إن مناقشة مسألة الإكتظاظ داخل السجون في بلادنا، تقتضي بالضرورة التفكير الجدي، في أمر هذا الكم من السجينات والسجناء، الذين تقودهم أقدارهم وأفعالهم إلى السجون. كيف أصبح عندنا هذا الكم من السجناء والسجينات ؟، ما الذي حدث ويحدث حتى أصبحت سجون بلادنا، لا تستوعب أعداد المواطنات والمواطنين الذين يتوافدون عليها لسبب من الأسباب ؟، ولماذا يتحول كل هؤلاء إلى جانحين، ثم إلى مجرمين ؟، أين المؤسسات التربوية والإجتماعية والسياسية المعنية، برعاية وتأطير وتحصين هؤلاء المواطنين ؟ حتى لا يتحولوا إلى سجناء ؛ علينا أن نبحث عن الحلول في مظانها وأصولها ؛ نعم، المقاربة الأمنية لها دورها، ولكنها لا يمكن أن تنوب عن الجميع، وإلا فكل السجون لن تكفينا، وحتى العقوبات البديلة، أو ما يسمى كذلك، لن يكون لها معنى، فالسجين يبقى سجينا، في الداخل كما الخارج، والأصل أن لا يكون المواطنون سجناء، وأن لا يحملوا هذه الصفة ابتداء. إن المواطنات والمواطنين مبدئيا، لا يصح أن يدخلوا السجن، ولا يليق أن يأتوا من الأفعال ما به يتحولون إلى خارجين عن القانون، وكل المؤسسات المعنية بهم، وبقضاياهم، تتحمل نصيبها من المسؤولية، في حالة تحولهم إلى جانحين، وخارجين عن القانون، بدءا بالأسرة، فالمدرسة، فالمسجد، فالحكومات المتعاقبة، فمؤسسات المجتمع المدني، بما فيها كل الجمعيات والأحزاب السياسية، وانتهاء بالمجتمع بما هو مؤسسة قائمة الذات ؛ وواضح طبعا أن المقصود بهذا النقاش أساسا، هم سجناء الحق العام، والشباب منهم بخاصة ؛ فماذا تقدم جل هذه المؤسسات، واحدة واحدة، لهؤلاء المواطنين والمواطنات، عدا الكلام والوعود ؛ ماذا تفعل من أجل حمايتهم من واقع المأساة ؟، وماذا تقدم لهم حتى لا يتحولوا إلى خارجين عن القانون ؟، وماذا ننتظر حين تتخلى الأسرة عن أدوارها التربوية والأخلاقية، وتتحول المدرسة إلى بناية صماء، تفرخ الأميين والعاطلين، بشواهد وبلا شواهد ؟ ؛ ماذا ننتظر حين يتخلى المسجد عن دوره الروحي والتفقيهي، وماذا ننتظر حين تتخلف الجمعيات والأحزاب عن أدوارها التوعوية والتأطيرية، وما العمل حين يفقد المجتمع قيمه التضامنية والناظمة ؟، ما العمل حين يتحول المواطن إلى كائن أعزل، يصارع طواحين الهواء وحده ؟، الجهل والعطالة والمرض والحاجة ؛ المؤكد أننا سنحصل على كائنات بشرية شوهاء، ينقصها معنى الإنتماء إلى هذا الوطن، لأنها ببساطة تعيش بلا كرامة، وتفتقر إلى أبسط شروط الحياة العادية ، وأقول العادية ؛ ومع الأيام، وتوالي صروف الأيام، تتجه إلى تدبير حلولها بذواتها، وبما يشبه الإنتقام من الجميع، حتى وهي لا تميز بين مستويات هذا الجميع ؛ ولنا أن نتأمل في من يغادر السجن، ليعود إليه بعد ذلك بأيام قلائل، وكأن شيئا لم يكن . إن التفكير في حلول لمعضلة الإكتظاظ داخل السجون، باقتراح بدائل أخرى، ليس إلا تدبيرا آنيا وسطحيا، ونتائجه ستكون محدودة، ما لم تتم مطارحة ومعالجة مسألة الخروج عن القانون، في أصولها وجذورها وحقيقتها، وما لم يمكن المواطن العادي، من شروط الحياة الكريمة، وما لم تقم المؤسسات المعنية بقضاياه، بأدوارها ووظائفها المنوطة بها .