يقصد بمصطلح "الزواج القاصر" ما كان أحد الزوجين، أو كلاهما، لم يبلغ السن القانوني وهو 18 سنة. وقد أبانت الإحصائيات التي قدمها التقرير(1) الذي أصدره المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول القضاء الأسري بالمغرب لما بين سنتي 2017 2021 أن موضوع زواج القاصر يشكل ما نسبته 5% من مجموع عدد طلبات الزواج التي تم قبولها من طرف محاكم المملكة المغربية، ففي كل مائة طلب إذن بالزواج يكون خمسة منها يتعلق بزواج القاصر. هذا القاصر الغالب فيه أنه فتاة يتراوح عمرها بين 17 سنة فما فوق، وبلغة الأرقام فإن 80% من "حالات زواج القاصر قد همت الفئة العمرية التي تجاوزت 17 سنة"، لا يفصلها على السن القانوني (18 سنة) سوى بضعة أشهر، ما يؤكد أن القضاء المغربي يدبر الحالات المتعلقة بزواج القاصر بواقعية ومسؤولية. ويتأكد هذا الأمر أكثر إذا علم أن في كل مائة طلب من هذا النوع من الزواج يقبل منه 46%؛ يعني أقل من النصف. كما أن التدابير والضمانات الإجرائية التي تتخذها مؤسسة القضاء وفقا لمواد مدونة الأسرة تكرس مبدأ الاستثناء في قبول زواج القاصر، ويتجلى ذلك من خلال ما يأتي: 1 إسناد اختصاص البت فيه إلى قاضي الأسرة المكلف بالزواج؛ 2 الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي لمعرفة سبب الاستعجال؛ 3 ضرورة موافقة النائب الشرعي على هذا الزواج؛ 4 الاستعانة بخبرة طبية تشهد للقاصر القدرة على تحمل أعباء الزواج؛ 5 إجراء بحث اجتماعي حول القاصر إذا اقتضى الحال؛ 6 إصدار مقرر قضائي معلل تبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن بالزواج. وعليه، فإن مؤسسة القضاء أبقت الزواج القاصر ضمن دائرة الاستثناء، ولم تجعله قاعدة كما يروج له التيار الحداثي، رافعا بذلك عقيرته بخطاب مؤدلج وأحكام مسبقة وتباك مفضوح، وتهويل يسعى من خلاله إلى إرضاء أطراف خارجية عن المجتمع المغربي، ويتهم فيه القضاء المغربي في مصداقيته بإبقاء هذا النوع من الزواج دون مسوغات معقولة. ونظرا للجاجة المنطقية إلى تشريع زواج القاصر في ظروف خاصة فقد تبنته عدة دول، ومنها دول غربية، وفيما يلي بعض النماذج من هذه الدول(2): كندا: سن الزواج القانوني: 16 سنة، والحد الأدنى المسموح به لزواج القاصر 16 سنة. (القانون المدني ل20 يوليوز 2005 المادة 2.2). إسبانيا: سن الزواج القانوي: 18 سنة، والحد الأدنى المسموح به لزواج القاصر 16 سنة مع إذن القاضي. (القانون المدني، تعديل 14 نونبر 2012). إيطاليا: سن الزواج القانوني: 18 سنة، والحد الأدنى المسموح به لزواج القاصر 16 سنة مع إذن المحكمة. (القانون المدني، تعديل فبراير 2012، مادة 84). هولندا: سن الزواج القانوني: 18 سنة، و16 سنة إذا كانت الفتاة حامل أو لها طفل، والحد الأدنى المسموح به لزواج القاصر غير محدد. (القانون المدني (تعديل 1992) مادة 1.31). وإذا كان الاستثناء يؤكد القاعدة ولا يلغيها كما هو مقرر لدى العقلاء، فإن إبقاء زواج القاصر ضمن دائرة الاستثناء يعود إلى مصلحة القاصر، مراعاة لظروفه الخاصة التي استوجبت ذلك، وليس محض شهوة جنسية (Pédophilie) كما يصورها التيار الحداثي بالمغرب، وخصوصا إذا كان الغالب في هذا القاصر أنه بلغ سن 17 فما فوق كما دلت عليه الإحصائيات، وأي محاولة إلى إلغائه من المنظومة التشريعية لمدونة الأسرة المقبلة سيكون إلغاء لصوت العلم وتبني نعيق الجهل، ودفعا لمصلحة القاصر وإدخال المفسدة عليه، وهجرا للواقعية في التشريع وتمسكا بأفكار شاذة لا تناسب الواقع ولا الحكمة. (1): أصدره المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول القضاء الأسري بالمغرب لما بين سنتي 2017 2021 . تقريرا يتضمن مقدمة وأربعة محاور، وهي كالآتي: المحور الأول: تطور قضايا الأسرة من سنة 2017 إلى سنة 2021؛ المحور الثاني: وضعية أقسام قضاء الأسرة خلال سنة 2021؛ المحور الثالث: بعض الاجتهادات القضائية في قضايا الأسرة؛ المحور الرابع: مساهمة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء الأسري. (2): المصدر: دراسة حول زواج القاصر ما بين سنة 2004 و2019 قامت بها لجنة عليمة قضائية تحت إشراف مكتب الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض.