هوية بريس – الجمعة 06 ماي 2016 بداية لا تلوموني ولكن لوموا لساني السليط على ‘إسْلٍي' -هذا مصطلح أمازيغي يقصد به في عرف الاستعمال العريس-، يقول هذا السليط؛ لا أجد ما أصف به كلمة أحد المتدخلين ‘إسْلٍي' في ندوة البارحة في موضوع (الصناعة الفقهية الواقع والآفاق) برحاب المدرسة العتيقة ‘إكضي'، إلا كالطير الأبابيل، تسقط علينا كلماته كسفا من السماء، ومن يسترق السمع من قوله يجد له شهابا رصدا؟؟! حقيقة أنا لم أشفق على رأسي أن يشج لأنني وإياه في اللحن سواء، نسأل الله أن يصلح حالنا ولساننا، ولكن خشيت على رؤوس الأدباء والفقهاء واللغويين من الحضور الكرام أن تشج رؤوسهم المليئة علما والمنحية تواضعا فيقضى عليها.. ما أجمل اللغة العربية وعلومها.. وما أكثر أهلها في مجلس البارحة بإكضي.. وقد رأيت طلبتها يتنافسون في إبداع الإنشاءات العربية والقصائد الشعرية قريبا من سوق عكاظ.. يستحيي الإنسان المثول في حضرة مَنْ علَّمهُمْ ولقَّنهُم تلك الفنون الجميلة إن كان أهلا.. وبمجرد أن يُسْمَعُ لحن في قاعة المحاضرات التي شرفوها بحضورهم، يلتفت بعضهم إلى بعض كأنهم سمعوا بهتانا من القول وزورا.. وهذا جميل يحمدون عليه.. لأن هذا الجو هو الذي يدفع الإنسان طوعا أو كرها إلى إحكام أسواره في النحو والاستقامة في أقواله جملها وتراكيبها إن كانت نفسه حية بالطبع.. إننا صرنا في زمن نشاهد فيه الطالب يقبل إقبالا حسنا على المكتبات ومعارض الكتب الدولية والمحلية، فيشتري ما شاء الله أن يشتري من كتب الفكر والتنمية الذاتية والبشرية والاقتصادية.. حتى يملأ بها حقيبته وأسفاره.. وقد يشتري كتيبا صغيرا في الفكر بثمن باهظ ومكلف جدا، وأما كتب التنمية الذاتية بزركشتها وزخرفها وصورها الملونة الفاتنة كأنها لوحة فنية فحدث عن أثمنتها ولا حرج.. ويترك الطالب بجنبه شروح الألفية وحواشيها، وشروح الآجرومية بأبخس الأثمنة ويلهث خلف هذه الكتب كأنها ستورث له علم الأولين والآخرين.. وسبحان الله من حكمة الله مدبر الكون أنه سبحانه جعل كتب العلم الصلب المتين في متناول الطلبة الفقراء، اطلع الله على حالهم فهيأ لهم ما يناسبهم.. فتجد أحدهم يشتري كتاب شرح ابن عقيل أو المكودي على الألفية بخمسين درهما فيعتكف عليه، فينتفع به وينفع به الأمة ويتفقه به فقها عظيما، ويطبب به أدواء لسانه، وتجد ذاك الذي ملأ خزانته ومكتبه بكتب الفكر والزلات والويلات ولا أدري ماذا؟؟؟ لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع؟!! والداء يبقى داءً.. ولا دواء ولا شفاء لحاله.. املأ خزانتك بالأمهات والمصادر الأولى، وأرغم نفسك على قراءتها، واحمل نفسك على قراءة كتب النحو والأدب وحفظ الضروري منها، فإن النفس ميالة إلى الهوى وخواطر المعاصرين (الغنيمة الباردة) التي لا تسمن ولا تغني من جوع في نهاية المطاف.. وإذا اشتريت منها فاشتر على قدَرٍ وكن منها على تقية وحذر.. وإياك أن تقرأ التراث بأعين المعاصرين، بل عليك أن تتولى الأمر بنفسك.. وإذا اسْتَشْكَلْتَ أمرا فاعرضه على أهل العلم المتحققين منه.. واعلم أن المتقدمين لم يطلبوا بتآليفهم مالا ولا جاها، ولا درهما ولا دينارا، فبارك الله لهم في علومهم ومؤلفاتهم، فأحكموها وأتقنوها، ونفعوا بها؛ لأنهم كانوا يتصدقون بعلمهم فيزكو وينمو، فَيُأتِي أُكْلَهُ في كل حين بإذن ربه، وفي زماننا انقلبت فيه الآية فوجدنا صاحب العلم هو الذي يسأل الناس حرصا وإلحافا؟؟! فسبحان الله أمسكنا في العلم والمال فأمسك الله علينا.. نسأل الله السلامة والعافية.. وأخيرا أعتذر للسيد ‘إسْلِي' وأقول له إنما حملني على كتابة هذه الحروف الغيرة على ‘إكضي'.. معقل العلم واللسان والأدب..فالحمد لله أن المدارس العتيقة بسوس مازالت وفية للقرآن واللسان وهما توأمان عندهم لا يفترقان.. ودرجة الفقه في الدين عندهم تقاس بدرجة الفقه في اللسان والتمكن منه.. وإذا ذهب اللسان ضاعت معاني القرآن جملة وتفصيلا.. وهذا ليس بدعا من القول، فالشاطبي في الاعتصام جعل علوم اللِّسانِ هَادِيَة لِلصَّوَابِ في الكتَاب والسنة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والله تعالى الموفق.