كثيرا ما يندد الفقراء بطمع هؤلاء الأغنياء و جشعهم و سعيهم للربح بلا حدود. ولكن إذا اعتبرنا، مثلا، سائق طاكسي صغير من الفقراء، فكثيرا ما يتعامل بنفس طريقة هؤلاء الأغنياء فيسعى إلى الربح السريع، فلا يتوقف لبني جلدته من الفقراء الذين لا يؤدون له سوى التسعيرة القانونية، و يفضل الإستجابة للسياح الأجانب أو الأثرياء، نسبيا، الذين يؤدون له ثمنا مضاعفا. فهذا إذا نموذج لفقير تمكن من وسيلة ربح صغيرة فاستعملها ليربح كثيرا بأقل مجهود. الكلام عن موجة الغلاء الجديدة التي يقول عنها المحللون الفقراء أن سببها رفع ثمن الوقود من طرف شركات النفط المحلية بدون أدنى سبب معقول، يعني في ظل استقرار ثمن برميل النفط في السوق العالمية، و لا أحد منهم يتكلم عن التجار الصغار الذين يرفعون ثمن بضاعتهم بلا شفقة و لا رحمة و بلا مبرر كلما سنحت لهم الفرصة لذلك، و في بعض الأحيان حسب مظهر الزبون، و لا عن هؤلاء الذين يبيعون، مثلا، لحم النعجة على أنه لحم الكبش، و لحم بقر البرازيل على أنه لحم العجول المحلية ذات الجودة العالية. المشكل إذا ليس في تقلبات السوق بقدر ما هو مشكل تصرف إنساني خاص. فلو أصبح، مثلا، سائق الطاكسي ذاك، أو أي تاجر صغير، بقدرة قادر، صاحب شركة لتوزيع النفط، فهل سيتعفف و يترك فرصة رفع ثمن الليتر الواحد تمر دون اقتناصها، هل سيفكر في وضعية الفقراء الذين يكتوون بغلاء المعيشة، هل سيعلن يوما للتزود بالوقود مجانا لما تتضاعف أرباحه الصافية؟ عموما لا طبعا، إلا من رحم ربي. و لذلك فالشعب المنصف يتقبل إلى حد ما الزيادة في شتى البضائع لأنه يتفهم نفسية التجار سواء كانوا فقراء أو أغنياء، ربما لأنهم تجار من الشعب و إليه… و خلاصة القول أن رفع ثمن الوقود له أسبابا جلية و قد تكون ربما في بعض الأحيان خفية، كضرورة توفير مداخيل إضافية لم تكن في الحسبان، لسبب من الأسباب، لتمويل مشاريع اجتماعية أو مشاريع كبرى تتعلق بالبنية التحتية، مثلا، ولكن يبقى هذا مجرد تخمين طبعا لا يعتد به، في انتظار تواصل حكومي أكثر نجاعة و وضوحا. و تحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء.