هوية بريس – الإثنين 02 ماي 2016 الباب الأعظم للشيطان ليس أن تقع في الذنب، الباب الأعظم للشيطان هو في أن تهجر الطاعة وتصير الذنوب لك حالا دائمة. فالمشكلة الكبرى في الذنب ليست هي نفس الذنب، ولكن أن الذنب يتركك في حالة وهاء نفسي، يختلط فيها احتقار النفس بتخلي حفظ الله عنك؛ مما يقود للاسترسال في ذنوب شتى، ويقود للمصيبة الكبرى حقًا= وهي ترك الطاعات. ولعل هذه هي الأزمة العظمى التي تتسبب فيها كبائر الذنوب، أنها تقود إلى هذا أسرع بكثير. فمِن أسوأ عقوبات المعاصي: أنَّها تفقدك الثقة بنفسك، وتحدث خللًا في جهازك المناعي. وهذا هو الأصل الذي يندرج تحته ما يذكر من أنَّ من عقوبة الذنبِ: الذنب بعده. فأنت تكونُ بعد الذنب في حالة وهاء نفسي وفقدان للثقة، وهذه الحالة هي مفتاح القنوط. لكنَّها ليست حالة لازمة لا فكاك منها، وإلَّا لَمَا قال -صلى الله عليه وسلم-: ((وَأَتْبِعِ السَّيِئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا)). ومن أعظم الوسائل المعينة على استعادة الثقة بعد الذنب: التوبة، والاستغفار، والفزع إلى الصلاة، وقراءة القرآن. وإن عدت للذنب؛ عد ثانية لهذا العلاج؛ فإنه: ((لَنْ يَمَلَّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا)). {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}. وفي الخبر أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ؛ لَخَلَقَ اللهُ خَلْقًا يُذْنِبُونَ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ)). فما أعلمك إياه: هو أن تصنع لك مسارًا ثابتًا للطاعة، لا يتأثر بوقوعك في الذنب، واحرص على عدم الاسترسال في ذنوب أخرى حتى ولو ابتليت بذنب أصررت عليه لا تطاوعك نفسك على تركه، فلا تنتقل من خانة إلى خانة، لا تنتقل من خانة الإذناب بلا إصرار إلى خانة الإذناب بإصرار، ولا تنتقل من خانة الإذناب بإصرار إلى خانة الاسترسال في الصغائر، ولا تنتقل من خانة الاسترسال في الصغائر إلى خانة الوقوع في كبيرة، ولا تنتقل من خانة الوقوع في كبيرة إلى خانة الذي لا يبالي أي محارم الله انتهك حتى يُختم له بالكفر والعياذ بالله. دائمًا احرص على الوقوف بالخسارة عند حدها الأدنى، واحرص على بقاء مسار الطاعة ثابتًا لا يتأثر بمسار المعصية، فإذا كنت تحرص على الجماعة ولك ورد من القرآن والذكر؛ فلم تترك شيئًا من هذا إذا وقعت في ذنب؟ إنك كمن وجد في بيته ذبابة ففتح كوة الحائط لتتسرب منها سائر أنواع الهوام، فلا يلبث الحائط أن يسقط ويتهدم البيت كله. ثم إني أحذرك أن تكون ممن يستبشع ما يستبشعه الناس من ذنوب الشهوة مثلا، ثم إن لسانه ليسترسل في أعراض الناس، وإن قلبه ليحمل الضغائن والأحقاد وتعشش فيه سموم القلوب. مهما غلبتك نفسك لا ينبغي أن تنقطع عن ثوابت العمل اليومية، والتي هي بمثابة زادك الروحي، أعني: القرآن، والصلاة، والذكر، والدعاء، وتذاكر كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وسير أصحابه، وتربية النفس على مكارم الأخلاق. وبعض الناس ربما أنكرت نفسُه أنَّه يلازم هذه الثوابت، ثم إنَّ قلبه لا يلين، ونفسه لا ترتدع عن سقطات الذنوب المتتابعة، والحق: إنَّ العلم والعبادة، ولين القلب، وملازمة المساجد، ووصال القرآن، وسائر شُعب الإيمان؛ لا تعطيك حلاوتها إلَّا مع الصبر والمجاهدة، وكثرة القرع على بابها. وأكثر الناس يقرع ثلاثًا، ثم ينصرف، فكيف يصيب حلاوتها؟!