تكاد كل لغات العالم القومية المرتبطة بثقافتها وحضارتها أن تتحول الى لغات إحلالية حين تخرج من بلدانها، فتعوض لغة بلغة وثقافة بثقافة، بعد أن تدخل مع اللغات المحلية في صراع الوجود والحدود، وتسعى إلى أن تخلق فضاءات خاصة بها تتمدد فيها لتمحو آثار من كان قبلها في تلكم الديار من اللغات بكل ما أوتيت من قوة اقتصادية وإعلامية وحتى عسكرية. وبعد جولات يسرها الله لي في أكثر من ثلاثين بلدا في القارات الأربع الكبرى عدا أستراليا ،بدعوة من منظمات تربوية دولية لتأطير دورات تدريبية لفائدة مدرسي اللغة العربية والتربية الإسلامية، اكتشفت قدرة اللغة العربية على الاندماج مع كل الثقافات والحضارات على مر التاريخ بحب كبير لا شية فيه، وقفت على هذا في عين المكان فقرأته في عيون السكان، حين وجدتها قد انغرست ونبتت في شمال إفريقيا شمالها من بلاد سوس الى طرابلس الغرب حيث امتزج العرب بالأمازيغ الأحرار نسبا وصهرا، وفي دول الساحل والصحراء وعدد من دول وسط إفريقيا وجنوبها إلى كيبتاون، ووجدتها هناك في آسيا من جنوبها بدول شبه القارة الهندية وجزر المالديف المتناثرة في محيطها ، إلى شمالها على الحدود الصينية، فالعالم التركي إلى بلاد البلقان، ثم البلاد الاوروبية غربها وأقاصي شرقها في بلاد روسيا بحدود بلاد القزغيز ، فعشر ولايات مختلفة الثقافات الفرنسية والانجليزية الإسبانية بالقارة الأمريكية. كل هذه الثقافات المتنوعة أحبت اللغة العربية ودخلتها على صهوة المحبة بدون غزو ولا قهر إقتصادي أو إعلامي أو عسكري، فامتزحت بمائها وهوائها وتربتها وثقافتها وأصبحت جزءا من حضارتها، وجواب أهالي كل هذه البلدان واحد إنها لغة القرآن وليس لغة قوم أو طائفة أو قبيلة، وصلتنا على صهوة محبة الاسلام وقيمه وكتابه ورسوله الخاتم، فاقتنعوا بأن اللغة العربية ليست لغة إقصائية إحلالية إلغائية. فلا تخرجوا هذه اللغة عن هذه الطبيعة وتدخلوها في معارك قومية أو عرقية، اخدموها بكل الجهود الممكنة واتركوها على سجيتها التي دخلت بها قلوب الناس أجمعين، إنها بطبيعتها لغة سلمية حين نزل بها الكتاب المبين رحمة الله للعالمين.