لا يغيب عن أحد الدور التثقيفي والتنويري المطلوب من رجال التربية والتعليم داخل فضاءات المؤسسات التربوية والاجتماعية عموما والتي تتيح لهم بحكم ،طبيعة مهنتهم ،قدرا وافرا من إمكانية ترسيخ قيم العلم والمعرفة ،كما لا يخفى على أحد أيضا أنهم الشريحة المجتمعية التي يفترض أن تقود وتحمل لواء التغيير والإصلاح شعارا وممارسة، ولا نبعد عن الصواب إن قلنا أن هذه المهمة لن تتم أو تنجز ما لم تلتفت أسرة التربية والتعليم إلى ذاتها وتجري مراجعات نقدية تنصب على المهام الموكولة لها والأساليب المعتمدة في ذلك. غير أن الوضع الراهن و"جذاذات التشخيص" تظهر أن هذه الشريحة المجتمعية تبقى في أحيان كثيرة عصية في وجه أي نقد وتقويم يعنيها، وقلما تتقبله وتستسيغه ،فهي لا ترتاح للنقد بله العتاب واللوم حتى في القضايا ، طبعا ،ذات الصلة بالشأن التربوي والتعليمي والسلوك المهني والذي هو بطبيعته مجال خصب لإعمال آليات النقد والتقويم، علما بأن طبيعة الممارسة التدريسية تسعى لتمهير المتمدرسين على مزاولة النقد والنقد الذاتي. وهكذا فإن فحديث رجال ونساء التعليم مثلا عن أسباب الأزمة التي تتخبط فيها المنظومة التربوية تختزل عادة وبالأساس خارج إطار الأقسام الدراسية أولا وبعيدا عن الممارسة الصفية اليومية ومقتضياتها التدبييرية علاقة بأزمنة الحياة المدرسية وإيقاعاتها.إن تشخيصهم لمصدر الأزمة ومواطنها يتراوح بالتقريب والمبهم بين أعلى جهة في هرم المنظومة وبين أدنى مسؤول إداري فيها ، فلا تكاد تجد ،إلا ما نذر، من يلتفت أو يشكك في جانب من مسؤوليته التربوية بالتقصير أو الفتور، أو في طبيعة تعاطيه مع المهام المسندة إليه انضباطا وتخطيطا وتدبيرا وتنفيذا وتقويما، فيحمل نفسه تبعا لذلك وبروح بيداغوجية جزء ولو يسيرا من المسؤولية . إن المدرس ورئيس المؤسسة والمفتش والنائب الإقليمي ومدير الأكاديمية والوزير(الجسم التربوي) كل هؤلاء ما فتئوا يتلاومون ،ويكاد كل واحد منهم يجزم أن لا مسؤولية له فيما آل إليه الوضع المأزوم للمنظومة ، سواء بالنسبة للشأن التربوي المحلي أو الٌإقليمي أو الجهوي... ففي جل المحافل(المناظرات ، المنتديات ، المشاورات..) والملتقيات التكوينية والمنابر البيداغوجية والإدارية والنقابية يطفو خطاب التبرئة والإحساس المتكلف بالذات المصحوب بسوء تقدير لمؤهلات الطرف الآخر للجسم التربوي ولإمكاناته الحقيقية ومساهماته الفعلية. وفي حالة الاعتراف النسبي بتقصير الذات الفاعلة يكثر الحديث عن الإكراهات والعوامل والعوائق " الموضوعية "ويتوارى الواعظ الذاتي ويهيمن معجم لغوي يبرئ الذات المسكينة ويتوجه باللوم ل" الآخر" داعيا إلى " وجوب "إعادة النظر " في كل شيء تقريبا ما عدا ما يخص الذات الفاعلة ونظرتها لنفسها بما يمكنها من فحص الممارسة و تصحيح المسارات وتغذية الحصيلة والقيام بالمعالجة المفترضة. ينبغي أن نتذكر أن تدني مستوى الروح النقدية والشعور بالمسؤولية ضمن المحيط التربوي، تمتد تأثيراته إلى باقي الأطياف الاجتماعية فيفرز نوعا من التضخم في ثقافة المطالبة بالحق مقابل ضمور ثقافة أداء الواجب والمحاسبة على المسؤولية ، كما ينتج عن ذلك وهن و خلل في معايير التقييم والإنصاف وسوء إعمال موازين الصواب والنزاهة .فهذه الشريحة /النخبة عهد إليها مبدئيا مسؤولية تشكيل جانب من الوعي الاجتماعي وحراسة القيم ومدخلاتها وصناعة الأجيال على المستوى الفكري والعاطفي...ومن المفروض أن تتولى هذه الفئة من المجتمع ، ومهما تكن ظروف العرض التربوي صعبة ،إشاعة نفس النقد والنقد الذاتي والتزام النمط السلوكي المشبع بالرقابة الذاتية والتضحية ونكران الذات والإيثار والوفاء فتكون بذلك نماذج تصلح للتأسي والاقتداء في محيط أضحى أفقه الرحب يضيق بمنظومة القيم الأخلاقية النبيلة ويرفض الإذعان لمستلزمات " العقد الاجتماعي ". وفي هذا السياق ينبغي أن تدرك أسرة التربية والتعليم جيدا نساء ورجالا أن التبشير بالمثل العليا والفضيلة و الحكمة والرغبة في ترسيخ قيم المعاصرة والحداثة والتشبع بروح الحوار والتسامح واحترام الحق في الاختلاف والتفاعل الايجابي مع المحيط الاجتماعي والحكامة الرشيدة...كل ذلك وغيره سيبقى مجرد "شعارات خلابة " فاقدة المعنى إن لم يتم لزوما استحضار ضرورة الاستيعاب الجيد لنبل " الرسالية " وأبعادها التطبيقية والعملية ،وهي في الأصل والمنطلق أدوار توعوية وتنويرية وتقويمية أكثر مما هي تنموية بالمعنى المبتذل للتنمية . ويتوقف ، بطبيعة الحال ، تفعيل جوهر مضامين تلك الرسالة وضمان توهجها على التصدى بحزم لكثير من عوامل الشك المريب والأنانية المفرطة والإحباط المقيت وفقدان الثقة التي باتت تتهدد الكيان الاجتماعي برمته ، الأمر الذي يستلزم مراجعة مستمرة لعلاقة الأسرة التعليمية بذاتها أولا وبالمحيط الاجتماعي الثقافي ثانيا ،خاصة وأنها (الأسرة) ذات علاقة تأطيرية بفئة عريضة من الشباب المتمدرس الذي قد يلتهمه اليأس و يدمره الإحباط ،إن لم يتلق التوعية والتوجيه الأنسب ،وهي مؤشرات ،إن توافرت ،فقد توشك المؤسسة التربوية أن تؤذن بفشلها عن القيام بمسؤولية التنشئة الاجتماعية السليمة والتربية على حسن الاختيار والتوجيه فتكون بذلك قد فقدت ، أو كادت، مسوغات وجودها أصلا لأنها فقدت القدرة على إرساء قيم الحق والجمال والحرية والنبل والتضحية والمسؤولية والإنصاف . إننا نلاحظ أنه غالبا ما يحتدم النقاش ، بين الآباء والمهتمين والمتتبعين ،حول، جوهر مهام المدرس، خاصة ،في سياقات محددة ترتبط ببعض مظاهر الاحتكاكات بين المدرسين والمتعلمين داخل فضاءات الحياة المدرسية وإبان محطات خاصة كتلك المتعلقة بلحظات التقويم والاختبارات حيث تثار في وجه القيمين على الشأن التربوي أسئلة نقدية ذات صلة بجدوى مهمات رجال التعليم متعلقة بالنزاهة والإنصاف وتكافؤ الفرص...وينبغي أن تكون تلك السياقات ،في تقديري ،فرصة لتدقيق صياغة بعض الأسئلة النقدية وإعادة طرحها في علاقتها بالذات التربوية الفاعلة ومن ذلك :أين الخلل بالضبط ؟ ألست هذه الذات طرفا معنيا ؟ كيف السبيل لتجاوز الوضع ؟ ما هي حدود الإسهامات المطلوبة ؟ ما هي الأساليب الممكن اعتمادها لتصحيح الوضح أو التقليص من مخاطر؟ ولئن كان حديث نساء ورجال التعليم عن تراجع وتدني مستويات التحصيل الدراسي العلمي والمعرفي يحسم ،عندهم وغالبا ،بانتقاد للسياسة التعليمية بالدرجة الأولى وجوانبها الإدارية والتنظيمية (الخريطة المدرسية ومنظومة الامتحانات والمباريات وإسناد المسؤوليات وطبيعة التكوينات وبنيات الاستقبال وطبيعة البرامج والمناهج...) فإنه أيضا وعلى مستوى آخر يتم توجيه سهام النقد للامبالاة المتعلمين وسوء انضباطهم وغياب دور الأسرة وتقاعسها عن مؤازرة وتعزيز جهود الفاعلين داخل المؤسسة التربوية ،ولئن كان هذا جزء من الإشكال ، فإنه لا يجوز إغفال العوامل المتعلقة بالذات التربوية الفاعلة ، وتبرئة النفس من مظاهر النقص أو التقصير، إذ ينبغي أن يحظى الفعل الذاتي والمسؤولية الفردية في هذا السياق بالأولوية المنهجية والأسبقية التشخيصية لكونه شرطا أوليا ولازما في التغيير والإصلاح.وتفسير أسباب النكوص والتردي. ولا بد للتحليل المنصف والعميق أن يوافق على العوامل التي يحددها هؤلاء ويعتبرونها في التشخيص للوضع " الكارثي" للمنظومة (خصاص في التكوينات والأطر وغياب تشجيع روح المبادرة وتحفيز الكفاءات وانعدام استراتيجية شمولية ومنسجمة لتدبير الموارد البشرية... )، لكن لا يمكن مطلقا أن نتجاوز ما يرتبط بالفاعلين ضمن أروقة فضاءات الحياة المدرسية و بالممارسة التدريسية اليومية داخل الحجرة الدراسية (أهم وأصغر وحدة تربوية لصياغة وتشكيل ذهنية وعقلية رجل الغد) فضلا عن التدبير الإداري اليومي والنضال النقابي والتفتيش التربوي وهم جميعهم ،على تفاوت ،فاعلون أساسيون ضمن منظومة التربية والتكوين ومهامهم تتكامل ويفضي بعضها لبعض...غير أن القناعة الراسخة تبين أن صلب وجوهر عمليات التعلم تقع في قلب المؤسسة التربوية وتصنع تحت أعين وتوجيه القائمين المباشرين على تلك المؤسسة . وهنا قد يثار ملحظ التمييز بين مستويات الصعوبات التي تعترض مهام العاملين في الحقل التربوي وأقصد فضاءات المؤسسات التربوية العمومية ،ففي الوقت الذي نجد يسرا نسبيا في ظروف اشتغال البعض فإن مهام زملائهم آخرين (خاصة في المناطق النائية والأوساط القروية وشبه القروية ) تبقى مهام " القابضين على الجمر"غير أن صعوبة المهام وربما مخاطرها ينبغي أن تكون هي الباعث الحقيقي على صيانة حق التعلم وإكساب الروح النقدية للشركاء البيداغوجيين (المتعلمين رجال الغد) في أفق مواجهة مستقبلية محتومة تضعهم وجها لوجه ضد الحيف الاجتماعي والزبونية والمحسوبية القاتلة ،وذلك بسلاح الوعي النقدي الوظيفي المتبصر. وإذا كان النقد ضرورة لا ضررا فإن هذه الكتلة الهائلة من المواطنين / الموظفين والتي يتوقع منها الارتقاء بمستوى الوعي العام بقضايا الأمة والتحديات المعاصرة التي تواجهها ، فإنه يتعين أن تجعل منه شأنا يوميا وممارسة بيداغوجية/مهنية كما تنص على ذلك المناهج التربوية للوحدات الدراسية نفسها التي عهد لرجال التعليم تنفيذها وإرساءها ،فمن المبادئ التي يستند عليها تدريس الفلسفة مثلا نقرأ " يعمل تعليم الفلسفة في السلك التأهيلي من التعليم الثانوي على تنمية الوعي النقدي والتفكير الحر والمستقل وعلى التحرر من مختلف أشكال الفكر السلبي" { التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادة الفلسفة بسلك التعليم الثانوي التأهيلي نونبر 2007 ص.4 } وعند استعراض مواصفات المتعلمين المعتمدة في مراجعة المناهج التربوية نجد : " وأما الحاجيات لشخصية للمتعلمين في مجال القيم فتتمثل فيما يأتي :إعمال العقل واعتماد التفكير النقدي والاستقلالية تفكيرا وممارسة " { التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس اللغة العربية بسلك التعليم الثانوي التأهيلي نونبر 2007 ص5} ولنا أن نتذكر أن حركية التاريخ وسنن العمران البشري تقود إلى نتيجة مفادها أن نهضة أو تخلف المجتمعات رهين في الاعتبار الأول بتضحيات رواد الإصلاح ، فسقراط المعلم وأحمد ابن حنبل الفقيه وجاليلي العالم... وقبلهم الرسل والأنبياء لم يكونوا في محنهم ومهامهم ،بالمعنى العام، إلا رجال تربية و" حركة إصلاحية "، مارسوا النقد والنقد الذاتي وكان سلاحهم في ذلك الكلمة المسؤولة والتضحية من أجل إنفاذها تحقيقا لمطالب مشاريعهم المجتمعية الإصلاحية الكبرى. لذا ،يجدر بكل مدرس وإداري تربوي، ألا تكون لديه أية حساسية تجاه الاعتراف بالخطأ وممارسة النقد الذاتي و تقبله والترحيب به على اعتبار أنه مساهمة في بناء الذات وموجه لها نحو الرشد والصواب بينما النزوع ل"استصنام" الذات والتمركز حولها من شأنه أن يعمي عن رؤية حقيقة العوالم وجوهر الأشياء، و يكون من شأنه أيضا، تحويل الذات الفاعلة إلى مرصد وحيد للإطلالة على قضايا المجتمع و حقيقة تفاعلاته ومنها القضايا المتعلقة بالشأن التربوي والبيداغوجي ،فلن " تستعيد أسرة التعليم مهامها التغيرية... إلا بتحرير وعي الاسرة التعليمية من عتمة الأنا القاتلة " كما يرى الأستاذ عبد الإله دحمان ولهذا فإننا لا نركن كلية لبعض المقولات السائدة والجاهزة التي تنزع نحو الشعور بالمظلومية أو تمجد الذات التربوية تمجيدا الشاعر الجاهي لقبيلته وتفرط في إضافة صيغ الأولوية والأفضلية والمبالغة لذاتها(أول من ،وأفضلمن ... وأكثر...) وتروم التعالي الفئوي وتوظف توظيفات تبريرية مقولات : " مهنتنا تتغذى من أعصابنا وتشرب من دماءنا " و " إنما نقتات من أجسادنا " وكذلك "رجل التعليم هو كل شيء ومن دونه لا يكون أي شيء " و" المدرس أولا وأخيرا " كما أنه ليس من الضروري اللجوء إلى " المقدمة الطللية " كلما اشتهينا الكلام عن الأسرة التعليمية ،وذلك بالتباكي وإغداق الأوصاف الوردية على المدرسين ومهامهم : " مهمة الرسل والأنبياء " ، "صورة القداسة " ،" أنوار النبوة " ، "قادة المهام التاريخية " ،"خبراء التدافع الحضاري" " نواة التغيير" إن ماهية أسرة التربية والتعليم من غير الشعور بالحاجة الى النقد الذاتي يضيع المعنى من محتوى الرسالة الموكولة إليهم إبلاغها للأجيال فلا كينونة حقيقة لهم من دون ممارسة فعل النقد الذاتي وإرساء ملكته بين صفوف الناشئة المتمدرسة،وأحسب أن الاشتغال على إنماء وصقل ملكة النقد الذاتي بين المستهدفين يعد بمثابة صناعة ثقيلة ضمن " وحدات الإنتاج التربوي " . ومهما تكن طبيعة المناهج والبرامج التربوية المعتمدة رسميا "ميتة " فإن المدرس الكفء والمستميت قادر على "نفخ الروح " فيها وهي طبعا قابلة للنقد والتصويب و"إعادة النظر"وهذا جزء من عمل المدرس الممارس وهي أيضا،المناهج والبرامج ، تسعى لتتيح للمتعلمين خصوصا في مراحل دراسية محددة إدراك أهمية التشبع بالثقافة النقدية . وهنا يجدر بنا أن نذكر أن خلطا كثيرا قد يقع كلما تحدث أحدهم عن كرامة الأسرة التعليمية وما يجاورها من مفاهيم كالشرف و العزة و الكبرياء والأنفة ، فباسم الكرامة الموهومة قد نرفض النصح ويكون التستر على الخطأ وباسمها أيضا قد يقع التقصير والتجاوز ، لذا لا نرتاح لمعظم الكتابات العاطفية التي تروم في اتجاهها العام المديح والمجاملة المقيتة أو التصدي العنيف لكل من انتقد وقوم سلوكا مهنيا أو ممارسة تربوية مختلة ،أما إن حدث أن كان المنتقد من الداخل (من أسرة التعليم) فإن حظه من اللوم يكون أشد وأقسى .ولذا أوشك النقد الذاتي أن يصبح ،عمليا، مرفوضا لاعتباره مؤامرة و تجريحا وهدما و" نشرا للغسيل". وبذلك تمسي مقولة " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " مجرد دفاع سلبي عن الجسم والهيئة وتصبح أيضا "حمية حرفية " عمياء وعنوان انتساب عاطفي للمهنة ليس إلا.إنه من غير المقبول ولا المعقول أن يرفض النقد الذاتي أو لا يمارسه من يشتغل في حقل منظومة التربية والتكوين ،إذ الفعل التربوي في أصله هو ذلك الفعل الذي ينتج عنه تعديل وتغيير وتطوير في القدرات والموا قف والسلوكات والخبرات والاتجاهات ،ولا يتأتى ذلك إلا بفعل المراجعة والتصويب والمعالجة الدؤوبة والمتجددة لما صدر عن الذات التربوية الفاعلة أولا ووضعه موضع السؤال التقدي مهما كان موجعا...وقد قيل " فاقد الشيء لا يعطيه" .ولكن أيضا ليس من المعقول ألا يحيط المدرس بالقواعد العلمية والأخلاقية والمنهجية لممارسة بيداغوجيا النقد عموما . والملاحظ أن المتعلمين تصدر عنهم ردود فعل متفاوتة وأحيانا حادة تجاه تقدير وتقييم مدرسيهم لإنتاجاتهم المتعلقة بالمراقبة المستمرة مثلا وهو مؤشر على ضعف النفس النقدي وضمور ثقافة مواجهة النقص والتعثر والنأي عن روح العمل بمنطق " من الخطإ يتعلم الناس " فتصوروا مثلا كيف يمكن أن يكون موقف متعلمين بالثانوي التأهيلي من مدرس المادة الذي لم يطلعهم على الفروض الكتابية المحروسة التي أجروها طيلة السنة الدراسية ! فمثل هذا التدبير المختل يدفع الآباء إلى طرح بعض الأسئلة من قبيل:هل أبناؤنا في مؤسسة تربوية أم في "سجن جماعي " ؟ هل حقا التنافس بينهم يقوم على أساس الجهد والاستحقاق أم على اعتبارات أخرى ؟ هل مجتمع المدرسة مؤهل لمزاولة التنشئة الاجتماعية السليمة ؟ هل يمكن الاطمئنان إلى نتائج تقييم أبنائنا ؟ أليس ممكنا أن يستوعبوا ويتفاعلوا مع الدروس من غير حاجة إلى اللجوء للساعات المؤدى عنها ؟هل جميع المدرسين على درجة واحدة من الجدية والحزم المطلوب بما يحقق دمقرطة التعليم ومبدأ تكافؤ الفرصة ؟ فمثل هذه الأسئلة لا ينبغي أن نصم آذاننا عنها ونغمض عيوننا دونها وإن كان الإشكال ينبغي أن يعالج بمنهجية تضمن التوفيق بين حقوق وواجبات كافة الأطراف خصوصا التلميذ الذي طالما نتغنى بأنه يقع في قلب الاهتمام وفي مركز أي تخطيط أعتقد أن الوقت لم يفت بالنسبة لأسرة التربية والتكوين لإجراء مراجعة شاملة حول ممارستها المهنية باستحضار المهام الموكولة إليها بعيدا عن أي مركب نقص أو حسابات ضيقة قد تعيق المراجعة المطلوبة فلننصت إلى هتاف ضمائرنا أولا ولا يضرنا أن نعترف ب عللها و" زحافاتها " فنعمل على تجاوزها معترفين بالخطإ وبنسبته إلى الذات المخطئة مع إمكانية إشهاره باعتباره خطأ مقررا دون محاولة التستر عليه و إخفاء معالمه بدافع الكبرياء أو الجبن فإن ذلك يفوت على النفس شرف الإحراز على " فضيلة الاعتراف ".