من العبادات العظيمة التي تساعد المسلم على زكاة نفسه وسموها في معارج التقوى منزلة الرباط، وقد أرشد إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورغب فيها؛ فقد روى مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ". فجعل النبي عليه الصلاة والسلام للرباط الشرعي ثلاث خصال؛ أولها: إسباغ الوضوء على المكاره، والمقصود بلفظ الإسباغ هو إتمام الوضوء وإتقانه في كل الأحوال، وخاصة عند وجود المشقة أثناء القيام بذلك في البرد أو عند قلة الماء…، وليس المقصود بلفظ الإسباغ تجديد الوضوء كما هو مشاع عند بعض الناس. ولكي يكون وضوء متقنا وتاما لا بد من أن يتعلم المسلم كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهي دعوة تتضمن طلب فقه الوضوء الصحيح؛ والثانية: كثرة الخطى إلى المساجد، وهي بيوت الله التي ينادي منادي الصلاة إليها، فكلما كان الوصول إلى المسجد يحتاج إلى خطى كثيرة كان ذلك أفضل، وفي بعض الأحوال قد يكون المسجد قريبا، وفي هذه الحالة لو سلك المسلم طريقا أطول تماشيا مع ظاهر الحديث لكان من الفقه الجميل الحسن؛ والأخيرة: انتظار الصلاة بعد الصلاة، أي مكوث المسلم في المسجد من صلاة الفريضة إلى أخرى التي تأتي بعدها، كصلاة العشاءين؛ أي من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء. وهذا الأمر متيسر في هذه الأيام؛ أيام الصيف، فالمساجد تكون أبوابها مفتوحة، وهناك متسع من الوقت يسمح للمرابط بخلوة ربانية يناجي فيها المولى سبحانه وتعالى. لكن للأسف الشديد نرى هذه الخصلة المحمودة هجرت من المساجد، وقليل من الناس من يحييها. أما مكوث المسلم في مصلى منزله أو منزل غيره ينتظر ما بين الصلاتين أو الصلوات فهو غير داخل في الحديث، وتسميته بالرباط خطأ شنيع، لأنه يفضي إلى تغيير الحقائق الشرعية، كما يتضمن مساوئ أخرى تتجلى في ترك صلاة الفريضة في المسجد. فإذا حرص المسلم على فعل الخصال الثلاث المذكورة في الحديث النبوي الشريف وجاهد نفسه في إتقانها فإن ثواب منزلة الرباط ينتظره تكرما وتفضلا من الله عز وجل، كما أنه يشعر بحلاوة الإيمان وسموه نفسه وإقبال على الله، فما أحوج المسلم إلى إحياء هذه العبادة والدوام عليها. اللهم اجعلنا من المرابطين في المساجد ولا تجعلنا من المرابطين على الهواتف.