد من النماذج المعدودة على رؤوس الأصابع. إلا أنه علينا القول بأن أغلب أبناء المدينة المهاجرين في الخارج يقدمون عونا ماديا حقيقا لأسرهم حيث تساهم الحوالات التي يبعثونها إلى أسرهم إلى التخفيف من كثير من التناقضات والفوارق المعيشية والاجتماعية التي تعرفها أسرهم خاصة وان فئة كثيرة تنتمي إلى الأحياء الهامشية. سابعا– يبقى عمل المجتمع المدني نقطة ضوء جميلة في المدينة، لأنه استطاع بالرغم من ضعف الإمكانيات وأدوات الاشتغال من تجاوز الصعوبات والاكراهات التي تواجهه عن طريق العمل بشكل قاعدي ومتواصل في الأحياء واستطاع بالفعل استقطاب فئات كبيرة من الشباب والمتعلمين وأبناء الأحياء الشعبية وخلق دينامية جديدة شملت المؤسسات التربوية والعمل التطوعي والأنشطة الثقافية والفنية والمحافظة على البيئة والتنمية البشرية، إلا انه رغم ذلك يبقى دون التطلعات وتحقيق الأهداف المرجوة بسبب عدة عوامل يصعب جردها هنا. ثامنا– الإعلام المحلي بدوره ورغم التطور الملحوظ الذي شهده في السنتين الأخيرتين خاصة على المستوى الالكتروني ومساهمته الفعالة في تسليط الضوء على عدد من القضايا والظواهر والأحداث التي تعرفها المدينة، إلا انه رغم ذلك لازال يفتقر إلى الأدوات والإمكانيات اللازمة والتكوينات الضرورية من اجل فرض وجوده وتطوير أدائه وتوظيف وإبراز الكفاءات والأطر البشرية التي يتوفر عليها بشكل أكثر فاعلية وتأثيرا في المشهد العمومي المحلي. تاسعا– يبقى الرهان على إنتاج النخب الشابة والشباب هو من أكثر الرهانات إلحاحا اليوم، ذلك لان استمرار غياب الشباب عن المشهد العمومي وتهميشهم على مستوى تحمل المسؤولية في تدبير الشأن المحلي ما هو إلا تكريس للازمة التي تعاني منها اليوم الحياة السياسية على المستويين الوطني والمحلي وتكريس للظواهر السلبية التي بدأ يعرفها المجتمع المغربي، كنتيجة طبيعة لعدم تفعيل مطلب الإدماج الواسع للشباب خاصة الشباب حامل الشهادات وأصحاب الأفكار والمبادرات الذين يجب إتاحة الفرص لهم للمساهمة في الحياة السياسية والجماعية والمشاركة في تحمل المسؤولية وتدبير الشأن العمومي المحلي.