حظي خطاب العاهل المغربي لمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، باهتمام كبير، بخاصة بعد الهجمات الإرهابية لميليشيات البوليساريو الإنفصالية وقرار مجلس الأمن 2703. حدث المسيرة الخضراء يتجاوز كونه ذكرى وطنية يتمّ الاحتفال بها سنوياً إلى ما هو أوسع من ذلك، بحيث يمثل صفحة مهمّة في تاريخ المغرب المعاصر، لأنّه ارتبط بموضوع تصفية الاستعمار واستعادة جزء أساسي من التراب الوطني الذي مزّقته القوى الاستعمارية منذ اتفاقات الجزيرة الخضراء سنة 1906. فالمغرب الذي كان يمثل إمبراطورية مترامية الأطراف في شمال وغرب إفريقيا على امتداد الأسر التي حكمت المغرب، اقتطعت منه القوى الاستعمارية المختلفة أجزاءً واسعة لخدمة المشروع الاستعماري القائم على استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة، إضافة إلى استثمار موقعها الجيواستراتيجي. هكذا واجه المغرب في الوقت نفسه قوى استعمارية عدة وما خلّفه ذلك من أثر على تحقيق السيادة الوطنية على مجموع التراب الوطني في وقت واحد. img decoding="async" class="lazyload" width="400" height="227" src="data:image/svg+xml,%3Csvg%20xmlns=%22http://www.w3.org/2000/svg%22%20viewBox=%220%200%20400%20227%22%3E%3C/svg%3E" data-src="https://sp-ao.shortpixel.ai/client/to_auto,q_glossy,ret_img,w_400,h_227/http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2023/11/111111111111111.png" alt="فيديو.. الصحراء والتط بيع "تازة قبل غ زة" دعاء حاخام الي هود بالمغرب بالنصر لجن ود الاحت ل" data-srcset="https://sp-ao.shortpixel.ai/client/to_auto,q_glossy,ret_img,w_548/http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2023/11/111111111111111.png 548w, https://sp-ao.shortpixel.ai/client/to_auto,q_glossy,ret_img,w_300/http://howiyapress.com/wp-content/uploads/2023/11/111111111111111-300x170.png 300w" data-sizes="(max-width: 548px) 100vw, 548px" style="display: inline-block;" / ذكرى المسيرة الخضراء هذه السنة تصادف متغيّرات أساسية، تتعلّق من جهة بتعاطي القوى الكبرى وعلى رأسها الولاياتالمتحدة الأميركية إضافة إلى الأممالمتحدة، مع النزاع المفتعل في قضية الصحراء المغربية، ومن جهة أخرى بالعملية الإرهابية للبوليساريو، والتي استهدفت المدنيين في السمارة، عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي للتصويت على مسودة قرار يتعلق بالوضع في الصحراء المغربية ووضعية قوات "المينورسو" التي تُشرف منذ بداية مسلسل التسوية سنة 1991 على وقف إطلاق النار، كتعبير يائس عن فشل سردية الانفصال، لذلك كان هناك انتظار كبير لما سيعلن عنه العاهل المغربي محمد السادس. الخطاب الملكي اتسم بثلاثة أبعاد ذات طبيعة جيواستراتيجية نوردها في ما يلي: البعد الأول: وطني تجاهل الملك محمد السادس هجمات البوليساريو على السمارة، ذلك أنّه فضّل ألاّ ينجرف المغرب في سردية الحرب، وبدلاً من ذلك، أكّد للعالم أنّ الجواب لحلّ النزاع المفتعل هو التنمية وليس الحرب، من دون أن يعني ذلك أنّ المغرب سيتسامح مع الأعمال الإرهابية، بما في ذلك إلغاء المنطقة العازلة إذا أضحت الأممالمتحدة عبر قوات "المينورسو" عاجزة عن القيام بولايتها في السهر على وقف إطلاق النار. الملك أكّد أيضاً أنّ الحكم الذاتي هو الحل الوحيد للنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وهو ما يحظى بتأييد أكثر من 85 % من أعضاء الأممالمتحدة، وهو ما يعبّر عن الدعم الدولي المتزايد للحكم الذاتي، الذي يجسّده المغرب على الأرض من خلال برنامج تنمية الأقاليم الصحراوية، والذي تصل قيمته إلى 77 مليار درهم. إذ أكّد الملك على استمرار مشاريع التنمية في الصحراء، مع تثمين الواجهة الأطلسية من خلال التجهيزات اللوجستية والمينائية، الاقتصاد البحري، السياحة البحرية… وبداية الاستغلال السيادي للموارد الطبيعية قبالة السواحل المغربية في الصحراء، ذلك أنّه إذا كانت المسيرة الخضراء التي دعا لها الملك الراحل الحسن الثاني في تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 قد حسمت سيادة المغرب على أراضيه في الأقاليم الجنوبية، فإنّ مصادقة البرلمان المغربي بغرفتيه بالإجماع في كانون الثاني (يناير) 2020 على القانون رقم 38.17، المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 1.81 المنشأة بموجبه منطقة اقتصادية خالصة على مسافة 200 ميل بحري عرض الشواطئ المغربية، والقانون رقم 37.17، المتعلق بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.73.211 الصادر في 2 آذار (مارس) 1973، المعينة بموجبه حدود المياه الإقليمية للمملكة المغربية، تُعتبر بمثابة "مسيرة زرقاء" بسط فيها المغرب سيادته على الواجهة البحرية للصحراء المغربية. وقد صادق البرلمان المغربي بغرفتيه، بالإجماع على هذين القانونين، كتعبير عن الإجماع الوطني في قضايا الوحدة الترابية، علماً أنّ إسبانيا ساعتها، أنتجت ردود فعل، تراوحت بين التهديد بالقوة العسكرية، عبر نشر طائرات F18 في جزر الكناري، وبين الرغبة في التفاوض لصيانة المصالح الإسبانية، وهو ما عبّرت عنه الخارجية الإسبانية ساعتها في رغبة جامحة، تبحث عن مخرج لإعادة العلاقات المغربية- الإسبانية إلى مسارها الطبيعي، ما ساهم في تغيير موقفها من قضية الصحراء المغربية في إطار شراكة واسعة وواعدة مع المغرب. البعد الثاني: الدولي القاري تميّز الخطاب الملكي بإعطاء بعد استراتيجي للهوية الأطلسية للمغرب، هنا لا بدّ من التذكير أنّ العاصمة الرباط شهدت في تموز (يوليو) الماضي انعقاد الدورة الثالثة لدول إفريقيا الأطلسية بحضور 21 دولة من القارة مطلّة على المحيط الأطلسي، وهي مبادرة مغربية مبتكرة تشق طريقها بهدوء لتشكّل أفقاً جديداً للمغرب، من خلال ما تفتحه له من بدائل وشراكات في فضاء إنساني واقتصادي واعد يضمّ أهم اقتصاديات القارة. الدورة الأولى عُقدت في الرباط في 6 حزيران (يونيو) 2022، وقد قال المنظّمون حينها إنّ اللقاء يسعى إلى بلورة رؤية إفريقية جماعية تهمّ الواجهة الأطلسية للقارة، باعتبارها فضاءً حيوياً يساهم في إعادة الاعتبار للهوية الأطلسية لإفريقيا، وفضاءً للتعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بما يخدم المصالح الإستراتيجية للقارة. هكذا وعلى مدى ثلاثة أيام ناقش المشاركون في هذا الاجتماع، ثلاثة محاور رئيسة تتعلّق ب"الحوار السياسي والأمن، والسلامة"، و"الاقتصاد الأزرق والربط"، و"البيئة والطاقة". اللقاء الثالث عُقد في نيويورك في 23 أيلول (سبتمبر) 2022، وتميّز بإطلاق برنامج عمل للدول المشاركة يمثل خريطة طريق لتحقيق الأهداف المشتركة التي تمّ الاتفاق عليها في اللقاء الأول. وتيرة الاجتماعات والتزام الدول الإفريقية الأطلسية، يُظهران أنّ الأمور تسير بشكل جدّي ربما يتجاوز في السنوات القليلة المقبلة الصيغة الحالية إلى منظمة إفريقية للتعاون، تتيح للمغرب بصفة خاصة تجاوز جمود اتحاد المغرب الكبير، والذي يجعل المنطقة المغاربية الأقل اندماجاً من بين مناطق القارة. المبادرة المغربية، تدخل في إطار رؤية المغرب للقيمة الاستراتيجية للمحيط الأطلسي، وكيف يمكن استثمارها في إطار تعاون جنوب- جنوب وفق منطق رابح رابح، هذه المبادرة تدخل أيضاً في إطار قراءة جيواستراتيجية عميقة للتحولات على الساحة الدولية، ذلك أنّ العالم اليوم يشهد عودة كثيفة للاتحادات الإقليمية والجهوية، في ظرفية أصبح من الصعب على الدول الدفاع عن مصالحها بشكل منفرد، بخاصة أنّ دول المنطقة وفق وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، تواجه تحدّيات عدة، أبرزها التحدّيات الأمنية، وذلك في ظلّ تصاعد التهديدات الإرهابية والجريمة المنظّمة، إضافة إلى تحدّيات الأمن البحري، حيث أنّ 90% من الحوادث البحرية بما فيها القرصنة، يتمّ تسجيلها على طول ساحل المحيط الأطلسي بالواجهة الإفريقية، كما أنّ منطقة إفريقيا الأطلسية تحطّم كل الأرقام القياسية من حيث قابلية التأثّر بالمناخ، إضافة إلى التحدّيات المرتبطة بالتنمية البشرية والاقتصادية والتنمية المستدامة. المبادرة المغربية أيضاً تأتي في ظل الجمود الذي تسعى بعض الدول الإفريقية لفرضه على الاتحاد الإفريقي، بينما يشهد الاتحاد في السنوات الأخيرة جملةً من التغييرات تهدف إلى جعله رقماً أساسياً في ما يتمّ صياغته من مستقبل للعالم، فالدول الإفريقية الأطلسية ال23 تشكّل 46% من سكان القارة، كما أنّها تمثل 55% من الناتج المحلي الإجمالي للقارة، وتحقق أنشطتها الاقتصادية 57% من التجارة بالبرّ الرئيسي، كما أنّ المنطقة تُعتبر ملتقى جزء هام من التجارة البحرية العالمية، وما تمثله أيضاً من غنى على مستوى الروابط الثقافية. وزير الخارجية المغربي أكّد خلال افتتاح الاجتماع الوزاري الأول، على أنّ دول المحيط الأطلسي الإفريقية، ورغم المزايا التي تتمتع بها، لا تستفيد سوى من 4% فقط من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بالواجهة الأطلسية، في الوقت الذي تستفيد فيه الدول المطلّة على المحيط من الضفة الشمالية من 74%، مشيراً إلى أنّ الدفاع بصوت واحد عن المصالح الاستراتيجية للقارة، هو السبيل الوحيد لحصد ثمار هذا الفضاء الواعد بالفرص، ذلك أنّ إفريقيا الأطلسية تمتلك كل شيء تقريباً لتكون منطقة سلام واستقرار وازدهار مشترك بحسب بوريطة. البعد الثالث: جيواستراتيجي جهوي يتمثل في ما كشف عنه الملك محمد السادس من تحويل التنمية في الصحراء المغربية إلى قاطرة لاندماج دول الساحل والصحراء، في إطار تقديم جواب اقتصادي تنموي عن الأزمات السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة، وتمثل تهديداً مستمراً لشعوبها والدول المجاورة والسلم العالمي بصفة عامة. العاهل المغربي يطرح الأمر في إطار مبادرة دولية يتمّ بموجبها تحويل الصحراء المغربية إلى معبر لتلك الدول إلى المحيط الأطلسي، من خلال شبكة للطرق والسكك الحديد، وبالتالي عوض أن تكون الصحراء المغربية جزءاً من مشاكل المنطقة كما يريد النظام الجزائري، وبكل ما يشكّله ذلك من خطر وتهديد مستمرين للسلام والأمن ومن تعطيل للتنمية، فإنّ المغرب يقدّم جواباً استراتيجياً بتحويل التنمية في الصحراء المغربية إلى جزء من الحل، كفيل بإخراج دول الساحل من دوامة الحرب وعجز التنمية المزمن الذي يجعلها تدور في حلقة مفرغة منذ عقود طويلة. ويُضاف ذلك إلى مشروع أنبوب الغاز "المغرب- نيجيريا"، والذي يضمن اندماج دول إفريقيا الغربية بشكل كبير، ويجعلها فاعلاً في مستقبل الطاقة. هذه الأبعاد الثلاثة ذات الطبيعة الجيواستراتيجية توضح أنّ المغرب يمتلك رؤية واضحة، ليس فقط في ما يتعلق بالتنمية والتطور على المستوى الداخلي، بل يربط ذلك أيضاً بالتعاون على المستوى الإقليمي والجهوي، في إطار علاقات جنوب- جنوب قائمة على منطق رابح- رابح. فهل تسعف الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة الأنظمة المعنية في التقاط العرض- الرسالة؟.