وفاة الطالب الدكتور بدر، بتلك الطريقة المؤلمة، ثم السعي إلى التخلص من تبعات الحادث، مشكلة حقيقية، ثقافيا وسياسيا، ومعضلة صارخة، تسائل منظوراتنا التربوية، كما تسائل وبشكل مباشر، ما نصطلح عليه في دستورنا، بالإختيار الديمقراطي. نعتقد أحيان، وفي لحظات انتشاء جميلة، أن بلادنا تتجه بشكل مقبول وجدي، نحو إشاعة روح المواطنة والمساواة، وإعادة الإعتبار للإنسان المواطن، ونتمنى في دواخلنا لو أن بلادنا تخلصت وتطهرت فعليا، من هذه العقليات والمسلكيات العنصرية المريضة، على الأقل، تقديرا لبعض التراكم القانوني والحقوقي والثقافي، الذي تحصل لدينا، ويمكن التمثيل هاهنا بمبادرة الإنصاف والمصالحة ؛ لكن الذي حدث (ويحدث)، أن موت بدر، وبتلك الطريقة، أعادنا إلى عقود خلت، كنا نسمع فيها، أو نسترق فيها السمع على الأصح، عن أخبار وحوادث، لا نتبين حقيقتها، لأن ذلك لم يكن ممكنا، لغياب وسائل التواصل من جهة، وللتكتم الشديد الذي كانت تحاط به تلك الأخبار، من جهة أخرى، والله وحده يعلم حقيقة ما تعرض له الكثير من المواطنات والمواطنين، فيما سلف من عقود ؛ وبالطبع، حين نريد إعادة كتابة تاريخنا الإجتماعي، أو تاريخ الجريمة في بلادنا، بكل الهدوء المطلوب، سنجد أنفسنا ملزمين، بالنبش في كل الإعتداءات، وأشكال الإستبداد والعسف، التي تم ارتكابها، في حق مواطنين ومواطنات، وتم التستر عليها، لأسباب لا علاقة لها بالعدل، ولا بدولة الحق والقانون ؛ وواضح طبعا، أن هذا هو الطريق الموضوعي والعاقل، بالنسبة إلى البلاد المتقدمة، وكل من يريد أن يحذو حذوها، حيث المواطنون والمواطنات سواسية، أمام القانون، ولا تمييز بينهم في الحقوق كما الواجبات، فعلا، لا قولا وادعاء، وإلا ما معنى الحديث عن دولة الحق والقانون ؟؟ إن قتل المواطن بدر، وبتلك الطريقة البشعة، ثم السعي إلى التخلص من أية متابعة ممكنة، في حق الجاني، يعني ببساطة، أن بيننا من لازالوا يعتقدون أن قوانين بلادنا، لا تلزمهم، ولا تشرع لأمثالهم، وأن من حقهم أن يصولوا ويجولوا في البلاد طولا وعرضا، مادام هناك دائما من يقوم بحمايتهم، وتحصينهم من أية متابعة أو سؤال، وأن قانونهم المعتبر، وغير المكتوب، مختلف عن قوانيننا المكتوبة ؛ ولنا أن نتأمل في من يرتكب جريمة قتل على الطريق، ثم لا يوقف، ولا يحاكم، ولا تنتزع منه رخصة السياقة حتى، ليعود بعدها مباشرة إلى القيام بنفس الفظاعة ؛ ثم يقال إنه مريض وليس في حالة طبيعية، ويدلي بشواهد طبية، وينصرف. إن هذا الإرتداد المؤلم، وهذا التضارب غير المفهوم، يعني أن أشياء كثيرة عندنا، ليست على ما يرام، وأننا لازلنا نكرر نفس المآسي، بنفس التبريرات والدفوعات، التي لا يحكمها شيء معقول عدا، الجاه والمال والنفوذ والغموض وما إليها، وأن أحاديثنا عن الإنسان المواطن، بالنسبة إلى بعضنا على الأقل، لازال مجرد هوامش وحواشي، ليس إلا.