من هو الأستاذ؟، ومن هي الأستاذة؟ هذا السؤال، يفسر جزءا من النقاش الذي يدور حول مشكلة التعليم في بلادنا، وفي الجواب عنه، يكمن جزء من الحل، المرتبط أساسا، بالشق التربوي والمعرفي، الذي يهم عموم المدرسات والمدرسين، والذي يحدد بشكل كبير، صورتهم الرمزية، ومستواهم الإعتباري. مبدئيا، عمل الأستاذ والأستاذة، هو التربية والتعليم، بما يعنيانه من تدريس وتأطير، وتكوين وتقويم وما إليها ؛ هذه هي مهمتهما الرئيسة، التي اختاراها، أو اختيرت لهما، لا فرق في النهاية ؛ والمعنى أن الإشتغال بالتربية والتعليم، يعني الإشتغال بالمعرفة وآثارها، تحصيلا وتدريسا، اكتسابا وتلقينا، ويعني بالتبع، ضرورة امتلاك حد معتبر ومعقول من هذه المعرفة، من طرف عموم رجال ونساء التعليم ؛ فلا معنى لوجود أستاذ لا يشكل الهم الثقافي والتربوي جزءا من انشغالاته اليومية، على الأقل ؛ ولا معنى لوجود رجال ونساء تعليم، لا يأخذون من العلم والمعرفة بنصيب، بما يمكنهم من إنضاج آراء خاصة لها قيمة، حول الأفكار والأحداث والقضايا، التربوية بخاصة، وبما يؤهلهم من امتلاك القدرة على النقاش العلمي، الهادئ والرصين، وبما يكسبهم، مستوى من التميز الموضوعي، نظريا وسلوكيا، على عوام الناس ؛ فماذا يتبقى من صورة الأستاذية، حين يفقد رجال ونساء التعليم قيمتهم الرمزية، العلمية والتربوية، الفكرية والأخلاقية؟، وماذا يتبقى منهم، حين يغرقوا كعامة الناس في أتون السفاسف والتفاهات؟، وحين تضيق اهتماماتهم، فلا تتجاوز حدود المأكل والملبس والمسكن، وبعض الترفيه؟، وحين ترتد نقاشاتهم، فلا تتجاوز حدود الترقية والسلالم، وبعض الإمتيازات المادية، في أحسن الأحوال، مما لا يملكون لتغييره شيئا، عدا الكلام المكرور، وغير المؤطر برؤية ثقافية وسياسية، ناظمة ومضبوطة، في الغالب الأعم. نعم، من حق رجال ونساء التعليم الحياة بكرامة، والدفاع عن هذا الحق بالطرق المشروعة، ولكنهم يدركون بالمقابل، أكثر من غيرهم، أن مهنة التربية والتعليم، تعني الإشتغال بالمعاني، وتعني الإنخراط في صناعة العقول وتشكيلها، وتعني المساهمة في بناء الإنسان المواطن، الذي يعني في النهاية بناء وطن حر، متقدم ومتطور وحديث. إن نساء ورجال التربية والتعليم، بهذا المعنى، هم قادة الوطن الحقيقيون، الذين يحملون شرف إنتاج المضامين والرؤى، والذين يتحملون كلفة إنضاج المسلكيات الناجعة والمفيدة، ورعايتها وتعهدها يوما بيوم، وساعة بساعة، ويكفيهم فخرا أنهم يشتغلون على الإنسان، ويقضون سحابة أعمارهم في بناء هذا الإنسان، وبهذا يستحقون كل التقديروالإعتبار، غير أن تحقيق هذه الغايات الكبرى، والسامية وغير المادية، رهين بمدى حرص رجال ونساء التعليم، على القيمة الرمزية للأستاذية، في بعديها التربوي والثقافي، الفكري والسلوكي، ولنا أن نلاحظ، ما تتعرض كلمة (أستاذ وأستاذة) من ابتذال، وكيف تفقد الكثير من بريقها وحضورها لدى الكثيرين، لأسباب كثيرة ومتداخلة، ترجع في جزء منها، إلى الصورة غير الموفقة، التي يصدر عنها، بعض رجال ونساء التعليم. وبالجملة ؛ إن نساء ورجال التعليم، يتحملون جزءا مهما من المسؤولية، في الصورة التي يظهرون بها، وفي الآراء المبتذلة، التي يتم تسويقها عنهم، حين يرتد بعضهم إلى مستويات لا تليق بمقام المعرفة والدرس، وحين يحول بعضهم المعاني والرموز، إلى بضاعة مطروحة في الأسواق، وحين يخاصمون المعرفة وهم أهلها وناسها.